بقلم: مروان عسالي
انتشر خلال الأيام الماضية مقطع مصوّر لشاب من مديونة يصف فيه مستعجلات المستشفى الإقليمي بـ«المقبرة». وصفٌ قد يبدو قاسياً، لكنه دقيق في تشخيص واقع مؤلم يعيشه آلاف المواطنين يومياً في هذا الإقليم المنسي.
في الوقت الذي شدّد فيه جلالة الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة، على ضرورة تسريع تنزيل ورش الدولة الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية، تبدو مديونة وكأنها خارج هذا المسار. مستشفى إقليمي يعاني خصاصاً في الأطر، ومعدّات شبه منعدمة، ومندوبية للصحة غائبة عن الميدان، ومرضى يُحَوَّلون من مرفق لآخر كأنهم أرقام بلا أسماء.
الحالة التي شهدناها مؤخراً لامرأة مسنّة طُلب منها الانتظار شهرين من أجل تشخيص بسيط، تختصر كل شيء: بيروقراطية قاتلة، غياب الضمير المهني، وانعدام المحاسبة. وهي مؤشرات تفضح قصوراً هيكلياً في تدبير المرفق العمومي، وتضع المندوبية الإقليمية للصحة في موقع المساءلة المباشرة.
لكن المسؤولية لا تقف هنا. فـ عامل الإقليم، بحكم موقعه الدستوري كممثل للسلطة المركزية والمشرف على تنسيق عمل المصالح الخارجية، ملزم بالتدخل وفق اختصاصاته لضمان سير المرافق العمومية، خاصة تلك المرتبطة بحق أساسي هو الحق في الصحة. فالدستور في فصله 145 واضح: العامل ليس شاهداً على الخلل، بل جزء من مسؤولية تصحيحه.
ما يحدث اليوم في مديونة يطرح سؤالاً وطنياً قبل أن يكون محلياً: كيف يمكن الحديث عن عدالة مجالية، أو عن دولة اجتماعية، بينما أقرب مستشفى يعيش في حالة موت سريري؟ كيف يمكن للمواطن أن يثق في الدولة وهو يُهان داخل مؤسسة من المفروض أن تصون كرامته؟
إن البلاغ الملكي الأخير دعا بوضوح إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير المرافق العمومية. وهذه الدعوة يجب ألا تبقى شعاراً. فالصحة ليست منّة من أحد، بل حقّ دستوري وواجب على الدولة بكل مستوياتها.
ما تحتاجه مديونة اليوم ليس خطاباً جديداً، بل إرادة سياسية وشجاعة إدارية تضع حداً للعبث، وتعيد للمواطن أبسط حقوقه في العلاج.
لأن من يهمل صحة الناس، يُهين كرامتهم… ومن يهين كرامتهم، يُسيء إلى الوطن.

