الرئيسية غير مصنف قانون العقوبات البديلة… لحظة تحوّل تنطلق من بيوكرى نحو عدالة أكثر إنسانية

قانون العقوبات البديلة… لحظة تحوّل تنطلق من بيوكرى نحو عدالة أكثر إنسانية

4f8ea231 62b1 46c3 a44b 61da59d66df5
كتبه كتب في 25 مارس، 2025 - 12:35 صباحًا

صوت العدالة – بيوكرى

في أروقة المحكمة الابتدائية لمدينة بيوكرى، انطلقت شرارة حوار عميق جمع بين القضاء والمحاماة وحقوق الإنسان، ضمن مائدة مستديرة احتضنتها المحكمة بشراكة مع هيئات المحامين في أكادير، كلميم والعيون، واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة سوس ماسة، وذلك لمناقشة القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، في حدث يعكس روح التكامل المؤسساتي ورغبة جماعية في تحديث السياسة العقابية المغربية.

القانون الجديد، الذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 22 غشت 2024، ويدخل حيز التنفيذ بعد سنة من صدوره، يُعد نقلة نوعية في فلسفة العقاب، إذ يطرح بدائل واقعية للعقوبات السالبة للحرية، في مقدمتها العمل لفائدة المنفعة العامة، والغرامات اليومية التفضيلية، إضافة إلى تقنية السوار الإلكتروني، كأدوات قانونية تروم تقليص أعداد المعتقلين وإرساء أسس إصلاح وتأهيل حقيقيين.

اللقاء عرف حضورًا نوعيًا لثلة من القضاة، المحامين، وفاعلي حقوق الإنسان، حيث قدّم الأستاذ سعيد البخاري، القاضي بالمحكمة، عرضًا قانونيًا معمقًا حول الجوانب القضائية لتطبيق هذا النص الجديد، في حين تناول الأستاذ مصطفى بطي، نائب وكيل الملك، الدور المحوري للنيابة العامة في تفعيل القانون، مؤكدا أن هذه الآلية تفتح آفاقًا رحبة أمام تطبيق سياسة جنائية تقوم على الردع المقرون بالإصلاح، لا على العقاب المجرد.

كما شهدت الجلسة مداخلات هامة من الأستاذ عبد الوهاب لعبل، المحامي بهيئة أكادير، إلى جانب الأستاذ محمد شارف، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، وعضو اللجنة الحسين بكار السباعي، الذين سلطوا الضوء على البعد الحقوقي للعقوبات البديلة، مؤكدين أن هذه المقاربة الجديدة تشكل فرصة حقيقية لمعالجة التحديات المرتبطة بالاكتظاظ السجني وظروف الاعتقال، وتعزز كرامة الأفراد وحقهم في إعادة الإدماج.

ولم تغب الرؤية الإجرائية والعملية عن هذا اللقاء، إذ قدم الأستاذ محمد الريح والأستاذة جميلة هدي، من كتابة الضبط، عرضًا متكاملاً يشرح آليات تنفيذ القانون، مع التركيز على أهمية التوقيع الرقمي والسجل الإلكتروني في مواكبة التحول الرقمي للعدالة المغربية. وقد تم استعراض جوانب متعددة من القانون، سواء من حيث الأنواع أو الأهداف، في سياق استشراف آثار هذا التحول التشريعي على المجتمع.

ما ميز هذه المائدة المستديرة ليس فقط طبيعة النقاش القانوني العميق، بل الطابع العملي والواقعي للموضوع، حيث تحوّل النقاش إلى منصة لتبادل الرؤى حول السبل الممكنة لتطبيق هذا القانون بنجاعة، وضرورة إصدار نصوص تنظيمية مكملة، وتوفير تكوين مستمر لمختلف الفاعلين في المنظومة القضائية. كما تم التأكيد على أهمية انخراط النيابة العامة في ترشيد استخدام العقوبات السالبة للحرية، والموازنة بين حق المجتمع في الردع وحق المخطئ في فرصة ثانية.

من قلب المحكمة الابتدائية ببيوكرى، بدا واضحًا أن قانون 43.22 ليس مجرد تعديل قانوني، بل ثورة هادئة في فلسفة العقاب، ورسالة قوية بأن العدالة في المغرب تسير بخطى واثقة نحو مزيد من الإنسانية والنجاعة. لقاء بيوكرى سيظل شاهدًا على لحظة وعي جماعي، وعلى إرادة مشتركة لإرساء عدالة جنائية توازن بين الحزم والرحمة، بين الأمن والإصلاح، في مشهد قضائي مغربي يتهيأ لتحول عميق يحمل معه أملاً جديدًا في إصلاح شامل للسياسة العقابية.

مشاركة