الرئيسية آراء وأقلام مفهوم العقوبات البديلة في ظل مشروع القانون الجنائي

مفهوم العقوبات البديلة في ظل مشروع القانون الجنائي

20170808 191629.jpg
كتبه كتب في 8 أغسطس، 2017 - 7:16 مساءً

في اطار تنزيل دستور 2011 و تنزيل الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة خاصة في موضوع تحديت و نهج سياسة جنائية جديدة و ملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية و سموها عليه عملت الحكومة المغربية على اعداد مشروع القانون الجنائي و مشروع المسطرة الجنائية و عرضهما على النقاش العمومي من اجل انفتاح المؤسسة التشريعية على جميع الفاعليين الحقوقيين و تحقيقا للديمقراطية التشاركية التي أضحت من بين ركائز الصناعة التشريعية. جاء المشروع بمجموعة من المستجدات كتجريم مجموعة من الأفعال و وضع لها نصوص جنائية خاصة كالإثراء غير المشروع l’enrichissement illicite و الاعتقال القسري les disparitions forcées … بالإضافة الى نهج وسائل جديدة في السياسة العقابية و هي ادخال العقوبات البديلة les peines alternatives .
تعتبر السجون المؤسسات العقابية التي ترجم فلسفة العقوبات السالبة للحرية و التي تحول دورها في ظل التطورات الطارئة على السياسة العقابية و الجنائية الى التأهيل و الإصلاح و إعادة ادماج المجرم داخل المجتمع بدل الزجر و العقاب و لهذا التغيير في فلسفة العقاب و التحول من الزجر الى الإصلاح العديد من المبررات لا يسعفنا المقام الى توضيحها.
ان هذه المؤسسات العقابية تعاني من مجموعة من الإشكالات تعيق القيام بمهامها على أحسن وجه نذكر منها مشكل اكتظاظ في السجون بسبب المعتقلين الاحتياطيين حبت بلغت نسبة المعتقلين اعتقالا احتياطيا سنة 2015 نسبة 74039 ضمنهم 30340 معتقلا احتياطيا بتاريخ 31 دجنبر 2015 مقابل 79368 سجين خلال سنة 2016 ضمنهم 33627 و هذا سيشكل اشكالا كبيرا على مستوى تدبير المؤسسات العقابية و على جودة الخدمات المقدمة. علاوة على عدم تصنيف المجرمين داخل السجون فالمعتقلين الاحتياطيين يوجدون مع الصادر في حقهم عقوبات سالبة للحرية بمقتضى احكام حازت حجية الشيء المقضي به و في هذا زيادة في حـــدة ظاهرة العود فالمعتقل الاحتياطي سيغادر السجن و هو مجرما احترافيا و بلغة علم الاجرام ممكن ان يتحول المعتقل من المجرم بالصدفة الى المجرم بالعادة .
ان تحقيق سياسة عقابية ناجعة يتطلب القيام بمجموعة من الإصلاحات القانونية حيت تم التنصيص على ذلك في ميثاق اصلاح منظومة العدالة لهذا جيء بمستجد العقوبات البديلة التي لها فلسفتها و أهميتها و بالأخص تعد هي الحل المناسب في الظرفية الراهنة لهذا يجب التريـث في وضع النصوص القانونية المؤطرة لها .
بالرجوع الى النصوص القانونية نجد ان المشروع تناولها في المواد 14 ومن المادة 1-35 الى حدود المادة 15-35 . و في اطار وضع محاولة في وضع تعريف لهذا المفهوم فان العقوبات البديلة كم جاء بها المشروع هي مجموعة من العقوبات الزجرية كبديل للتنفيذ العقوبة داخل المؤسسة السجنية في غير حالة العود و في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها سنتين حبسا و التي توقف تنفيذ العقوبات الأصلية في حالة تنفيذ الالتزامات المفروضة عليه .
• أولا بخصوص التسمية فان اسم العقوبات البديلة اسم قانوني ملائم و منطقي لكون هي في داخلها و جوهرها عقوبة زجرية لان الشخص ارتكب فعلا مجرما بمقتضى القانون الجنـــائــــي و التوسع في تحديد تسميتها ما هو الا من باب الترف و ضياع الوقت و الجهد

 

• تانيا من حيث المضمون فان هذه العقوبات عبر عنها المشرع انهـــا بديل لعقوبات سالبة للحرية بل انها هي عكس ذلك و المواد القانونية توضح ذلك فعندما نقول تقييد بعض الحقوق فهذا سلب للحرية و العمل لأجل المنفعة العامة فهو سلب للوقت و الحرية اما عن الغرامة اليومية فهي عقوبات مالية لهذا نوصي بتعبير عن ذلك بالعقوبات كبديل لعقوبة الحبسية مادامت انها تطبق على الجنح فقط .

• تالتا جاء في التعريف انها تطبق على الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها سنتين حبسا أي فهي تطبق على جميع الجنح الضبطية و التأديبية شريطة ان تحكم المحكمة بعقوبة حبسية لا تتجاوز سنتين في اطار سلطتها التقديرية في تفريد العقاب . الا اننا لا نتفق مع هذا الطرح بل يجب على المشرع الجنائي ان يجعل العقوبات البديلة حكرا على المخالفات و الجنح التي تتجاوز عقوبتها القانونية و ليس القضائية سنتين ليس الا.

• خامسا من بين القيود التي وضعها المشرع لتطبيق مسطرة العقوبات البديلة هي عدم وجود حالة العود récidive و الأمر بين و بسيط فيتم التحقق من ذلك عبر بطاقة السوابق القضائية.
علاوة على ذلك يجب ان تكون الجرائم المرتكبة من جرائم الاختلاس و الغدر و استغلال النفوذ و الاتجار في المخدرات و المؤثرات العقلية و الاتجار في الأعضاء البشرية ثم الاستغلال الجنسي للقاصرين الا انه يثار التساؤل حول هذا التحديد التي جاءت به المادة هل هو على سبيل الحصر ام على سبيل التمثيل؟
حسب وجهة نظرنا هذا التحديد هو على سبيل التمثيل و يجوز إضافة بعض الجرائم ما دامت هي تشترك في المصلحة المحمية جنائيا قد يرد البعض عن هذا الطرح ان النص الجنائي محكوم بمبدأ عدم التوسع في التفسير او ما يعبر عنه أيضا بقاعدة التفسير الضيق للنص الجنائي الا انه اجمع الفقه و القضاء على ان هذه القاعدة تتعلق بشق التجريم و العقاب دون باقي المواضيع المتعلقة بالمادة الجنائية.

كـــــانت هذه قراءة في نصوص المشروع محاولة منا في اغناء النقاش العمومي حول الموضوع و ذلك بالوقوف عن مفهوم العقوبات البديلة و محاولة توضيحها حسب المقام لأنه لا يسعفنا للمزيد من التوسع و الخوض في الجزئيات و الا ان النقاش لا ينتهي ,كما نؤكد ان الصناعة التشريعية لا يمكنها ان تكون كاملة لأن الكمال من صفات الله عز و جل و ما التشريع او القانون الوضعي الا عمل انساني ,الا ان هذا لا يمنعنا من النقاش و الاصغاء لجميع الفاعليين من الفقه النظري و الممارس لهذا نذكر في الختام انه توجد تجارب رائدة في ذلك لها تراكم معرفي و هي التجربة الفرنسية و المصرية و الأردنية كنماذج في تطبيق العقوبات البديلة و ان الاطلاع عليها سيكون إضافة في تطوير النقاش و تقييم التجارب التي ذكرنها اعلاه , و سنتولى الوقوف على أنواع العقوبات البديلة و مسطرتها في المقالات اللاحقة .

ذ. نوفل الادريسي
باحث في الحقوق

 

مشاركة