الرئيسية آراء وأقلام مدينة الإفلاس السياسي!؟

مدينة الإفلاس السياسي!؟

fraiha.jpg
كتبه كتب في 30 ديسمبر، 2018 - 3:59 مساءً

 

عبدالحق افرايحة

مهما حاولنا معالجة السياسة كمفهوم ،لن نقف على تحديد ما تختزنه وتتشعب فيه هذه الكلمة من دلالات،وما تحمله وتتحمله من تأويلات،حسب السياق والزمان والمكان،وكذا الشخوص التي تمارس السياسة في بعدها المتعلق بالحكم أو ممارسة سلطة معينة،غير أن أغلبنا يصدر حكما قيميا على هذا المفهوم،من منطلق ممارسة مرتبطة بالشأن العام بشكل خاص، وهو ما يجعلنا بهذا الصدد، نحصر السياسة في كونها آلية من آليات خلق التوافق بين كل التوجهات،وهو الأمر الذي لم يحصل بالأمس ،خلال دورة المجلس الجماعي الاستثنائية بسيدي قاسم،التي ناقشت نقطة فريدة تتعلق بميزانية 2019 ،بعد رفضها من طرف الداخلية.

ما حدث  لا يمكن أن نسميه أو ننعته، إلا بعودة أو انبعاث زمن الإفلاس على مستوى ممارسة السياسة في هذه المدينة،الممارسة التي افتقدت لكل الآليات والميكانيزمات المتعارف عليها في السياسة، وما زاد الوضع ضبابية في تلك ،هو تباين المواقف وسبل تصريفها،خصوصا داخل مكون الفيدرالية،فإذا كانت السياسة فن المستحيل، فبالأمس انقلبت الآية وصارت هي فرض المستحيل و غير الممكن،واغتصاب للذاكرة والتاريخ،والغريب في هذا كله،هو عدم المساندة ولو من باب الأخلاق السياسية التي غابت لدى البعض،وغابت معه أيضا حتى تلك المعارضة النقدية،علما أن هذه الميزانية سيتم التصديق عليها، وسيتم رفضها مرة أخرى من وزارة الداخلية، نظرا للعجز الكبير الذي تعرفه،ما يلاحظ هو عدم الانضباط لميثاق الأغلبية الذي وصفه أحد النقابيين –مستشار-بكونه ليس ميثاق أبدي ،هذا الأخير-النقابي- شكل استثناء في دورة استثنائية،عندما انتفض من داخل الأغلبية على الأغلبية،وما زاد الأمر غرابة ،هو صمت الأغلبية الذي يمكن أن نفهمه،ولكن ما لا يستساغ هو رد فعل الطرف الآخر  من داخل الإطار التنظيمي الذي يمثله النقابي المنتفض من داخل الأغلبية،قد يبدو في الأمر مناورة،وهذا وارد بنسبة ما ،وفق ميزان القوى اليوم، استعدادا لما قد يأتي في القادم من الأيام، وهذا الأمر جائز أيضا، لأن السياسة عودتنا على مثل هكذا أمور “شي يكوي وشي يبخ”،غير أن لحظة المصادقة على الميزانية،بينت بالملموس من هو خارج الإطار،فكيف يعقل أن يمتنع أحدهم”المنتفض”وكيف يصوت الآخر؟صورة عكست واقع بؤس الممارسة السياسة لدى البعض من فصيل اليسارفي مجلسنا الموقر،واقع “أ راسي أ راسي” كن يميني أو يساري أو من شئت،واقع بين بوضوح ،ومما لا يدع مجالا للشك،أن انحرافا سياسيا أصاب مكونات المجلس،فعندما تنتفض في الزمن الضائع ،أو بمعنى آخر، لماذا الآن وليس قبل ،ثم يقابلك الآخرون ب”اذهب وقاتل أو انتفض إنا هاهنا وعلى ما فيه وعليه نحن راضون” فتأكد أن الإفلاس السياسي بلغ مداه،ليتجلى في الخضوع لخيار “من يحكم” على حساب خيار “شكل الحكم” .

ما حدث يعيد طرح السؤال حول انسجام الأغلبية بالمجلس الجماعي،ونفس الأمر حول ما يقع لمكون الفيدرالية من داخل المجلس؟ اليوم وقبله “مشكل عمال أوزون” كان كاتب المجلس واضحا في موقفه تجاه الميزانية في شقيها،منسجما مع  ما سبق أن صرح به على المباشر أثناء ازمة أوزون”، حاول أن يضبط إيقاع المجلس باعتباره المكون الذي ما فتئ يقوم بهذا الدور،قبل أن تلتحق المعارضة المساندة بالأغلبية،غير أنه صار محط اختلال التوازنات المؤثرة والنابعة من داخل البيت الأم،دون أن يلقى دعما أو مساندة ،ولو من باب أخلاقيات السياسة والرفاقة،فليس عيبا أن يختلف الرفاق في القراءات،ولكن ما لا ينبغي أن يكون ،هو ما حدث بالأمس،تلك مسألة تستدعي  وتستوجب أكثر من أكثر من ملاحظة ونقد،لا من حيث المبدأ و لا من حيث الممارسة،وإلا سنكون أمام أشخاص وليس تنظيمات.

المثير للاستغراب في هذه الدورة الاستثنائية هو “الفراجة” السياسية،أي الكل يتفرج والكل “ضارب الطم” والكل على علم بما يصنع ،في الواقع ،كان رهاننا خطأ كبيرا” يستدعي وقفة للتأمل”أتكلم هنا إيديولوجيا”.الكل تموقع وصار يشكل قوة ضاغطة،إما صعودا أو نزولا وفي كل الاتجاهات عند رغبة المتحكم،وهو ما يصعب على المتتبع تصنيف هذا بحكم التباين في الموقف، حتى من داخل نفس المكون ،ولا من حيث صدق النوايا عند الآخر،مما يجعلنا نؤكد بأن طبقتنا السياسية تعيش إفلاسا سياسيا بكل المقاييس،وهو ما يفقد البعض والذين عقدنا عليهم آمالا عريضة في التغيير بمفهومه السياسي(لن نغفر لكم على اصواتنا التي منحناها لكم) ،الشرعية للحديث باسم اليسار،ولو من باب الزاوية الرمزية،لأن اليساري يعي حضوره في مجرى التاريخ ليتحول هو نفسه إلى تاريخ ،فعن أي تاريخ سيحدثنا أمثال هؤلاء ، وبأي تاريخ وأفق يعلو فيه –ذاتيا- اليساري في زمن الإفلاس السياسي؟

مشاركة