معضلة الطلاق

نشر في: آخر تحديث:

بقلم: ذ.سناء حاكمي

قد يلجأ الزوجان إلى الطلاق نتيجةً للمشاكل أو الظروف التي جعلت من حياتهم معاً أمراً مستحيلاً، ومما لا شك فيه أن الطلاق هو ليس بالأمر السهل على كلا الطرفين بحيث يتأثر كلاهما بشكل مباشر وسلبي،فيكون الأمر أكثر صعوبة في حال كان للزوجين أطفال، فهم اكثر عرضة للتأثير النفسي و السلوكي.
بحيث ان الطفل يحتاج الى ابوين سليمين متوازنين، و العيش في اسرة سليمة حتى يكون نموه صحيا.
حاوت ان اعيد طرح و تفكيك هذه المعضلة التي كثر عليها اللغو مؤخرا، لاحظت ان هناك طرح نوعا ما شعبوي الذي يحمل مسؤولية ظاهرة الطلاق في المجتمع المغربي الى “مدونة الأسرة” التي بدورها منحت للمرأة حق التطليق. كانت تسمى سابقا ب”مدونة الاحوال الشخصية” قبل 2004 و لم يكن يحق للمرأة ان تطلب التطليق من تلقاء نفسها او لمجرد انها لم تعد في انسجام مع الزوج او حتى ان كانت تتعرض للعنف اللفظي او الجسدي او الاهمال او لغيرها من الاسباب.
في زمن ليس ببعيد كان الزوج هو من يقرر البقاء او الانفصال عن زوجته، و كان يحق له ان يتراجع عن هذا القرار في ايام العدة اذا كان طلقها غيابيا او حضوريا و لا يحق لها الرفض او الاعتراض، و في حالة حصل ذلك يتم ارجاعها غصبا عن طريق امرأة كانت تسمى ب” العريفة” و هي امرأة يتم بعثها للبيت الذي تقيم فيه الزوجة او لبيت ابيها او احد من اسرتها ، بطريقة عنيفة و وضعها في منزل تقيم فيه كل الزوجات الناشزات او الرافضات للرجوع لبيت الزوجية ، يتم تعنيفهن و فرض عليهن اعمال منزلية شاقة حتى يتم معاقبتهن و تكسير كرامتهن الى ان تتعب الزوجة و تقبل بالرجوع لبيت زوجها.
و بهذا نستنتج لما كانت فكرة الطلاق شبه ممنوعة؟؟؟، ثم مفاهيم العرف و التقاليد التي كانت تعتبر المطلقة لا مكان لها خارج بيت زوجها، لانها كانت تعتبر عبئا على عائلتها و عارا عليهم، زيادة على ذالك لم يكن يسمح للمراة بالعمل حتى تستطيع اعالة نفسها او اطفالها.
و بعد ان تم تعميم التعليم في المغرب و منح المنظومة و المجتمع حق التعليم و العمل للمراة، اصبحنا في علاقات شبه متوازنة و شبه متساوية، اذن و بهذا اصبحت المرأة تستطيع إعالة نفسها و حتى اسرتها و ابنائها في حالة الطلاق.
دخلنا في مرحلة جديدة لم تعد المرأة تلك التي تبقى في منزل ابيها حتى يدق باباها رجل ينقلها الى منزله و يعيلها، بل اصبحت امرأة تفرض وجودها في العمل و تشارك في عجلة الاقتصاد و في نمو المجتمع، اذن اصبح لها حق الاختيار و الرفض و القبول حسب مقوماتها و حاجاتها .
و على هذا الاساس و بتطور المجتمع المغربي، تمت ايضا ملائمة القانون حسب الظروف الحديثة. و منذ 2004 كما سبق و ذكرت تمكنت المرأة من تطليق نفسها للضرر سواء كان معنويا او ماديا، و دون الدخول في حيثيات القانون، الا انه اصبح يعتبر قديما و لا يلائم الظروف الحالية لسنة 2022, و مع ذلك كما سبق و ذكرت ايضا هناك العديد من المواطنين يظنون ان مدونة 2004 هي المحفز الاساسي للطلاق دون الرجوع لتطور المجتمع و لا للظروف الاقتصادية … لكنهم ينظرون للظاهرة بنظرة جد سطحية نظرة ذكورية سلطوية ظنا منهم انه لو لم يتغير الامر لكانت حدة الطلاق اخف، و دون الرجوع ايضا لمفهوم الاسرة و مفهوم الاستقرار و مفهوم التناغم بين الطرفين، لكن مازالو يرون انفسهم ان لهم الامكانية في التحكم و السلطة على النساء بفرض الزواج و منع الطلاق و العيش على نوستالجيا الماضي الاليم الذي كانت تعامل المراة فيه كانها عبدة خاضعة للعرف وسلطة الابوية .
و اخيرا و ليس اخرا!! ماذا نريد من الزواج في مجتمعاتنا ؟؟؟ و ما هو مفهوم الاسرة بالنسبة لنا؟؟؟
و هل الزواج الذي كان يتم عن طريق علاقة انارشية فوقية كان يعتبرا زواجا؟؟؟
للاسف هناك العديد من الشباب يظن ان الزواج هو علاقة جنسية حلال عفيفة ،اي انه يريد ان يعيش رغباته الجنسية و فنطازماته المكبوتة مع امراة مقموعة اكثر منه يفرض عليها حماقته و رغباته ، و تلبي له ما حرم الدين و العرف، و هي بدورها تتخيله فارس احلامها الذي لا تعرف عنه شيء، و الذي سينقذها من بطش اخيها و ابيها و نظرة المجتمع الذي يراها ناقصة و تحتاج لمن يسترها.
و هذه الحالة للاسف غالبا ما يتم الطلاق في السنتين الاولتين، لانهما يصدما بواقع مر لم يستعدان له و لا يعرفان عنه شيء سوى سرير يجمعهما ليلا.
اما مفهوم الاسرة فهو شبه منعدم ، و لا ننسى ان من اهم عوامل و اسس المجتمعات السوية فهو شبه منعدم، و غير مؤسس له لا من جهة الام الاب و لا التعليم و لا الإعلام.
لابد ان يتم تهيئ الراغبين في الزواج لعدة دورات توعوية تؤسس و تقرب الطرفين من بعضهما، حتى لا تكون صدمة ما بعد الزواج و التأسيس لمفهوم الاسرة و الزواج و ايصال فكرة انه لا نتزوج فقط من اجل الجنس و لكن هناك عدة نقط يجب ان تكون مؤسس لها و مخطط لها.
و ان تلك العلاقة الفوقية الانارشية التي كانت تربط الرجل بالمرأة لم تعد قائمة و لا صالحة ، لم نعد في عهد “سي سيد” الآمر الناهي و الذي يتزوج و يعدد و يطلق متى اراد، بل هي علاقة تكاملية متساوية بعيدة عن الرؤية النمطية للمراة و الرجل ، و انما طرفين اتفقا ان يعيشا مع بعضهما و يؤسسا اسرة متوازنة حسب امكانيتهم المادية و المعنوية دون وجود فوارق.
الطلاق هو ظاهرة طبيعية جدااا و لا يجب ان نحملها اكثر مما تحتمل، الانسان بطبيعته حر يلقي و يفترق حسب الظروف ، و انما يجب الالتفات لما هو اعمق و ربما اخطر، الا و هو اعادة النظر في منهجية و مواد التعليم التي يجب ان تنمي في الفرد مفهوم الاختيار الصحيح حسب حاجته و حسب مصلحة مجتمعه دون الرضوخ لمفاهيم العرف البالية،و الرغبة الجنسية الطائشة التي تأتي باطفال لا ذنب لهم ، و الاصلاح من شروط الطلاق بالاهتمام بحالة الاطفال و توفير لهم مسكن مستقر بعد الطلاق، و قانون يفرض الحضانة و الاهتمام بالاطفال على الطرفين و ليس على الام فقط، و ان يتم فرض رعاية الطرفين الاطفال بطريقة متساوية ، و ان لا يكون الطلاق سبب دمار الاطفال.
الطلاق ليس هو سبب مشاكل مجتمعنا انما هو نتاج لمجتمع لم يبني الانسان و انما خضّع الانسان للمجتمع دون ادراك منه.

اقرأ أيضاً: