مداخلة وزير الدولة وزير العدل والحريات سابقا السيد المصطفى الرميد في المناظرة الخاصة بالذكرى العشرين لتأسيس هيىة الانصاف والمصالحة

نشر في: آخر تحديث:

السيد الرىيس المحتىرم

حضرات السيدات والسادة المحترمين ؛

أود في البداية ان انوه بهذا الحدث الحقوقي الهام الذي يؤرخ لمرور عشرين سنة على الإنجاز التاريخي للمملكة المغربية ،والذي جسدته فعاليات الانصاف والمصالحة، التي متلث علامة هامة على صعيد التطور السياسي والحقوقي لبلادنا.

واشكر مجلس النواب ومعه محلس المستشارين والمجلس الوطني لحقوق الانسان، على هذه المبادرة المشتركة والتي لاشك ان الرسالة الملكية تمثل احسن تحية لها ولذكراها ولمنظميها والمساهمين فيها.

حضرات السيدات والسادة: 

لقد قضيت كما تعلمون ،اكثر من خمس سنوات على راس وزارة العدل والحريات ،ومثلها خمس سنوات اخرى على راس وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان، وقبل ذلك كنت عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الانسان زمن الاعلان عن مقترح الانصاف والمصالحة، وبالضبط باللجنة التي انبثقت عنها التوصية ابتداء، واتذكر جيدا المرافعة الهامة التي القاها المرحوم احمد شوقي بنيوب دفاعا عنها في الجلسة العامة، والنقاشات التي تلت مرافعته، والتي توجت بعد ذلك بالموافقة الملكية السامية على مقترح انشاء الهيئة ،وقد مكنني ذلك كله ، اضافة الى عضويتي البرلمانية حينئد ،والى غاية تحملي المسؤولية الوزارية من مواكبة تفاصيل التطور السياسي والحقوقي للبلاد، وهو ما يجعلني اعبر عن اطمئناني على مستقبل المغرب، بالرغم من كل الصعوبات والتحديات  بل والاحباطات المسجلة احيانا.

ولتقفوا على حجم الاصلاحات القضائية التي انجزتها المملكة، يجذر التذكير  باهمية ما جاء به دستور المملكة لسنة 2011  والذي كان المنطلق والمرتكز لكل الاصلاحات المنجزة في هذا الباب، والتي لم تكن الا رجع الصدى لما ورد في توصيات التقرير الختامي لهيئة الانصاف والمصالحة.

وحينما تعودون الى ما ورد في هذه الاخيرة، ستجدون النص الذي ارجو ان تتأملوه جيدا وتقارنوه بمقتضيات الدستور في هذا الباب، والذي جاء فيه ما يلي: 

-( تقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية  الصادرة عن الجهاز التنفيذي، والتنصيص دستوريا على الحق في الدفع استثناء بلادستورية قانون من القوانين، مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه ووضع شروط مضبوطة لذلك تفاديا للادعاء المفرط باللادستورية، وضمان حق الأقلية في الطعن بعدم دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان أمام المجلس الدستوري.)، وهذا بالضبط ماتضمنه الدستور في مقتضياته التي جسدتها الفصول من 129 الى الفصل134 منه.

وقد تم ابتداء تجسيد هذا الاصلاح في القانون التنظيمي رقم066.13الصادر بتتفيده الظهير الشريف ، بتاريخ 13 غشت2014، ثم بعد ذلك في مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط واجراات  الدفع بعدم دستورية قانون ، والذي طال واستطال زمن انجازه، وهو ماينبغي القول انه لايجوز باي حال اهدار مزيد من الزمن التشريعي دون احالته مجددا وللمرة الثالتة على البرلمان قصد المناقشة والصادقة، عاجلا غير اجل، بعد الموقف الذي عبرت عنه المحكمةالدستورية ،  والذي اثار نقاشا مشروعا حول مدى جدية السبب المستند اليه في القول بعدم دستورية مسطرة مناقشته في المجلس الوزاري.

كما نصت التوصيات الختامية على مايلي :

(تعزيز المبدأ الدستوري من حيث فصل السلط، وخاصة فيما يتصل باستقلال العدالة والنظام الأساسي للقضاة، مع المنع الصريح لأي تدخل للسلطة التنفيذية في تنظيم العدالة وسير السلطة القضائية.

تقوية الضمانات الدستورية لاستقلال المجلس الأعلى للقضاء وجعل نظامه الأساسي يحدد بقانون تنظيمي يتم بمقتضاه مراجعة تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف أخرى غير قضائية داخله مع الإقرار له باستقلاله الذاتي بشريا وماليا، وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم، وتخويله اعداد تقارير سنوية عن سير العدالة.)

ان هذه المقتضيات هي بالضبط عين ماتم النص عليه في الدستور في الفصول من 107الى الفصل 128،وتجسد كل ذلك في مقتضياتالقانونين التنظيميين، اولهما رقم 106.13 المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة، الصادر بتنفيده الظهيرالشريف بتاريخ 24 مارس 2016، وثانيهما القانون التنظيميرقم 100.13 المتعلق بالمجلس الاعلى للسلطة القضاىية، الصادر بتنفيده الظهير الشريف ، بتاريخ 24مارس 2016.

ولولا ان الوقت لايسمح بالتفصيل لبينت لكم كيف ان المشرع الدستوري اخد حرفيا بما تضمنته توصيات هيئة الانصاف والمصالحة في ماتم اقراره من اصلاحات دستورية وقانونية، نالت ثناء الهيئات الدولية ، ومنها على الخصوص لجنة البندقية التابعة لمجلس اوروباالتي استقبلت وزير العدل والحريات المغربي بتاريخ 9دجنبر 2016 ، باعتباره ضيف شرف  في إجتماع ضم 47 دولة، وبعد تقديم عرض مختصر حول المنجز التشريعي الوطني في مجال ضمان استقلالية السلطة القضاىية والمحكمة الدستورية، والاستماع الى تقرير اللجنة المنتدبة لفحص ماذكر ،تم التصريح  من قبل رىيس لجنة البندقية ان التشريع المغربي يستجيب للمعايير الأوروبية  المتعلقة باستقلال السلطة القضائية.

وكما تلاحظون ، فان السلطة القضائية مستقلة تماما عن السلطتين التنفيدية والتشريعية، بل اننا ازاء استقلال النيابةالعامة طبقا لتوصية الهيئة ، في وقت مازالت بعض الدول الاوربية نفسها لم تقرر هذا الاستقلال( فرنسا نمودجا). 

والسؤوال المطروح، هل ان السلطة القضاىية في المغرب لم تعد تواجه من مشاكل؟ اقول بكل وضوح، ان النص التشريعيى يضمن  الاستقلال اللازم للقضاء ويزكيه،لكن يبقى الضمير المسؤول لكل العاملين في المنظومة القضاىية ،الذي اشار اليه جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2013 هو التحدي الاكبرالذي يواجه استواء العدالة على خط الاصلاح المنشود، اذ انه لا استقلال مع فساد.

وجدير بالذكر ان اصلاحات اخرى ، تم انجازها وفق ماقررته هيىة الانصاف والمصالحة حيث تم اصدار الظهير الشريف بتاريخ 10دجنير 2014بتتفيد القانون رقم 108.13المتعلق بالقضاء العسكري، والذي  اسس  لمحكمة عسكرية  متخصصة في الجراىم العسكرية دون غيرها مع كافة ضمانات المحاكمة العادلة، وذلك بديلا عن المحكمة العسكرية التي كانت ذات طبيعة اسستثناىية، تحاكم العسكريين في كافة شؤونهم العسكرية والمدنية، وشركاىهم من المدنيين.

كما تم اصدار الظهير الشريف بتاريخ 22فيراير 2018المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء وفق مااوصت به هيىة الانصاف والمصالحة.

السيدات والسادة المحترمون.

يجذر التذكير اننا اودعنا سنة 2016بمجلس النواب مشروع قانون يتعلق بتعديل وتغيير  القانون الجناىي،  يتضمن من جملة مايتضمن كافة مااوصت به هيئة الانصاف والمصالحة مما يختص القانون الجنائي بتنظيمه، واذا كانت الحكومة الحالية قد قررت سحبه من المسار التشريعي، فاننا نامل في ان توفق في انجاز نص جديد يستجيب للمعايير المطلوبة، كما لايفوتني ان اذكر اننا انجزنا في المرحلة السابقة مسودة مشروع لقانون المسطرة الجنائية ، يبدو انه قد  حصل على الجاهزية المطلوبة ليصبح مشروع قانون نتمنى للحكومة الحالية التوفيق الكامل في انجازه.

واخيرا:  ثمة ثلات ملاحظات دالة اختم بها تدخلي القصير هذا ،والذي حدد لي كما حدد لغيري سبع دقاىق فقط لتقديمه.

اولها، تلاحظون، ان هذه الجلسة تحدث فيها وسيتحدث ثلات وزراء عدل سابقين، ومن يتراس هذه الجلسة هيى رئاسةالنيابةالعامة، وهكذا ، فبعد ان كان وزراء العدل يتراسون النيابةالعامة، اصبحت النيابة العامة مستقلة عن وزارةالعدل ، بل وتتراس جلسات يكون المتحدثون فيها وزراء عدل. 

ثانيهما، تلاحظون، ان ترتيب المتحدثين من الوزراء بدا بوزير العدل لمرحلة 2017  الى 2019ثم العودة الى وزير العدل لمرحلة2012 الى سنة2017ثم بعد ذلك وزير العدل لمرحلة 2019الى 2021، وانا اعلم ان رىاسة النيابة العامة ليست لها من  مسؤولية في ذلك، ولكنني مع ذلك اتوجه اليها باعتبارها هي المسؤولة عن الحلسة لاقول لها ان ملاءمتك لم تكن وجيهة، وليس في ذلك اي انتقاص منها،وليس في ذلك ايضا اي مس بسلطتها، باعتبارها جزء من السلطة القضائية،وهذه ميزة تتميز بها النيابة العامة في ممارستها لسلطة الملاءمة، اي انها  في الغالب تقرر نيابة عن الدولة، لكنها هي من يتحمل المسؤولية عن قراراتها.

اما الملاحظة الاخيرة، وهي جديرة بالدراسة والتامل  ، انه في اكتوبر 2017. زارت المغرب لجنة الامم المتحدةلمنع التعذيب ، وكان من ضمن اعضاىها السيدة راضية النصراوي   وهي مناضلة تونسية ، كانت مازالت   منتشية بمنجزات الثورة التونسية ،وقد وجهت لي سؤالا مباشرا بمناسبة اجتماعي مع اللجنة ، عن مدى ملاءمة التعيين الملكي للرىيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورىيس النيابةالعامة ،بدل انتخابهما،وكان جوابي، انه وباعتبار مستوى التطور الدمقراطي للبلاد، يمثل التعيين الملكي ضمانات اكبر من تلك التي توفرها الانتخابات الفئوية، وكما تعلمون ، فانه ان كان المناضل ادريس بنزكري الذي تراس هيىة الانصاف والمصالحة قد حظي بالتكريم المستحق الى حين وفاتهرحمه الله، فان  السيدة بنسدرين التي تراست   لجنة الكرامة والعدالة الانتقالية بتونس، تقبع حاليا بالسجن بدعوى الفساد المالي، واذا كان المجلس الاعلى للسلطة القضاىية في المغرب، يمارس مهامه مع كل الضمانات الدستورية و القانونية، فان شبيهه التونسي قد تم حله  والحاق القضاء بسلطة الرئاسة.

وان مما يجذر ذكره  ، ان الاصلاحات المتوالية التي انجزها المغرب كان لها تاثير واضح ومباشر على مستوى اداء المؤسسة الأمنية التي اصبحت على العموم منضبطة لقواعد الحكامة الامنيةالجيدة ،  الى حدكبير، وهو ماوضع حدا وبشكل واضح جلي للانتهاكات الجسيمة التي كانت عنوان مرحلة ماقبل تشكيل هيىةالانصاف والمصالحة، وخلال المرحلة الاولى لمحاربة الارهاب. 

وهكذا ، يمكن القول  بكل تاكيد، ان المغرب يسير في الاتجاه الصحيح،بخطى مهما كانت بطيئةومضطربة ،فانها تبقى ثابتة ومؤكدة، وكما يقال، فان التاخر في الوصول خير من عدم الوصول.

والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.

اقرأ أيضاً: