أنس خالد | صوت العدالة
في مشهد سياسي محلي تطغى عليه الحسابات الحزبية الضيقة و”الكمون” الانتخابي بعد نهاية موسم الاقتراع، يخرج اسم محمد بكور كاستثناء نادر في جماعة وجدة. فبين منتخبين اكتفوا بلعب أدوار الظل، وآخرين غابوا عن هموم الناس كما تغيب الشمس خلف كثبان اللامبالاة، اختار بكور طريقًا مختلفًا: الإنصات.. المواجهة.. والإنجاز.
منذ دخوله غمار الانتخابات الجماعية، لم يتعامل محمد بكور مع كرسي العضوية داخل المجلس كغنيمة، بل كتكليف وتمثيل حقيقي لهموم المواطن، الذي لا يملك صوتًا داخل القاعات المغلقة. بكور، الفاعل الجمعوي وعضو جماعة وجدة، ونائب رئيس لجنة المرافق العمومية، لم يُهادن في الملفات العالقة، ولم يركن إلى الصمت كما فعل غيره ممن اكتفوا بالتقاط الصور.
واحدة من أبرز القضايا التي تصدى لها بشجاعة هي ملف الترقيم بحي السمارة، حيث ظلت الساكنة لسنوات تعاني التهميش، وغياب عناوين رسمية لبيوتها، في وقت لا يمكن فيه لأي إدارة أو مرفق أن يتعامل مع منطقة “خارج الخريطة”. اليوم، بفضل ضغطه وتحركاته، بدأت العجلة تدور.
لكن بكور لم يتوقف عند الترقيم، بل وسّع من دائرة اشتغاله لتشمل قضايا تعتبر لدى بعض المنتخبين مجرد “تفاصيل غير مثيرة للكاميرات”، كملف الإنارة، النظافة، شبكات الواد الحار، والنقل الحضري.. بل وصل به الأمر إلى اقتراح جريء: تأهيل وادي السمارة وتحويله من مصدر خطر إلى فضاء أخضر للساكنة. فهل من منتخب آخر تجرأ على التفكير خارج الصندوق؟
اللافت أن تحركات بكور لا تتم من خلف مكاتب مكيفة، بل من قلب الأحياء المهمشة، حيث يرافق بعض زملائه في جولات ميدانية، يسمع شكاوى الناس، ويدق أبوابهم بدون بروتوكولات فارغة. يشتغل بصمت، وينجز دون جعجعة، في وقت اكتفى فيه بعض المنتخبين بـ”اختفاء تكتيكي” بعد أن حصلوا على أصوات الناخبين وانتهت مهمتهم!
إن ما يقدمه محمد بكور اليوم لا ينبغي أن يُقرأ كحالة فردية فقط، بل كمؤشر على أزمة أعمق: أزمة منتخَبين يرون في المواطن مجرد رقم انتخابي ينتهي مفعوله بعد التصويت. فكم من ملف ظل حبيس الرفوف لأن صاحبه لم يجد منتخبًا حقيقيًا يحمل صوته؟
في الأخير، سواء اتفقنا مع محمد بكور أو اختلفنا معه، فإن ما لا يمكن إنكاره هو أن الرجل حرّك مياهًا راكدة، وأعاد السياسة إلى بعدها الميداني الحقيقي: خدمة المواطن. وربما حان الوقت لطرح سؤال جريء:
لماذا لا نجد عشرة مثل محمد بكور في كل مجلس؟

