الرئيسية أخبار القضاء محمد عبد النباوي الوكيل العام لدى محكمة النقض يجسد الحكامة والنجاعة القضائية بعد استقلالية النيابة العامة

محمد عبد النباوي الوكيل العام لدى محكمة النقض يجسد الحكامة والنجاعة القضائية بعد استقلالية النيابة العامة

IMG 20190308 WA0096.jpg
كتبه كتب في 8 مارس، 2019 - 11:34 مساءً

صوت العدالة – عبد الجليل الجعداوي

كان الهدف من استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية بموجب القانون رقم 33-17 وإخضاعها لإشراف الوكيل العام لدى محكمة النقض هو إبعادها عن كل تأثير سياسي (مؤسساتي) وعن كل تحكم سلطوي يتجاوز القانون،حتى يبقى عمل هذه السلطة لفائدة الوطن والمواطنين دون الخضوع لمصالح الأطراف السياسية أو الإدارية، عملا بأحكام الدستور التي أقرت بجلاء استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك بتوصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة،بعد أن أثارت نقاشا لدى الباحثين والمهتمين بشأن العدالة حتى وان كان هناك إجماع حول استقلالية القضاء .
لهذه الغاية عين جلالة الملك محمد السادس الدكتور محمد عبد النباوي رئيسا للنيابة العامة بمحكمة النقض بتاريخ3 ابريل 2017، وهو رجل يجمع بين التكوين الأكاديمي في المجال القانوني والخبرة العملية بعد أن تدرج في سلك القضاء منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي،ويتميز بالأخلاق الحميدة والتواضع والنزاهة.
حيث قام الدكتور محمد عبد النباوي منذ تعيينه على رأس النيابة العامة بإعداد خطة عمل لتجسيد الإرادة الملكية السامية في ميلاد مؤسسة مستقلة عن السلطة التنفيذية وهي مؤسسة رئاسة النيابة العامة، وبداية عملها الفعلي في إطار منظومة تسعى بالانتقال بالعدالة إلى عدالة حديثة مبنية على النجاعة والحكامة، وتعتمد على الدقة في الأسلوب وفي التسيير، وفي الإدارة لتجسيد وترجمة معاني ” المفهوم الجديد للسلطة ” و” القضاء في خدمة المواطن ” ” والأمن القضائي على ارض الواقع وذلك استحضارا للتوجهات الملكية المضمنة بالظهير الشريف المتعلق بتعيين الوكيل العام رئيس النيابة العامة المؤرخ في ثالث ابريل 2017 حيث جاء في الأمر الملكي الموجه إليه : ” وعليه نأمره بصفته رئيسا للنيابة العامة، والمسؤول القضائي الأول عن سيرها، بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته،متماسكا، هو وسائر القضاة العاملين تحت إمرته، بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتأيناها نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات،في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات…”
وبمجرد تنصيبه في مهامه كوكيل عام للملك بمحكمة النقض بتاريخ 11 ابريل 2017 ، أعلن محمد عبد النباوي عن التزامه بتنفيذ تعليمات جلالة الملك محمد السادس وجعلها بمثابة خارطة طريق لتصريف أشغال النيابة العامة وحدود أولويات عملها على الخصوص في الحرص على الوفاء لقيم العدالة ومبادئ الإنصاف، والانتصار للمصالح العليا للوطن وللمواطنين، وجعل مؤسسة النيابة العامة أداة فعالة لمكافحة الجريمة والمجرمين، وصونا للضحايا والمظلومين، تساهم إلى جانب باقي لمؤسسات الدولة الأخرى في تخليق الحياة العامة وشفافية التدبير الإداري في كل ما ينيطه بها القانون من صلاحيات.
ولقد واجهت النيابات العامة في بداية استقلالها تحت إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض مجموعة من الاكراهات تعترض قيامها بالاختصاصات المنوطة بها منها الاكراهات المرتبطة بالموارد البشرية بالنظر إلى حجم القضايا المعروضة وتعدد تدخل هذه الأخيرة مما جعلها في اشد الحاجة إلى الموارد البشرية الكافية،و الاكراهات المادية المرتبطة بتحسين ظروف العمل، و الاكراهات التقنية الخاصة بالبرمجيات المعلوماتية وهيمنة التدبير التقليدي للملفات الورقية وتداولها بالمناولة اليدوية،هذه الاكراهات التي تواجه قضاة النيابة العامة اعتبرها الوكيل العام لدى محكمة النقض وسيلة لتوفير الحلول لها للرقي بعمل النيابة العامة وجعلها في مستوى مهامها الأساسية ألا وهي تمثيل المجتمع والحق العام أحسن تمثيل وتمكينها من تطوير آليات اشتغالها التقليدية ومواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع على جميع الأصعدة.
وفي إطار تنفيذ السياسة الجنائية ، بادر الوكيل العام للملك رئيس النيابة في أول يوم من تقلده لمهامه إلى توجيه منشور (رقم 1) إلى جميع أعضاء النيابة العامة ، يحثهم فيه على السهر على احترام القانون، والاستجابة لتطلعات المجتمع المغربي من إقرار استقلالية النيابة العامة، وجعل هذا الاستقلال أداة فعالة للمزيد من الحياد و النجاعة لتحقيق الأمن القضائي للأفراد وتكريس سيادة القانون.و أوضح المنشور (رقم 1) فيما يتعلق بتحديد مجالات تدخل السياسة الجنائية أن لرئيس النيابة العامة بعض أولويات السياسة الجنائية التي بادرت رئاسة النيابة العامة إلى تعزيزها والحرص على تطبيقها في عدة محاور منها حماية الحقوق والحريات،وتعزيز حقوق المشتكين والتواصل مع المرتفقين ، والتصدي للانتهاكات الماسة بحقوق الإنسان وزيارة أماكن الاعتقال، احترام الأجل المعقول ( تمكين المتقاضي من حكم قابل للتنفيذ في أسرع الآجال)، ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتفعيل بدائله،تخليق الحياة العامة وحماية المال العام،حماية الأمن والنظام العام.
ووجه محمد عبد النباوي منذ تعيينه على رأس النيابة العامة إلى الآن عدة مناشير ودوريات إلى الوكلاء العامون و وكلاء الملك و مرؤوسيه بمختلف الدوائر القضائية بالمملكة، تتماشى والصلاحيات الجديدة المخولة للنيابة العامة بعد استقلالها عن سلطة وزير العدل، هذه الصلاحيات التي تخول للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيس النيابة العامة الإشراف وتتبع أعمالها ، ساهمت في تنزيل مضامين الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي نص في أهدافه الإستراتيجية الكبرى على الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء من خلال دعم فعالية الأداء القضائي وتقريب القضاء من المتقاضين وعقلنة الخريطة القضائية والبت في القضايا وتنفيذها داخل اجل معقول والرفع من جودة الأحكام وضمان الأمن القضائي وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة . وتتعلق هذه المناشير والدوريات ب: حماية ضحايا الاتجار بالبشر ،قانون محاربة العنف ضد النساء، إلغاء الأوامر الدولية بالبحث و إلقاء القبض،تجهيز طلبات التسليم و المعلومات و الوثائق الإضافية، تدبير قضايا المعتقلين الاحتياطيين،تفعيل اتفاقية لاهاي المتعلقة بإلغاء إلزامية التصديق على الوثائق العمومية الأجنبية المسماة اختصار APPOSTILLE المؤرخة في 5 دجنبر 1961 ، زيارة مؤسسات معالجة الأمراض العقلية، زواج القاصر،إتفاقية شراكة و تعاون مع الإتحاد الوطني لنساء المغرب ، قضايا الأسرة ،الحملة الوطنية لتسجيل الأطفال غير المسجلين في الحالة المدنية ،مخالفات القانون المتعلقة بحماية المستهلك ،البث في الشكايات في أجل معقول ، تفقد السجناء ، التفاعل الإيجابي مع شكايات المواطنين، زيارة اللجنة الفرعية لمنع التعذيب ، وحماية الطفل والمرأة من العنف.
ومن بين أهم الدوريات التي وجهها محمد عبد النباوي، الدورية عدد 4 والتي حثت على التفاعل الايجابي مع شكايات المواطنين والتعامل معها بجدية وصرامة ، والدورية رقم 5 للسيد رئيس النيابة العامة والتي نصت على ضرورة البت في الشكايات في اجل معقول باعتباره من الواجبات المفروضة على القضاة وكونه مقتضى دستوري نص عليه الفصل 120 من الدستور. وكذلك الدورية الخاصة بحماية الطفل والتكفل بالنساء ضحايا العنف التي عملت على تفعيل مقتضيات المادة 13 و14 من قانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيث عرفت الدوائر القضائية بالمحاكم الاستئنافية تنصيب أعضاء اللجان الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف تحت الرئاسة الفعلية للوكلاء العامون للملك.
واسترشادا بتوجيهات جلالة الملك التي تحث على تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة ومكافحة الفساد، قام محمد عبد النباوي الوكيل العام لدى محكمة النقض بإحداث آلية لتلقي شكايات وتبليغات المواطنين بشأن الرشوة ومختلف صور الفساد، باعتبار ذلك من أولويات السياسة الجنائية، ويتعلق الأمر بخط مباشر موضوع رهن إشارة المواطنين طيلة أيام العمل من الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى الرابعة والنصف بعد الزوال، بحيث أن بإمكان المواطنين التبليغ عما يتعرضون له من ابتزاز أو رشوة أو ما يقفون عليه من جرائم الفساد.
وفي فترة وجيزة استطاع محمد عبد النباوي بصفته رئيسا للنيابة العامة بالمغرب القيام بمجموعة من الإصلاحات السريعة والفعالة، والتي همت جانب التسيير وجانب تنفيذ السياسة الجنائية مما عزز استقلاليتها حتى أضحت سلطة قائمة الذات. وفي إطار المسؤولية الجسيمة والكبرى الملقاة اليوم على النيابة العامة بعد أن أصبحت سلطة مستقلة، فان محمد عبد النباوي الوكيل العام لدى محكمة النقض قد أسس لاستقلالية عملية وليس نظرية فحسب ، حتى باتت ذات فعالية أكبر وقريبة من المتقاضين، و حامية للحق والقانون وراعية للأمن القضائي،مما ساهم في تغيير تلك الصورة النمطية التي علقت بالنيابة العامة كـ”غراقة” وكلسان الإدانة وليس البراءة.

مشاركة