كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بالبيضاء خلال إفتتاح السنة القضائية 2018 بمحكمة الاستئناف بالبيضاء
بسم الله الرحمـــان الرحيـــــــــــــم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
❖ السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
والرئيس الأول لمحكمة النقض ،
❖ السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
ورئيـــس النيابــــة العــامــــة ،
❖ السيد وزير العدل ،
❖ السيد الوالي ،
❖ السيد النقيب ،
الرصفاء الأعــزاء ،
الحضور الكريم كل بصفته ومن موقعه ،
لم أكن أدري أن هذا الصرح بأسواره الباردة ، وقاعاته الرمادية المصطالة
بلهيب مرافعات وأحكام الإعدام ، ستغدو اليوم شاعرية وردية ، وغيض التعجب لما
تطلعت لهاماتكم التي شارفت عنان السماء ، بما تتقلدونه من مهام جسام تكفون بها
الفرض وتعمرون بها الأرض .
ولن يستسيغ هذا الصرح أن أستعير قريض كثير والمتنبئ أو لغة هوارنلأرحب بكم طالما أنكم تستغرقون المقام والمقام ، ولعل كلم النبع الأزلي السرمدي
لرب العزة يفيكم حقكم ، فأقول لكم : ” طبتم فادخلوها آمنين ” .
حضرات السادة والسيدات ،،
إننا اليوم نعقد هذه الجلسة في ظل السلطة القضائية بعد أن استوفت الهيكلة
والتأسيس ، وكانت في مستوى تطلعات أمير المؤمنين نصره الله ، وهي مرحلة
انتقالية مرت في سلاسة وانسياب بفضل قامات هم رجالات المرحلة بامتياز وهم
السادة :
الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة ووزير
العدل .
حضرات السيدات والســـــادة ،،
في مثل هذا اليوم من سنة 2016 جلست منكم مكاني هذا ، لأعلن افتتاح السنة
القضائية حينها ، وفي ذات الأن كان حفل تنصيبـي ، وكان لي أن أعرض خطة
عملي بهذه المحكمة الضخمة ، وانساب مني العنان على غير روية حتى قيل لي
أني رفعت السقف عاليا ، ولم يسقط في يدي أو تبط ذلك ما بخبيئتي من همة ، لأنيكنت أدرك عن مراس ما أنا مقبل عليه من أمر جلل ، خصوصا وأن هذه المحكمة
كانت مصنفة رسميا من الإدارة المركزية ضمن الخانة السوداء ، ولما خبرت مظانها
عند بداية إشتغالي ، وقفت على أنها ترزخ تحت وطأة مخلف تعقد بفعل إكراه السنين
وشضف الإجراءات ، فضلا على نكوص في التحديث تعثر معه أي تضمين أوتحيين أو مواكبة أي برامـج معلوماتية ، هذا مع اهتراء البنية التحتية إن لم نقل
متردية حد الإسفاف ابتداء من الحفظ إلى قسم التنفيذ الزجري إلى توجيه الملفات
لمحكمة النقض .
فعقدنا العزم مع مجموعة من القضاة والموظفين على وضع خطة عمل تعتمد
الأساليب الحديثة في الإدارة ، واعتمدنا آليات ، وحددنا أهدافا :
فعلى مستوى خطة العمل والأساليب الإدارية الحديثة ، اشتغلنا مثلا وفق السياق العام للدولة الذي تبنى آنذاك التحديث والاجال المعقولة ، وإدراكا منا لحجم هذهالمحكمة تجنبنا النمطية في العمل ، واعتمدنا االاشتغال بطريقة أفقية عوض الطريقةالعموديـة التي تركـز الإختصاصـات في يد المسـؤول القضائي ، وتم تفويضاختصاصات الرئيس الأول لرؤساء الغرف ” نواب الرئيس الأول حاليا ” ، بحيث يعتبر كل رئيس غرفة رئيسا أولا في غرفته ويتتبع القضايا من تسجيلها إلى توجيهها لمحكمة النقض ، ويعقب ذلك اجتماع دوري مع الرئيس الأول لرأب الثغرات وتبديدالإشكالات تعترض . كما تم الإشتغال بطريقة مرحلية وتجزيئية ، إذ في علمالإدارة أن أي عمل مهما كبر وعظم يغدو صغيرا إذا تم الإشتغال عليه بطريقة
جزئية وعلى مراحل ، فبدأنا مثال بالتحديث ، ثم هيكلة البنية التحتية للمحكمة ، ثم القضـاء على المخلـف ، إلى غير ذلك حتى انتقلنا في نهاية المطاف إلى الكيف .
وعلى مستوى آليات العمل ، اعتمدنا ما وفرته الإدارة المركزيـة من برامج رسمية
، وإدراكا منا أنها وإن كانت توفر المعلومة القضائية في حينها ، فإن مواكبة الملفات
ومراقبة سيرورتها من تسجيلها إلى حكمها إلى توجيهها لمحكمة النقض ، لابد فيه
من اللمسة البشرية للمسؤول والعاملين معه ، فأحدثنا قسما لتدبير النجاعة القضائية، يشتغل فيه مهندسون وتقنيـون وموظفـون ، يضيق المقام عن الإستفاضة في دقائق متعلقاته ، ولكنه يراقب الأجال التي يعتمدها القاضي في تصريف ملفاته ، وكاتب الضبط في آماد إجراءاته ، ابتداء من أمد الإستدعاء إلى توجيه الملفات لمحكمة النقض ، ويخول مراقبة حتى الملفات المزمنة ومدى تصفيتها من طرف كل قـاض، والخبـرات ، بل وحتى نسبة القضايا المنقوضة لدى كل غرفة ، وكذا مراقبة مدىالتقيد بأوقات الجلسات ، وهذا البرنامج يخول المسؤول القضائي ورئيس كتابة الضبط مواكبة العمل يوميا بأقل جهد والتدخل في الحين للتوجيه والملاحظة ، وتجمعكل هذه المعطيات في نشرة قضائية يطلع عليها القضاة والموظفون ، بحيث أضحى العمل بالمحكمة كمرآة ، وقد القى هذا البرنامج استحسانـا من طرف اللجنـة الأوربية
للنجاعـة القضائية ” Cepej La. ”
وهناك برامج أخرى محلية من ابتكار الخلية التقنية تعنى بالتبليغ وغيره ،
هذا الأخير الذي أضحى محل خلية للتتبع تحت إشراف قاض من قضاة المحكمة .
وتوج كل ذلك بتقنية المحاكمة عن بعد التي وإن كانت حاليا تفتقر للإطار القانوني
، إلا أنها لا تعتمد إلا بموافقة الدفاع والمعتقل ، وقد أسهمت إلى حد كبير في تخفيف العبء من إكراه تنقيل ما لا يقل عن 400 معتقل يوميا جل ملفاتهم غير جاهزة .
وكان من نتائج هذا العمل الجماعي أن بوأ محكمة الإستئناف بالدارالبيضاء المرتبة
الأولى على الصعيد الوطني إذ بلغت نسبة المحكوم من المسجل نهاية سنة 2016
: 125 ، % علما بأن المتعارف عليه أن بلوغ نسبة 104 % فقط يجعل المحكمة في وضعية مريحة ، وهذا حسب المعايير المعتمدة من طرف اللجنة الأوربية للنجاعة
القضائية ، وكلما ارتفعت هذه النسبة فوق المائة فتعني القضاء على المخلف ، ونسبة
125 % تعني أنه تم القضاء على المسجل خلال السنة بكامله وصفي المخلف بنسبة
25 ، % وسنة 2017 بلغت نسبة المحكوم من المسجل 115 % وهي نسبة جد جيدة
لأن المخلف تقلص إلى حد كبير ، وبالمقابل اشتغلنا هذه السنة على الرائج ككل إذ
ارتفعت نسبة المحكوم من الرائج إلى 81 ، % بعد أن كانت 74 % سنة 2016 و
60 % سنة 2015 ، وهذا يعني أن الملفات الرائجة تقلصت إلى حد كبير ، كما أن
عدد الملفات المحكومة من طرف كل مستشار بلغ 434 قرارا سنة 2017 ، بعد أن لم يتعد 429 قرارا سنة 2016 ، و385 قرارا سنة 2015 ، وهذا يفسر قلة الملفات
حاليا بالمحكمة ، إذ بعد أن كانت الغرفة الإجتماعية مثلا لوحدها تضم رائجا يتجـاوز 15000 ملفـا سنة 2016 ، أضحى يـروج بها فقط 3491 ملفـا ، وأن المحكمة ككللا يروج بها حاليا إلا 13149 ملفا ، وهو العدد الذي كان بالغرفة الإجتماعية لوحدها وأكثر ، بل إن غرفة حوادث السير يروج أمامهاحاليا110ملفات فقط، وأن الهيئات المدنية لا يتعدى عدد الملفات الرائج أمام كل واحدة منها 300 ملف أو أقل ، وأنالرائج لدى كل مستشار يقل عن 100 ملف ، وهذا أدى إلى التأخيـرات لا تتجاوز
الشهر أو 21 يوما على أبعـد تقديـر ، وإذا تعلق الأمر بالجواب أو التعقيب فلا تتعدى
التأخيرات أسبوعا إلى 15 يوما ، هذا بعد أن كانت الملفات بهذه المحكمة تروج مرة
واحدة أو مرتين في السنة . وقد تم القضاء على الملفات المزمنة ما قبل 2014 إلا بعض المتعثر منها لعلة إيقاف البت أو في إطار العقل الجنائي ، بل إن بعض الهيئات
تحكم ملفات 2017 ولم يتبق لديها إلا ما تعلق بسنتي 2016 و 2017 ، وإن قلة
الملفات مكنتنا من الإهتمام بالكيف ، إذ تم عقد عدة موائد مستديرة لتوحيد العمل
القضائي أولا على مستوى محكمة الإستئناف ، ثم على مستوى محاكم الدائرة ، الكل على ضوء التوجه الرصين لمحكمة النقض ، وانكبت خلية من خيرة القضاة لتجميع ذلك في مجلة صدر عدده الأول مطلع سنة 2017 ، والثانية مطلع هذه السنة وتعنى بنشر قرارات محكمة الإستئناف وما يقابلها من عمل لمحكمة النقض إن نقضا أو رفضا ، حتى يستشعر القاضي أن معيار الصواب هو مدى الإلتزام بالتوجه الرصين لهذه المحكمة العليا ، وقد عرف العدد الجديد فتح نافذة على الإصدارات الأدبية والفنية للقضاة ، وأخرى على أعالم القضـاة الذي بصموا التاريـخ القضائيالمغربـي .
وفيما يخص التحديث فقد بلغ التضمين والتحيين 100. %
وتطور العمل بقسم التبليغ إذ ارتفعت نسبة االستدعاءات المبلغة إلى 76 % في
المادة المدنية ، كما تطورت مداخيل التنفيذ الزجري من : 672.952.3 درهم سنة
. 2017 سنة درهم 5.427.692,00 إلى 2015
ومن نافلة القول ، فأعلن أن محكمة الإستئناف أضحت محكمة نموذجية ، ومحكمة
صغيرة بحكم حجم القضايا الرائجة بها .
أما فيما يخص المحاكم الابتدائية ، فقد أبدى مسؤولوها تجاوبا عميقا وانبروا للرقي
بالعمل خاصتهم ، نذكر من ذلك تطور نشاطهم مقارنة بالسنة المنصرمة .
فمثــــال :
– أصدرت المحكمة الزجرية هذه السنة ما مجموعه 745.111 حكما بخالف السنة
الفارطة التي اقتصر فيها إنتاجها على 96971 حكما ، أي بزيادة 774.14 حكما .
– أما المحكمة الإبتدائية بالمحمدية فارتفع نشاطها هذه السنة إلى 183.28 حكما
أي بزيادة 1471 حكما مقارنة بالسنة المنصرمة .
والمحكمة الإبتدائية بابن سليمان ارتفع نشاطها هذه السنة إلى 19659 حكما أي
بزيادة 2057 حكما مقارنة بالسنة الفارطة .
وحافظت كل من المحكمة المدنية والمحكمة الإجتماعية على نفس نشاطها .
كما أن التنفيذ الزجري بدوره عرف تطورا ملموسا :
فمثــــال :
* بالمحكمة الزجرية : كانت المداخيل سنة 2015 : 669.891.15 درهم ،
وارتفعت سنة 2017 إلى 413.541.16 درهم .
* أما بابتدائية المحمدية : فكانت المداخيل سنة 2015 : 130.445.3 درهم ،
. درهما 2.632.793 : 2017 وسنة
* وبابتدائية ابن سليمان : كانت مداخيلها سنة 2015 : 00,613.382.1
درهما ، وارتفعت سنة 2017 إلى 00,947.192.2 درهم
.
حضرات السيدات والسادة ، انطلاقا من ثقافة الإعتراف ومن باب نسبة الفضل
لأهله ، فلست صاحب هذا الإنجاز .. بل إن صناعه ومهندسوه هم السادة القضاة
الأفاضل وجنود الخفاء السادة الموظفون الذين أبانوا عن تجاوب لا نظير له ،
واستماتوا في صمت النساك للإرتقاء بعمل اتخذوه تحديا ومصيرا ، حتى سووا تليده
بحديثه ، وإني إذ أنوه بهم فلن أبخس سلفي من المسؤولين السالفين جليل أعمالهم ،
إذ منهم من برع في التأسيس اإلداري ، ومنهم من ارتقى بالنقاش القانوني ، وأتممنا
أنا والعاملين بهذه المحكمة ما بدأوه وأسسوه فجزاهم الله الجزاء الأوفى .
حضرات السيدات والسادة :
إن هذه المناسبة ليست إستقصاء لما فات بقدر ما هي استشراف لما هو آت ، وتعودنا أن نضعخارطة طريق وخطة عمل للعمل خلال السنة الجديـدة وأن يكون عملنا في إطار السياق العام كما أسلفت ، وخطة عملنا لهذه السنة لن تحيد عن توجه محكمة النقض ، وسنعمل في إطار
الشعار الذي افتتح به السيد الرئيس الأول هذه السنة القضائية ، فقد اختار سيادته أن يكون
القضاء قويا منصفا وفعالا :
– فالقــوة تعني تكريس مبدأ استقلال لقضاء في سنام تجلياته وذلك بتوفير الجو المريح
للقاضي ليشتغل بعيدا عن أي تأثير أو أهواء ، واعتبار أن قوة القضاء من مصلحة المواطن
وتخدم أمنه القضائي .
– وقضاء منصف : فيه تكريس مبدإ دستوري ، حين حث على الحكـم العـادل ، ولا يتأتى ذلك لأن بضمان الكفاءة عن طريق التكوين المستمر ، واعتماد التوجه الرصين لمحكمة النقضفي أفق توحيد العمل القضائي .
– وقضاء فعال وفي ذلك أكثر من إشارة : كالنجاعة واعتماد المعلوميات ، والتحديث في
العمل القضائي ، وتقليص آجال البت عن طريق تحديد سقف العمر الإفتراضي للقضايا .
إذن هذا الشعار هو في حد ذاته خارطة طريق وخطة عمل متكاملة .
كما سنعتمد أيضا في خطة عملنا ما تمخض عنه الإجتماعان اللذان عقدهما الرئيس المنتدبللمجلس الأعلى للسلطة القضائية مع المسؤولين القضائيين – من ذلك – :
– الإشراف التام على المحاكم الإبتدائية وتتبع عملها وتقييمه ،
– ثم إذكاء وإشاعة روح التعاون بين مكونات المحكمة من قضاء جالس وواقف وكتابة للضبط
في أفق تحقيق المصلحة الأولى وهي خدمة المواطن ،
– وتقليص آجال البت مع عدم إغفال كيف يقتفي أثر محكمة النقض ،
وغيرها من التوصيـات .
وختاما فإن تيسير أي عمل إنسانـي ونجاحه هو تكريس لتدبير رباني لقاعدة
التقدير والهدي ، فتدبير البشر هو هدي منه تعالى ونجاحه هو من محض تقديـره
عز وجل ، هذا لأقول أن لله الأمر من قبل ومن بعد ، وما توفيقـي إلا بالله عليه
توكلت وإليه أنيب * صدق الله العظيم * .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .