محمد بنعبدالقادر
في سياق التطورات الأخيرة المتعلقة بقضية الصحراء المغربية، التي شهدت مؤخرا تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار 2797 الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي كأساس لحل سياسي واقعي ومستدام، لم يعد اهتمام بعض المراقبين يقتصر على تقييم مدى فعالية النجاحات الدبلوماسية المغربية أو على أهمية المكاسب التي حققتها على صعيد الاعتراف الدولي الواسع بهذا المقترح، الذي حظي بدعم متزايد من دول مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، بل إن التركيز قد تحول بشكل أكبر نحو محاولة فهم أسرار هذا التفوق الدبلوماسي المغربي البارع في تحويل التحديات إلى فرص للتعاون و التنمية، بحيث انصبّت عدة تقارير مؤخرا حول مقاربة خصوصية الدبلوماسية الملكية و قدرتها الملحوظة على انتزاع المكاسب المتتالية في ظل أوضاع جيوسياسية بالغة التعقيد، و في ظل استفزازات تصعيدية من طرف الجزائر وخصوم الوحدة الترابية للملكة المغربية .
هذا التحول في الاهتمام ينحو اليوم نحو تقدير متزايد للاستراتيجية الدبلوماسية التي ينهجها المغرب في تحقيق تقدم هادئ ومتواصل من أجل الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل.
في هذا السياق، ذهب العديد من المحللين في الصحف الدولية البارزة، ومن الفاعلين السياسيين والدبلوماسيين المهتمين بتطورات هذا الملف، إلى تفسيرات متنوعة لشرح أسباب هذا الاكتساح الدبلوماسي المغربي في تدبير النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فمنهم من ركز أساساً على انهيار حلم الانفصال تماماً، في ظل التحولات الجيوسياسية الجديدة التي تجعل من فكرة إنشاء كيان دولتي هش وغير قابل للحياة على مرمى حجر من أخطر بؤرة إرهابية في العالم – وهي منطقة الساحل جنوب الصحراء، المهددة بتوسع الجماعات الإرهابية – أمراً مستحيلاً بل يرقى إلى حد الجنون، حيث بات يُنظر إلى مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الواقعي الوحيد الذي يضمن الاستقرار والتنمية والسلام في المنطقة.
ومنهم من بدأ يشكك صراحة في الادعاءات القائلة بوجود “شعب صحراوي” متميز تماماً عن الشعب المغربي، وفي كون جبهة البوليساريو هي ممثله الشرعي و ” الوحيد” كما كنا يقال في المنظومات الستالينية البائدة ، خاصة مع تراكم الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء وتوالي سحب الاعترافات بالكيان الوهمي، وتآكل الدعم الدولي لأطروحة الاستقلال. ومنهم أيضاً من بدأ شيئا فشيئا ينتبه إلى الأجندة الخفية للنظام الجزائري في مناهضتها المحمومة والمستمرة للوحدة الترابية المغربية، حيث يُرى في دعمها للبوليساريو أداة لإضعاف المغرب إقليمياً، وإعاقة اندماجه الاستراتيجي في المنطقة، في وقت يتقدم فيه المغرب بخطى ثابتة نحو ترسيخ سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية، من خلال دبلوماسية حكيمة، مبنية على الواقعية والمصداقية و تنويع الشراكات الدولية.
ثم هناك من ركز، فضلاً عن هذه المعطيات الجيوسياسية الخارجية، على العامل الذاتي للطرف المغربي في هذا النزاع، منتبهاً إلى الدينامية المتميزة والفريدة التي تطبع الدبلوماسية المغربية تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك محمد السادس. هؤلاء المحللون يحاولون سبر أغوار هذه الدبلوماسية لفهم ما تنم عنه من ذكاء عملياتي باهر، ورؤية استشرافية ثاقبة، وبعد نظر استراتيجي مبني على ملكات الصبر والتأني والمبادرة الاستباقية، حيث أصبح المغرب يتميز بتحويل التحديات التي تواجهه إلى فرص حقيقية أمامه، وذلك من خلال تعزيز الشراكات الدولية، وتكريس التنمية الشاملة في الأقاليم الجنوبية، وترسيخ الرؤية الواقعية المتوجهة نحو المستقبل، والاستعداد للتفاهم حول التسوية السياسية في ظل السيادة المغربية الضامنة للاستقرار والسلم والأمان.

