صوت العدالة – الرباط
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، تحولت قضية الصحراء المغربية من مجرد ملف نزاع إقليمي إلى مشروع وطني متكامل يؤطره منطق البناء والسيادة والوحدة، بفضل الرؤية الملكية السامية التي جعلت من مبادرة الحكم الذاتي الإطار الواقعي والعملي لحل سياسي دائم ومتوازن.
🔹 الرؤية الملكية: من الدفاع إلى البناء
منذ سنة 1999، أرسى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مقاربة جديدة تتجاوز منطق المواجهة إلى منطق الحل السياسي الواقعي القائم على السيادة الوطنية والانفتاح الدولي.
ففي الوقت الذي كانت بعض الأطراف تراهن على الجمود، أطلق المغرب مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 كحل مبتكر يجمع بين الوحدة الوطنية والتدبير الذاتي المحلي، وهو ما شكل تحولا جذريا في النقاش الأممي حول الملف، نقل المغرب من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة وصناعة الحلول.
🔹 مبادرة مغربية بمرجعية ملكية
لم تكن مبادرة الحكم الذاتي مجرد مناورة سياسية، بل ترجمة عملية لفلسفة الدولة المغربية الحديثة التي ترى في السيادة مشروع بناء وتنمية، لا مجرد ترسيم حدود.
وقد شدد جلالة الملك في أكثر من مناسبة على أن الصحراء المغربية ليست فقط قضية وطنية مركزية، بل هي معيار الصدق في العلاقات الدولية، حيث قال جلالته في خطاب العرش لسنة 2022:
“إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، ويقيس بها صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.”
هذه المقاربة السيادية المتجددة أعادت تعريف مفهوم السيادة ليصبح سيادة تنموية تشاركية، تتجسد في المشاريع الكبرى التي يعرفها الجنوب المغربي، وتكرس انتماء الساكنة في إطار الوحدة الوطنية.
🔹 دعم أممي ودولي متزايد
منذ تقديمها سنة 2007، اعتبر مجلس الأمن الدولي مبادرة الحكم الذاتي “جدية وواقعية وذات مصداقية”، وهو توصيف تكرر في جميع القرارات الأممية إلى غاية القرار رقم 2756 (2024).
هذا التثبيت الأممي لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة المجهودات الدبلوماسية المغربية، والمتابعة الشخصية لجلالة الملك محمد السادس التي جعلت من المبادرة المرجع الوحيد لأي حل سياسي مستقبلي.
دول كبرى من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وألمانيا والإمارات أكدت دعمها الصريح للمبادرة المغربية، معتبرة إياها الأساس الواقعي الوحيد لتسوية النزاع.
وقد قال جلالته في خطاب المسيرة الخضراء لعام 2021:
“إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة لا نقاش فيها… واعتراف دولي واسع.”
🔹 الدبلوماسية المغربية.. من المرافعة إلى التأثير
بفضل التوجيهات الملكية، انتقلت الدبلوماسية المغربية من مجرد الدفاع عن الموقف الوطني إلى صناعة التأييد الدولي.
وقد كشف وزير الخارجية ناصر بوريطة مؤخراً أن خطة الحكم الذاتي خضعت لـ45 تعديلاً بين 2 و31 أكتوبر الجاري، وأن جلالة الملك تابع يومياً تطورات النقاش داخل مجلس الأمن، وتدخل شخصياً لدى عدد من القادة الدوليين، ما مكن المغرب من رفع عدد الأصوات المؤيدة للقرار الأممي إلى 11 صوتاً.
هذا المعطى يعكس الحنكة الملكية والقيادة الدبلوماسية الهادئة التي تشتغل بتخطيط استراتيجي بعيد عن الأضواء، لكنها تحقق نتائج ملموسة في المحافل الدولية.
🔹 التنمية كوجه آخر للحكم الذاتي
لم يكتف المغرب بتقديم المبادرة كوثيقة سياسية، بل جسدها على أرض الواقع من خلال النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي أطلقه جلالة الملك سنة 2015، والذي حول مدن العيون والداخلة إلى أقطاب اقتصادية أطلسية وإفريقية رائدة في الطاقة المتجددة، والبحث العلمي، والبنيات التحتية المتقدمة.
بهذه المشاريع، أصبح المغرب يمارس فعلياً مضمون الحكم الذاتي قبل اعتماده دولياً، مما منح مقاربته مصداقية ميدانية عززت موقفه الدبلوماسي.
🔹 مبادرة وطنية برؤية دولية
بعد مرور ما يقارب عقدين على طرحها، أضحت مبادرة الحكم الذاتي جوهر الرؤية الملكية ورمز المصداقية المغربية في تدبير القضايا السيادية.
لقد تحولت من مقترح تفاوضي إلى مرجعية دبلوماسية دولية، ومن حل سياسي إلى مشروع وطني متجدد يؤطر حاضر الصحراء ومستقبلها في إطار وحدة وطنية متماسكة وتنمية مستدامة.
إنها مبادرة تجمع بين المبدأ والبراغماتية، بين الشرعية التاريخية والريادة الدبلوماسية، وبين الوطنية والانفتاح الدولي، مما يجعلها بحق الركيزة الأساسية للرؤية الملكية والاستراتيجية الدبلوماسية المغربية في الدفاع عن وحدة التراب الوطني

