بقلم:حبيل رشيد
يقول بيتر دراكر: «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه داخل مؤسسات تُدار بالفكر قبل الأوامر، وبالحوكمة قبل السلطة».
في قلب مدينة ابن أحمد، بإقليم سطات، حيث يتقاطع الحلم التربوي مع أسئلة المستقبل، تنهض مجموعة مدارس اقرأ الخاصة بوصفها نموذجاً تعليمياً لا يكتفي بتلقين المعارف، بل يؤسس لمنظومة مدرسية متكاملة تُدار بمنطق الحكامة والريادة، وتُبنى على رؤية تعتبر المدرسة فضاءً لإنتاج الإنسان، لا مجرد بناية لتكديس المتعلمين. إنها مؤسسة لا تكتفي بامتلاك المرافق، بل تمتلك فلسفة في التدبير، ومنهجاً في التربية، وبوصلةً واضحة نحو الجودة والاستدامة التعليمية.
منذ الوهلة الأولى، يلاحظ الزائر أن الحديث عن التعليم هنا لا ينفصل عن لغة التنظيم، ولا عن هندسة القرار، ولا عن عقلانية التدبير. فالمؤسسة تشتغل ضمن تصور شمولي لعلوم التربية، حيث تتقاطع الديداكتيك مع علم النفس التربوي، وتتعانق البيداغوجيا الحديثة مع مقاربات الحكامة الرشيدة، في انسجام قلّ نظيره داخل المشهد التعليمي الخاص. هنا، لا يُنظر إلى المتعلم كرقم داخل لائحة، بل ككائن معرفي في طور التشكّل، يحتاج إلى بيئة ذكية، وإلى أدوات تعليمية تواكب تحولات العصر الرقمي والمعرفي.
وقد اختارت مجموعة مدارس اقرأ أن تجعل من البنية التحتية الذكية ركيزة أساسية في مشروعها التربوي. فالأقسام ليست فضاءات تقليدية جامدة، بل بيئات تعلم ديناميكية، مزودة بسبورات إلكترونية تفاعلية، وأدوات رقمية حديثة، تتيح للمدرس الانتقال من نمط الإلقاء الأحادي إلى نمط التفاعل، ومن التلقين السكوني إلى التعلم النشط القائم على المشاركة والاكتشاف. إنها أقسام تُدار بمنطق “الدرس الحي”، حيث تتحول المعرفة إلى تجربة، والمعلومة إلى ممارسة، والفهم إلى بناء تراكمي واعٍ.
ولا يقف الأمر عند حدود الأقسام الدراسية، بل يمتد إلى قاعة كبرى للندوات، صُممت لتكون فضاءً للفكر، ومنصة للحوار التربوي، ومجالاً لتلاقح الرؤى بين الفاعلين في الشأن التعليمي. هذه القاعة ليست مجرد مرفق معماري، بل تعبير صريح عن قناعة راسخة مفادها أن المدرسة الحديثة لا تنغلق على ذاتها، بل تنفتح على محيطها، وتؤمن بأن التربية فعل جماعي تشاركي، لا يُختزل في العلاقة العمودية بين المدرس والمتعلم.
في عمق هذا المشروع، تحضر الحكامة التعليمية بوصفها خياراً استراتيجياً لا رجعة فيه. فالتدبير داخل مجموعة مدارس اقرأ يقوم على وضوح الرؤية، وتحديد المسؤوليات، وربط القرار بالمعطى التربوي، لا بالارتجال أو الانفعال. إنها حكامة تستند إلى التخطيط، والتقويم المستمر، واستحضار مؤشرات الأداء التربوي، بما يجعل المؤسسة في حالة مراجعة دائمة لذاتها، وفي يقظة مستمرة تجاه جودة التعلمات ومخرجاتها.
وإذا كانت الحكامة هي الإطار، فإن الريادة هي الروح التي تسري في أوصال المؤسسة. ريادة لا تُفهم هنا بمعناها التجاري الضيق، بل باعتبارها قدرة على الابتكار التربوي، وعلى استشراف تحولات المدرسة المستقبلية، وعلى الجرأة في تبني الممارسات البيداغوجية الحديثة. فالمؤسسة تراهن على تطوير الكفايات العرضانية، وتنمية التفكير النقدي، وبناء الاستقلالية المعرفية لدى المتعلمين، في انسجام مع المرجعيات الكبرى لعلوم التربية المعاصرة.
إن الرهان الحقيقي لمجموعة مدارس اقرأ لا يتجلى فقط في تجهيز الفضاءات، بل في تأهيل العنصر البشري، باعتباره حجر الزاوية في أي إصلاح تربوي جاد. فالإدارة التربوية تنظر إلى المدرس بوصفه فاعلاً محورياً في العملية التعليمية، وتحرص على مواكبته بالتكوين المستمر، وبالدعم البيداغوجي، وبخلق مناخ مهني يُعلي من قيمة الاجتهاد، ويشجع على المبادرة، ويُكرّس ثقافة الجودة.
وفي هذا السياق، تتجلى خصوصية المؤسسة في قدرتها على المزج بين الانضباط التنظيمي والمرونة التربوية. فلا مكان للعشوائية، ولا مجال للجمود. كل شيء هنا يخضع لمنطق التوازن الدقيق بين النظام والإبداع، بين القاعدة والاستثناء، وبين المرجعية الوطنية والانفتاح على التجارب التربوية الرائدة. وهو ما يجعل المدرسة فضاءً آمناً للتعلم، ومحفزاً على التفوق، وقادراً على احتضان الفروق الفردية دون إخلال بجوهر الجودة.
ولعل ما يميز تجربة مجموعة مدارس اقرأ بابن أحمد هو وعيها العميق بأن المدرسة ليست معزولة عن محيطها الاجتماعي والثقافي. لذلك، تحرص المؤسسة على ترسيخ قيم المواطنة، والانتماء، والمسؤولية، داخل الممارسة التربوية اليومية، من خلال أنشطة موازية، ومبادرات ثقافية، وبرامج تربوية تُنمّي الحس المدني، وتُرسّخ الوعي بالذات وبالآخر. إنها تربية لا تفصل بين العقل والقيم، ولا بين المعرفة والسلوك.
في زمن تتكاثر فيه الأسئلة حول جودة التعليم، وجدوى المدرسة، وقدرتها على إعداد أجيال قادرة على مواجهة تعقيدات المستقبل، تبرز مجموعة مدارس اقرأ الخاصة بمدينة ابن أحمد كنموذج يُعيد الاعتبار لفكرة المؤسسة التعليمية بوصفها مشروعاً مجتمعياً، لا مجرد خدمة تعليمية. مشروع يؤمن بأن الحكامة ليست ترفاً إدارياً، بل شرطاً للنجاعة، وأن الريادة ليست شعاراً تسويقياً، بل مساراً شاقاً يتطلب رؤية، واستثماراً، وصبراً تربوياً عميقاً.
إنها مدرسة تُدار بالفكر، وتُبنى بالقيم، وتُجهّز بالتكنولوجيا، وتُسَيَّر بالحكامة، وتطمح إلى صناعة متعلم يمتلك المعرفة، ويُحسن توظيفها، ويدرك أن التعليم ليس مرحلة عابرة، بل مسار حياة. وفي هذا المعنى، تكتب مجموعة مدارس اقرأ الخاصة بابن أحمد سطراً وازناً في سجل التربية الخاصة بإقليم سطات، وتؤكد أن الرهان على المدرسة الجيدة يظل دائماً أفضل استثمار في الإنسان وفي المستقبل.

