الرئيسية آراء وأقلام من قلب الجامعة.. بيداغوجيا الأزمات: كورونا نموذجا الدكتور عبد الجليل أميم يكتب..

من قلب الجامعة.. بيداغوجيا الأزمات: كورونا نموذجا الدكتور عبد الجليل أميم يكتب..

IMG 20200319 WA0160
كتبه كتب في 19 مارس، 2020 - 4:10 مساءً

يتعلم الإنسان الشي الكثير من الوضعيات المشكلة، ويطور كفاياته المتعددة سواء معرفيا أو سلوكيا أو وجدانيا أو اجتماعيا، ويخرج من كل أزمة /مشكلة بشخصية أقوى وأقوم وأنضج، وخلال فترة تدبير المشكلة يكتشف إمكاناته وموارده المختلفة حجما ونوعا، ويقرر حتى قبل انتهاء المشكل أن بإمكانه أن يأتي من الأفعال والمنجزات أكثر مما أنجز وينجز، ومشكلة/أزمة كورونا وجهت أنظاري لعدد من اللطائف، منها مثلا أننا شعب يمكن أن ينتج أكثر مما ينتج الآن، ويتخلق أكثر مما هو متخلق الآن، ويتضامن أكثر مما هو متضامن الآن، وأن يبدع ويبتكر الحلول في مواجهة كل المشكلات /الأزمات، وأعتقد أن الفرق بسيط جدا وهو كيف نوصل هذا الشعب إلى الحالة النفسية التي وصل إليها الآن بوسائل أخرى غير وباء كورونا، إنه مربط الفرس ياسادة، كيف نجعل النفوس في قمة عطائها بأقل تكلفة؟ كيف نجعلها تركز على التفوق لا على الاستهلاك؟ كيف نجعلها ترى نفسها في كل مغربي؟ إن وباء كورونا علمنا ولا زال يعلمنا الشيء الكثير، ومنه على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

  • اكتسبنا حتى الآن كفاية تدبير الزمن خارج المقاهي وفي بيوتنا ومع أبنائنا وبناتنا.
  • اكتسبنا معه كفاية بناء الدروس وتبسيط المضامين من خلال وسائل تقنية معاصرة، بل أصبحنا نتنافس في الأمر.
  • اكتسبنا معه كفاية التأمل بمعناها الميتافزيقي، كالتأمل في الموت، التأمل في الحياة، تدبير الخوف على النفس والأبناء ، باللامبلاة، بالغناء، بالرقص، بالتعبد، بقراءة القرآن بالصلاة، بالبكاء… كل حسب معتقداته.
  • اكتسبنا معه كفاية الاشتغال من أجل المواطنين ومن بيوتنا ولمؤسساتنا بدون رقيب وبدون مدير أو رئيس أو عميد او أية سلطة إلا سلطة ضميرنا، الأزمات تحيي ضمائر الإنسان الطبيعي، ولا تزيد المضطرب إلا اضطرابا.
  • اكتسبنا كفاية التضامن بيننا على اختلاف أفكارنا وإيديولوجياتنا ولغاتنا ومعتقداتنا، لأن الأزمات تعلي من البعد الإنساني فينا، ذلك أنه هو ما يشكل حقيقة هويتنا كبشر فوق هذا الكوكب .
  • اكتسبنا كفاية قول (لا) عندما نحس أن أحدا يريد أن يسلم علينا ويقبلنا، واكتسبنا معها شعورا متوازنا مفاده أن لا نقلق من بعضنا لأننا حطمنا وكسرنا عادات وتقاليد بالية في التحية والاقتراب والأكل والسلام.
  • اكتسبنا كفاية التميز بين أكل مطبوخ ونظيف ومغربي وأكل لا نعلم أصله لكننا أدمنا عليه.
  • اكتسبنا كفاية معرفية عميقة بماهية المرض، وأسبابه، وطرق الوقاية منه، وأنواع الأكل التي نحتاجها لمواجهته، وأنواع الأدوية التي يمكن أن تساعد في تحمل تبعاته، ومعرفة عميقة بالنظافة ومستوياتها.
  • اكتسبنا معرفة عميقة بأنفسنا وعاداتنا وتقاليدنا التي يجب أن نتخلى عن بعضها لتأخرها علميا وعمقها في سلوكاتنا عمليا إلى درجة أضحت عند بعضنا مسلمات لا يطالها الشك، بل ترقى إلى معتقدات تصل درجة الفرض والواجب الديني.
  • أعدنا مع هذه الأزمة اكتشاف مدى تأخرنا علميا وتعلقنا بغيرنا في دوائنا وأكلنا.
  • علمتنا هذه الأزمة أننا مستويات في الوعي الإيديولوجي، تبدأ من فارغ مشتت، مرورا بمؤدلج تعلو إيديولوجيته على الوطن والمواطنين، إلى واع بإيديولجيته كأداه لخدمة الوطن والمواطنين، مستمسكا بالوطن قبل الإيديولوجية، وتاركا الحسابات الشخصية والحزبية إلى حينها.
  • اكتسبنا مع كورونا كفاية تصورية اعتقادية إيمانية كل حسب معبوده.
  • اكتشفنا مع هذه الأزمة ضعف الأنفس وشراهتها في حال الضيق وأنانيتها في حال الهلع، وفردانيتها في تحقيق مآربها
  • اكتشفنا مع الأزمة أن الحل كل الحل لهذا البلد الكريم في تضامن أهله، وعدل محاكمه، ونبل ودقة وضبط ساسته، وتضامن أثريائه، وبحوث جامعاته ومعاهده، والتزام أهله
  • اكتشفنا أننا لا يمكن أن نعيش بمعزل عن العالم اقتصاديا، وسياسيا واجتماعيا، بل نحن جزء لا يتجزؤ من الإنسانية في سرائها وضرائها.
  • اكتشفنا مع هذه الأزمة رحابة الإسلام، ورحمة رب العالمين، واجتهاد أهل الدين، وواقعية المجتهدين، وتشدد المتنطعين.
  • اكتشفنا أن الفلسفة في مثل هذه الأزمات يمكن أن تتحول إلى ترياق فكري ونفسي بمسحة تأملية ميتافيزيقية حسب خلفيات كل متفلسف.
  • اكتشفنا مدى حاجتنا للبيداغوجيا بتخصصاتها المتنوعة لمواجهة الأزمات، مدى حاجتنا لعلم اجتماع يبحث في الأسباب والتداعيات ويطور الاستراتيجيات، لعلم نفس يفكك النفس الإنسانية وتفاعلاتها جوانيا وعلائقيا في مواجهة الأزمات وبمسحة مغربية تراعي سياق البحث، القانون، الاقتصاد، التواصل، الجغرافيا، ..كل العلوم الإنسانية أصبحت معنية بحالنا، كما اكتشفنا مدى حاجتنا لمجتهدين في علوم الشريعة.
  • وأخيرا تعلمت أنا شخصيا أننا في الحياة الدنيا فقط.
مشاركة