الرئيسية آراء وأقلام ما بعد كورونا…بداية جديدة أم نهاية مقيتة !

ما بعد كورونا…بداية جديدة أم نهاية مقيتة !

IMG 20200411 WA0005
كتبه كتب في 11 أبريل، 2020 - 12:32 صباحًا

بقلم سارة أومايمة
إستيقظ العالم فجأة وبدون سابق إنذار بعد سبات عميق، على وقع وباء كورونا المستجد، الوباء الفتاك الذي أغلق الحدود بين العالم، وعزل الأشخاص في منازلهم، وأوقف عجلة دوران العالم، فالصين لم تعد وحدها مصدر المرض، بل صار الوباء الآن عالميا، تخطى جميع الحدود، وأصبح يضرب في كل مكان في القارات الخمس، ليجعل العالم في حالة مخاض عسير.
شلل تام أصاب كل شيء، مطارات فارغة، وشوارع شبه خالية إلا من حجر، والعديد من الدول أعلنت حالة الطوارئ وفرضت الحجر الصحي فأصبح الخروج مقتصرا على العمل، والتسوق، والحالات المستعجلة فقط، فالأوقات الإستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية كذلك .
نعم، فجأة أصبح العالم غليقا بعد أن كان منفتحا على بعضه، وكل دولة منكبة على نفسها، وتعمل جاهدة للسيطرة على الوضع، وكأنها تقول نفسي نفسي! فالوباء سريع الإنتشار، ولا أحد يعرف لحد الآن سبيلا للحد منه، هل بٱستعمال الكلوروكين أو بالحجر الصحي، لكن المؤكد أن التزام البيوت، وتقليص جميع أشكال التجمع البشري سيساهم في الحد من سرعة ٱنتشار يصعب معها التحكم في الوضع.
كثرت التأويلات حول سبب ظهور كورونا الآن، وفي هذا التوقيت بالذات، وتم إسقاطه على ماعرفه العالم من أوبئة وأمراض تظهر فجأة وتختفي فجأة، وهل فعلا له علاقة بالأجندة رقم 21 ؟ وهل هو مؤامرة أو حرب بيولوجية الغاية منها التخلص من فئة معينة من الهرم السكاني؟ أو إضعاف أنظمة من أجل إلإعلان عن نظام عالمي جديد؟ تساؤلات وتأويلات كثيرة رافقت ظهور الجائحة، إلا أنه ومهما كانت الأسباب الكامنة وراء هذا الفيروس الذي يهدد سلامة البشر، فإنه الآن أمر واقع، وجب التعاطي معه وأخذ الحيطة والحذر من أجل سلامة الجميع.
ما ٱستوقفني حقيقة أمام ما نعيشه الآن، هو التغير السريع الذي طال عجلة دوران حياتنا، ففي رمشة عين كل شيء تغير!
فمن جهة حالة الحجر الصحي المفروضة، جمعت عائلات وفرقت أخرى، فقد قادت الأقدار أشخاصا لقضاء الحجر الصحي خارج منازلهم، منهم من هو عالق خارج بلده، ومنهم من هو خارج مدينته، ومنهم …ومنهم…، وكل ذلك لحكمة ما ربما لانفقه كنهها الآن، وربما لن نفهمه، لكن الأكيد أن ورائه حكمة ما، وهو فترة مواتية لإعادة الحسابات، ووقفة مع النفس، وإعادة الدفء إلى بعض العلاقات الإنسانية التي أصابها جمود المشاعر منذ زمن.
ومن جهة أخرى، أصبحنا جميعنا في سفينة واحدة، لقد ساوت الجائحة اليوم بين جميع الطبقات الإجتماعية على ٱختلافها وتمايزها، لقد ساوى الفيروس في ٱختياراته بين الأثرياء وبين من هم في أدنى درجات السلم الإجتماعي. فاليوم، وحتى إن كنت ذو مال وجاه فلن يغنيك ذلك عن العلاج من فيروس لا يعرف له علاج لحد الآن، فهل كان لابد من صفعة كورونا ليستيقظ البعض من نشوة الأنا والمال؟ الأنا التي لطالما تشدقوا به، والمال الذي طالما ٱغتروا به. هل أدركوا الآن ما معنى أن تكون في حالة من العجز حيث لا يستطيع المال ولا الجاه أن ينقذك من هذا الفيروس؟ هل أدركوا أن تلك المظاهر الجوفاء جزء من حياة زائفة؟
كورونا اليوم يتربع على العرش ملكا ويساوي بين الجميع، لا تفرقة! لافرق بين دولة نامية وأخرى متطورة، غني وفقير، قوي وضعيف، مثقف وأمي، فلا أحد في مأمن من الوباء كلنا الآن سواسية، وكأننا أمام الموقف الرهيب في اليوم العصيب، لاتغني عنا أموالنا، وقوتنا، وسلطتنا. فالعالم اليوم أمام مصير مشترك، فإما أن نحيى جميعا أو نموت جميعا.
وإن من محاسن الكوارث والآفات عموما أنها مرآة تكشف معادن الناس، فبين ملب لنداء الإنسانية ومتنصل لها تباينت المواقف! فحالة الشلل التي أصابت الحياة مع إلزامية الحجر الصحي، قد عطلت موارد العديد من الأسر التي كانت مداخيلها مرتبطة بالعمل اليومي، فحاجتهم إلى الدعم باتت مسألة ضرورية، فتعددت المبادرات الداعمة للفئات المتضررة كل واحد من موقعه، مبادرات إن دلت على شيء فإنما تدل على اللحمة الوطنية، وروح الإخاء، والتضامن في الشدائد، وسيشهد الناس، وسيشهد التاريخ عمن كان في الأزمة عونا وسندا لأبناء بلده، ومن ذاب من الوجود كقطعة ثلج في محيط.
ولكن، ماذا بعد كورونا؟
إن الدرس وإن استوعب فإنه لابأس من التطرق إلى الإحتمالات المستقبلية الواردة، خصوصا أنه كلما طالت مدة جائحة كورونا، زاد ٱحتمال حدوث أزمة مالية. فهل نحن أمام ركود اقتصادي يلوح في الأفق؟ وهل نحن في حاجة حقيقة إلى مخطط كمخطط مارشال الذي ٱستعانت به الدول الأوروبية بعد تداعيات الحرب العالميه الثانية؟ وماذا عن عملة البيتكوين، التي تم إنشاؤها في خضم الإنهيار الإقتصادي الأخير ، هل يمكن أن تكون بديلا محتملا للإقتصاد القائم على الدين والذي يسيطر عليه البنك المركزي، خصوصا مع تحول العالم إلى الرقمنة؟ هل مواردنا كافية للعيش طويلا في ظل أزمة كهاته، أم سنواجه أزمة غذاء، وعدوا آخر يسمى الجوع؟ وماذا إذا ما ٱعتقدنا أننا تغلبنا على هذه الجائحة، وعدنا إلى حياتنا الطبيعية، وباغتنا كورونا أشرس وأقتل من ذي قبل؟
هذا ما ستجيبنا عنه الأيام القادمة.

مشاركة