صوت العدالة – الدار البيضاء
في واقعة تثير الكثير من التساؤلات حول تنامي الظواهر المرتبطة بالنصب والشعوذة، تمكنت عناصر الدرك الملكي ببوزنيقة من كشف خيوط عملية احتيال معقدة، كانت ضحيتها معلمة في وضعية نفسية هشّة، وقعت فريسة لأساليب الإغواء والاستغلال من طرف فتاة ووالدتها وزوج هذه الأخيرة، بعدما أوهموها بقدرتهم على علاجها روحانيًا مقابل مبالغ مالية ضخمة.
وتعود تفاصيل القضية إلى شكاية تقدّمت بها الضحية لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية ابن سليمان ، وهي معلمة تعاني من اضطرابات نفسية مزمنة، تفيد بأنها تعرضت للاستغلال والنصب على يد فتاة تعرّفت عليها في أحد صفحات التواصل الاجتماعي، حيث استغلت الأخيرة وضعيتها النفسية وقدّمت نفسها كوسيط بين الضحية ومعالجة روحانية ذات “قدرات خارقة”، ليتبين لاحقًا أن تلك “المعالجة” لم تكن سوى والدتها التي لعبت هذا الدور بدهاء واحتراف.
وفقًا للمعطيات المتوفرة، فقد انخرطت الفتاة ووالدتها بشكل ممنهج في عملية استنزاف مالي للضحية، عبر طلبات مالية متكررة ومبالغ متفاوتة، بحجة القيام بطقوس وعلاجات روحانية لفكّ ما سُمي بـ”السحر الأسود” و”الطاقة السلبية”، وهي العبارات التي تم توظيفها ببراعة لإقناع الضحية وإبقائها تحت سيطرتهما النفسية. وقد تم توجيه هذه التحويلات المالية التي تجاوزت قيمتها الإجمالية 95 ألف درهم عبر وكالات تحويل الأموال “وافا كاش”، حيث كان يتسلّمها الزوج، الذي تبين لاحقًا أنه شريك مباشر في هذه الأفعال الاحتيالية.
غير أن المفاجأة الأكبر تمثّلت في كون الفتاة ووالدتها معروفتين لدى المصالح القضائية، حيث تبين أنهما موضوع شكاية أخرى تتعلق بالابتزاز والتشهير، تقدّم بها أحد الصحفيين العاملين بمدينة الدار البيضاء، والذي اتّهمهما بفبركة وقائع ملفقة تتعلق بالاستغلال الجنسي في حقه وفي حق بعض رجال القضاء، في سياق حملة ابتزاز مدبرة، بتواطؤ مع شخص من ذوي السوابق العدلية، يتابع بدوره أمام القضاء في قضايا نصب واحتيال.
المعطيات الأولية تفيد بأن المتهمات استغللن منصات التواصل الاجتماعي لتضليل الرأي العام، عبر اختلاق روايات واتهامات باطلة، كانت الغاية منها المساس بسمعة الضحية وممارسة ضغط نفسي عليه بهدف ابتزازه مادياً ومعنوياً، في أسلوب بات يتكرر في الآونة الأخيرة مع تصاعد ظاهرة “الابتزاز الرقمي” و”المظلومية المفبركة”.
ووفقًا لمصادر عليمة، فإن النيابة العامة تتابع الملف عن كثب، بالنظر إلى خطورته ، إذ يجمع بين عناصر النصب، الشعوذة، استغلال الهشاشة النفسية، وهي تهم ثقيلة تم الاعتراف بها من طرف جميع المتهمين (س ك )والدتها (ا ز) وزوجها (ر ز) حيث تمت متابعتهم في حالة إعتقال وتم تحديد يوم أمس الإثنين للجلسة الأولى ملف عدد 191/2103/2025 حيث تم رفض طلب السراح و تأجيل الجلسة إلى يوم غد الأربعاء 26/3/2025.
وتعيد هذه القضية للواجهة سؤال الرقابة القانونية والأمنية على ممارسي الشعوذة، وعلى ظاهرة التلاعب النفسي بالعقول الضعيفة، في وقت أصبحت فيه بعض الشبكات تنشط في الخفاء تحت غطاء “العلاج الروحاني” لاستغلال الأشخاص الذين يعانون من أمراض أو ظروف اجتماعية هشة.
من جهته، طالب عدد من النشطاء الحقوقيين بضرورة التصدي الصارم لمثل هذه السلوكيات التي تمس بكرامة المواطنين وتستغل أوضاعهم النفسية والاجتماعية، مؤكدين على أهمية وضع حد لهذا النوع من النصب المقنّع، الذي بات يجد بيئة خصبة على مواقع التواصل، ويستهدف فئات هشة دون رحمة أو رادع.
في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات الجارية، تبقى هذه الواقعة دليلاً مؤسفًا على ما يمكن أن تفعله الشعوذة حين تُوظف للنصب، لا للعلاج، وحين تصبح قناعًا يخفي نوايا جرمية بدم بارد.