بقلم بنحريميدة عزيز
في الأزقة الخلفية للمدن والقرى، حيث تلتقي روائح البقايا المتعفنة بأصوات الأقدام المتسارعة، تظهر “كلاب الگرنة” وهي تبحث بشغف عن أي شيء يسد رمقها. هذه الكلاب، بعيونها التي تروي ألف حكاية من الجوع والخذلان، لا تعرف سوى اللهاث خلف بقايا اللحم والعظام لتبقى على قيد الحياة. مشهد يبدو مألوفًا، لكنه يحمل في طياته رمزيات أعمق من مجرد جوع حيوان ضال.
حال كلاب الگرنة يعكس حال بعض البشر، أولئك الذين يلهثون خلف موائد الآخرين، لا طمعًا في الخير بل بحثًا عن فرصة لاقتناء الفتات أو التسلل إلى الظلال المظلمة للنفاق والافتراء. تجدهم يجلسون على موائدهم، التي ظاهرها مترف وباطنها مسموم، يمدون أيديهم للأخذ بألسنة لا تهدأ عن جلد الغير ونسج الأكاذيب.
هذه الفئة من البشر تشبه كلاب الگرنة، ولكن بفارق واحد: الكلاب تسعى بدافع البقاء، بينما يسعى هؤلاء بدافع التسلط، الطمع، وتشويه السمعة.
في كل مجتمع، ستجد من يسير على هذا النهج، يتهافتون على بقايا الفرص كأنها كنز ثمين، ويستخدمون أدواتهم المسمومة – سواء كانت كلمة جارحة أو افتراءً كاذبًا – للسيطرة أو التمركز في مواقع لا يستحقونها، تراهم في كل زاوية، يحومون حول الفرص كما تحوم الكلاب حول العظام، دون وازع أخلاقي أو مبدأ إنساني.
الكلاب، رغم جوعها ولهاثها، تبقى وفية ومخلصة، على عكس أولئك الذين يقتاتون على بقايا الآخرين ليزيدوا من تلوث موائدهم. ربما علينا أن نتعلم درسًا من هذه الكائنات البسيطة: أن السعي خلف الفتات لا يعني فقدان القيم، وأن الجوع الحقيقي هو جوع الأخلاق، لا جوع المعدة.
فكلاب الگرنة التي تتهافت على بقايا اللحم والعظام لتقتات منه، هي صورة متكررة في الزوايا المظلمة والأماكن المهملة، مشهدها وهي تبحث بين الفضلات عن ما يبقيها على قيد الحياة يحمل معانٍ أعمق مما يبدو، فهي رمز للجوع الذي يدفع الكائن إلى التخلي عن كل اعتبار، إلا أن هذا الجوع لدى الحيوانات هو غريزة بقاء، بينما عند بعض البشر يتحول إلى طمع وسلوك مذموم.
في كل يوم ليلة، نجد من يتشبه بكلاب الگرنة، أولئك الذين يسعون خلف موائد الآخرين، ليس طلبًا للرزق، بل سعياً وراء التسلط والنفاق، يجلسون على موائد مسمومة، ويستخدمون ألسنتهم الطويلة للافتراء والخداع،يظهرون عكس حقيقتهم، ويحاولون تسلق الآخرين على حساب قيم الإنسانية والأخلاق.
هؤلاء البشر لا يجوعون للطعام، بل يعانون من جوع الأخلاق والقيم،فهم نموذج لمن يلهث وراء الفتات، بينما ينشرون حولهم السموم،وما أشد الفرق بين كلاب الگرنة التي تقاتل لأجل البقاء، وبين من يعيشون بموائد مترفة لكنهم لا يكفون عن نشر النفاق.
إنه واقع مرير يعكس جانبًا مظلمًا من طبيعة البشر، حيث يمكن للإنسان أن يتحول إلى أسوأ من الحيوان حين يفقد بوصلته الأخلاقية.