انس خالد| صوت العدالة
في حادثة مؤلمة تعكس أبعاداً جديدة لضعف الرقابة والإهمال في التعامل مع القضايا التي تمسّ سلامة المواطنين والمستثمرين، تعرّض مهاجر مغربي مقيم في بلجيكا لعملية نصب على يد مقاول بناء محلي في السعيدية. الواقعة كشفت عن خطورة غياب تدخل الجهات المختصة، خاصة جماعة السعيدية، التي تتولى وفق القانون مسؤولية أساسية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمباني التي تشكل خطراً على السلامة العامة.
المهاجر المغربي حلم يتحول الى كابوس، الذي جمع مدخراته على مدى سنوات في بلجيكا، قرر الاستثمار في وطنه الأم عبر بناء عمارة سكنية في السعيدية. بعد التعاقد مع مقاول محلي والشروع في بناء المشروع، اكتشف أن المقاول قد استخدم مواد بناء رديئة وغير مطابقة للمواصفات، ما جعل المبنى غير آمن ومهدداً بالانهيار.
في حديثه مع وسائل الإعلام، قال الضحية: “لقد وثقت في هذا المقاول ودفعته كل ما أملك لتحقيق حلمي في بناء عقار يعود بالنفع على عائلتي والمجتمع، ولكن الآن أشعر بالخيانة، وكل ما بنيته بات مهدداً بالانهيار.”
مسؤولية جماعة السعيدية: غياب التدخل يزيد المعاناة
وفقاً للمادة 6 من القانون المغربي، يتحمل رئيس مجلس جماعة السعيدية مسؤولية اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن المباني التي تشكل خطراً على السلامة العامة، سواء على السكان أو على المارة. ينص القانون على أن قرار تدعيم أو هدم المبنى يتم بعد تحقق السلطات المختصة من خطورة الوضع بناءً على خبرة تقنية أو تقرير من اللجنة الإقليمية.
إلا أن ما يثير الدهشة في هذه القضية هو غياب التدخل السريع من قبل جماعة السعيدية لتقييم المخاطر المتعلقة بالمبنى المهدد بالانهيار. هذا التأخر في التعامل مع الوضع أدى إلى تفاقم معاناة المهاجر، وزاد من الشعور بعدم الأمان بين السكان المحليين.
أثار غياب تدخل السلطات المحلية في هذه القضية غضباً واستنكاراً واسعاً بين السكان المحليين والمجتمع المدني. مطالبات عديدة وجهت بضرورة فتح تحقيق عاجل ومحاسبة جميع الأطراف المتورطة في هذه الحادثة، بما في ذلك جماعة السعيدية التي أخفقت في تحمل مسؤولياتها القانونية.
قال أحد الناشطين المحليين: “هذه ليست مجرد قضية فردية، بل هي مسألة تتعلق بالأمن والسلامة العامة. يجب أن تتحمل جماعة السعيدية مسؤوليتها القانونية، وتُحاسب المقاولين الذين يستهينون بأرواح الناس.”
رداً على الضغط المجتمعي، أعلنت السلطات المحلية أنها ستباشر تحقيقاً في الواقعة، وسيتم مراجعة جميع العقود والفحوصات الفنية المتعلقة بالمشروع. في بيانها، أكدت السلطات أن “جميع المسؤولين سيتم محاسبتهم، سواء كانوا مقاولين أو موظفين محليين، لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.”
ورغم هذه التصريحات، يبقى التساؤل حول ما إذا كانت هذه التحقيقات ستؤدي إلى تحقيق العدالة للمهاجر المغربي ولجميع ضحايا الفساد في قطاع البناء.
مسؤولية جماعة السعيدية وفق المادة 6: هل القانون كافٍ؟
المادة 6 من القانون المغربي تهدف إلى حماية السلامة العامة، إلا أن هذا القانون يظل نظرياً في ظل غياب التطبيق الفعلي على أرض الواقع. تحديات مثل نقص الموارد التقنية، التأخر في التدخل، وقلة الخبراء المحليين يمكن أن تعيق تنفيذ هذه المادة بشكل فعال.
وفي حالة هذا المهاجر، فإن التأخر في اتخاذ الإجراءات الضرورية من قبل جماعة السعيدية قد ساهم في تفاقم الوضع. هذا التأخر يثير تساؤلات حول كفاءة آليات المراقبة والمحاسبة في مثل هذه الحالات، ومدى التزام رؤساء الجماعات بواجباتهم القانونية.
تسلط هذه الواقعة الضوء على ضرورة توخي الحذر عند الاستثمار في قطاع العقارات في المغرب. ينصح الخبراء المغتربين الذين يرغبون في الاستثمار بالتحقق جيداً من سمعة المقاولين، وضمان توثيق جميع العقود والاتفاقيات بشكل قانوني، والاستعانة بخبراء مستقلين للإشراف على الأعمال الفنية.
كما ينصح بمتابعة المشروع بشكل دوري لضمان التزام المقاولين بالمعايير والمواصفات المعتمدة. هذا بالإضافة إلى أهمية تدخل السلطات المحلية بشكل سريع لحماية حقوق المستثمرين وضمان سلامة المباني.
قضية المهاجر المغربي الذي وقع ضحية لعملية نصب بسبب غياب التدخل السريع من قبل جماعة السعيدية تبرز الحاجة الملحة إلى تحسين آليات الرقابة والمحاسبة في قطاع البناء. تعزيز تطبيق القانون، ومحاسبة المسؤولين المقصرين، وضمان التدخل السريع للسلطات المحلية، هي خطوات أساسية لحماية المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
في النهاية، تظل هذه الحادثة درساً للمغتربين الذين يرغبون في الاستثمار في وطنهم، وتحذيراً للسلطات المحلية بضرورة تحمل مسؤولياتها كاملة لضمان سلامة وأمان المشاريع العقارية.