الرئيسية آراء وأقلام من يحكم الدار البيضاء؟ الشرعية المنتخبة أم السلطوية المفروضة؟

من يحكم الدار البيضاء؟ الشرعية المنتخبة أم السلطوية المفروضة؟

9b04e68ea418e802e5ab708ea5371a8e
كتبه كتب في 11 يونيو، 2025 - 10:57 مساءً

بقلم:عبد الكبير الحراب

في مساء 10 يونيو، تابع سكان الدار البيضاء أشغال الدورة الاستثنائية لمجلس المدينة، دون أن يعلموا أن واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل ستكون على جدول الأعمال: نزع ملكية عقار خاص بدعوى تخصيصه للمنفعة العامة، بطلب مباشر من والي جهة الدار البيضاء – سطات.

القضية تتعلق بعقار معروف وسط العاصمة الاقتصادية، هو فيلا “موفيليي” الواقعة في قلب منطقة سيدي بليوط. هذه الفيلا كانت محل نزاع سابق بعد صدور ترخيص بهدمها واستبدالها بمشروع فندقي، وهو ما دفع مستثمرًا خاصًا إلى اقتنائها، والحصول لاحقًا على حكم قضائي نهائي لصالحه بعد منع غير مبرر لأشغال البناء.

غير أن تدخلًا إداريًا مفاجئًا أوقف المشروع، رغم حيازة المستثمر لترخيص قانوني وحكم نهائي. اليوم، تُعاد القضية إلى الواجهة، ولكن هذه المرة من بوابة “نزع الملكية للمنفعة العامة” في ظل غموض كبير يلفّ طبيعة هذه المنفعة، ودون أي إشارة إلى مشروع محدد أو ضرورة ملحة.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بإلحاح: ما المانع من استغلال بقعتين أرضيتين فارغتين تقعان على نفس الشارع وتعودان ملكيتهما لجماعة الدار البيضاء، بدلًا من استهداف عقار مملوك لمستثمر خاص؟ لماذا هذا الإصرار على تعويضه بملايين الدراهم من خزينة الدولة؟ أين هي الحكامة في الحفاظ على المال العام؟ وهل “المنفعة العامة” تقتضي بالضرورة التفريط في موارد الجماعة وتكبيدها أعباء مالية لا مبرر لها؟

ما يثير الاستغراب أيضًا هو أن أغلبية أعضاء المجلس الجماعي عبّروا بشكل صريح عن عدم اقتناعهم بهذه النقطة، ورفضهم المبدئي لنزع الملكية، إلا أنهم صوّتوا لصالح القرار تحت ضغط واضح، مبررين ذلك بكون الطلب جاء من السلطة الإدارية، وأن الأهداف المرجوة “ستُوضّح لاحقًا”! كيف يمكن تمرير قرار مصيري دون معرفة الغاية منه؟ وأين هي الاستقلالية المفترضة للمجالس المنتخبة؟

هذه الحادثة ليست معزولة، بل تعكس مشهدًا متكررًا في تسيير الشأن المحلي بمدينة بحجم الدار البيضاء، حيث تتحول المجالس المنتخبة إلى مجرد هياكل لتزكية قرارات تُتخذ في مكان آخر، فيما تتولى شركات التنمية المحلية وبيروقراطية العمالات قيادة القرار العملي والميداني.

هذا التضارب في الأدوار، بين السلطة المنتخبة من جهة، والسلطة المفروضة من جهة أخرى، يزرع الشك في نفسية المستثمرين والمواطنين على حد سواء. كيف يمكن الحديث عن جذب الاستثمار، وتثبيت الثقة في المؤسسات، إذا كان تنفيذ حكم قضائي نهائي لا يُحترم؟ وإذا كانت الجماعات عاجزة عن تفعيل اختصاصاتها في التعمير والتهيئة المجالية؟

إن استخدام مفهوم “المنفعة العامة” كسيف مشرّع لنزع الملكيات دون شفافية أو تعليل حقيقي، يُفقد هذا المفهوم روحه القانونية والأخلاقية. نحن بحاجة إلى نقاش وطني هادئ وعقلاني، يعيد التوازن بين السلطة الإدارية والشرعية الانتخابية، ويُحصّن المجالس من التبعية، ويحمي المال العام من الهدر والتوظيف غير الرشيد.

لقد آن الأوان لأن يُطرح السؤال بوضوح: من يحكم الدار البيضاء فعلاً؟ ومن يتخذ القرار في قضاياها الكبرى؟ وهل ما يزال لصوت المواطن وممثليه وزن أمام تغوّل الإدارة وسطوتها؟

مشاركة