بقلم: معاذ فاروق
ليس الحرف في ذاته شهادةً لصاحبه، ولا يمكن أن تُخلع صفة الكاتب على من يخط كلمات تتراقص بلا روح على الورق. فالكتابة، في جوهرها، ليست سوى انعكاسٍ لصدى الفكر العميق وتعبيرٍ يتجاوز حدود الحروف، يتجاوزها إلى ما يعجز اللسان عن نقله، وما يعجز العقل عن الإمساك به. إنها غوصٌ في بحرٍ لا قرار له، وسفرٌ لا يعرف ختامًا في عالم الذات.الكاتب الحقّ ليس من ينقل الكلمات كأداة في يد القلم، بل هو من تتماهى كلماته مع نبض الحياة، من يعرف أن كل حرف هو جزء من كيانه، يحيا فيه قبل أن ينطق به. كل نقطة حبر هي تماهٍ بين عقله وروحه، فلا تُقرأ حروفه بقدر ما تُحس، كأنها تُنبض في وعي المتلقي نبض الحياة، تلك التي تراكمت فيها تجاربه وانصهرت فيها خيباته وانتصاراته.الكلمة بين يدي الكاتب الأصيل تصبح كيانًا نابضًا، ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل وسيلة لإعادة تشكيل العالم، وإعادة رؤية الحياة من زوايا خفية لا يدركها إلا من يملك بصيرة تتجاوز السطح إلى الجوهر، عمقٌ يليق بالكلمة التي تُخلق من جديد في كل قراءة.فمن يكتب فقط ليملأ بياض الورق، أو ليضفي على ذاته لقب “الكاتب”، هو مسافر بلا وجهة، لا يحمل في ذاته شيئًا ليهبه، ولا في كلماته أثرًا ليتركه. بينما الكاتب، في جوهره، هو ذاك الذي يجمع بين يديه حكمة الألم ولذة الفكر، ليخلق من السطور عوالمَ تهبُ نفسها للمتأمل فيها، كأنها مرآة تنعكس عليها أرواح القراء، فيكتشفون فيها شذرات من ذواتهم الضائعة.هكذا، تبقى الكتابة التي تتجاوز المداد، والتي تعلو فوق سطح الكلمات، هي الكتابة الوحيدة القادرة على أن تلامس القلوب، وتسمو بالأرواح.