الرئيسية أخبار القضاء فارس من مراكش يؤكد على إرادة المجلس الأعلى للسلطة القضائية القوية لتطوير كل المقاربات التشاركية وتكريس آليات الحوار الجاد البناء من أجل عدالة أفضل عبر العالم

فارس من مراكش يؤكد على إرادة المجلس الأعلى للسلطة القضائية القوية لتطوير كل المقاربات التشاركية وتكريس آليات الحوار الجاد البناء من أجل عدالة أفضل عبر العالم

IMG 20190318 WA0020 1.jpg
كتبه كتب في 18 مارس، 2019 - 1:56 مساءً

في كلمة له خلال فعاليات المؤتمر الوطني الأول لموثقي المغرب المنعقد بقصر المؤتمرات بمراكش أكد الأستاذ مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على إرادة المجلس الأعلى للسلطة القضائية القوية من أجل تطوير كل المقاربات التشاركية وتكريس آليات الحوار الجاد البناء من أجل عدالة أفضل عبر العالم حيث جاء فيها:

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمـد لله ، والصـلاة والسـلام علـى مـولانـا رسـول الله والـه وصحبـه؛

الحضور الكريم ؛
اسمحوا لي أن أعرب لكم عن مدى سعادتي واعتزازي بالمشاركة معكم اليوم بهذا المؤتمر الوطني الأول لموثقي المغرب الذي يتشرف بانعقاده تحت الرعاية الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله ويعرف حضورا وازنا لنخبة متميزة من أسرة العدالة وثلة فذة من خبراء القانون والاقتصاد وممثلين لهيئات ومؤسسات وطنية ودولية رائدة.
مراكش كعادتها بكل ألقها وتميزها كأرض للقاءات وفضاء للتواصل ، تجمعنا اليوم لنعبر معا عن صادق إرادتنا من أجل تطوير كل المقاربات التشاركية وتكريس آليات الحوار الجاد البناء من أجل عدالة أفضل عبر العالم.
واسمحوا لي أن أغتنم هذه المناسبة لأقدم كل عبارات الثناء والتقدير لكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء الدولي الكبير وأخص هنا بالشكر السيد رئيس المجلس الوطني لهيئة الموثقين بالمغرب الأستاذ عبد اللطيف يكو على ما تم بذله من جهود قيمة ليكون هذا الحدث في مستوى التطلعات والانتظارات.
والشكر موصول لضيوف المغرب الذين قدموا من بلدان صديقة وشقيقة ليشرفوا هذا اللقاء بحضورهم ويغنوه بتجربتهم متمنيا لهم مقاما طيبا بيننا.
مع تحية تقدير وعرفان لكل المحاضرين والمشاركين الذين بكل تأكيد سيعطون لهذا المؤتمر زخما معرفيا ومهنيا كبيرا سيتيح لنا تحقيق من نصبوا إليه جميعا من رؤى وخلاصات ونتائج.

الحضور الكريم؛
لقد اخترتم بشكل موفق موضوعا متميزا ومحاور علمية هامة ذات أبعاد دستورية وقانونية تثير إشكالات تقنية وأخلاقية وتنظيمية وتستدعي مقاربات اجتماعية واقتصادية وحقوقية .
محاور ومواضيع متوازية تتجاوز المستويات الوطنية لتقارب العمق الافريقي والبعد الأوروبي في تجلياتها الدولية الكونية.
وهنا لا بد أن نستحضر بأن هذا المؤتمر ينعقد في ظل سياقات وطنية موضوعية متعددة ذات أهمية كبرى، أولها سياق دستوري أساسي، يؤكد على المكون الإفريقي والمتوسطي في الهوية المغربية، إلى جانب المكونات الأخرى، مما أعطانا موروثا متفردا غنيا وأصيلا وأرضية صلبة تخولنا بناء مشاريع مستقبلية وتعزيز دور بلدنا كحلقة وصل لإنجاز شراكات متوازنة ذات نفع متبادل بين بلدان القارتين الإفريقية والأوروبية.
وهو ما أكد عليه دائما جلالة الملك محمد السادس نصره الله في عدة مناسبات ولقاءات ومنها رسالته السامية التي ألقيت بمناسبة انعقاد الدورة الرابعة للقمة الإفريقية الأوروبية ببروكسيل سنة 2014، والتي جاء فيها : (وسيواصل المغرب بفضل عمله متعدد الأشكال، وذي الأولوية في إفريقيا من جهة، وبفضل الوضع المتقدم الذي يحظى به لدى الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، جهوده التي يبذلها في سبيل تطوير الشراكة بين القارتين، في إطار منهج شامل ومندمج، مبني على مبدأ التضامن، منهج يوفق بين تعزيز السلم والأمن والنمو الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة، وبين الحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية للشعوب، بروح من التسامح والاحترام المبادل) . انتهى النطق الملكي السامي.
مما لاشك فيه أن مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية والشراكات الاقتصادية الهامة التي تبادر إليها بلادنا ستفتح المجال لتعاقدات مختلفة، ستتحرك معها النصوص القانونية الوطنية والدولية، وسيكون من الواجب على كل المؤسسات ومنها السلطة القضائية وكل الفاعلين في مجال العدالة أن يعملوا على تطوير آلياتهم وفتح آفاق حوار داخلي وخارجي، ليكونوا في مستوى هذه الدينامية والحركية.
والأكيد، أن مثل هاته اللقاءات تعد فضاءا مناسبا للحوار وفرصة ملائمة يجب استثمارها لتبادل الرؤى والحلول المختلفة.
الحضور الكريم؛
لابد من التذكير أيضا بسياق ثاني له أهمية بالغة، ونوليه اهتماما خاصا، وهو أن القضاء مطالب دستوريا وقانونيا وأخلاقيا، بضمان الأمن القضائي للأفراد والجماعات وحماية حقوقهم وحرياتهم.
وهي رسالة كبرى وأمانة عظمى، أضحت اليوم، أكثر تعقيدا وصعوبة، بسبب تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية وإكراهاتها، وتأثيرات العولمة على البنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية للدول والتنامي المتسارع لتكنولوجيا الاتصالات، والتطورات العلمية الهائلة التي تعرفها الإنسانية في مختلف المجالات، كل هذا جعل أسرة العدالة في الألفية الثالثة تواجه مفاهيم ومؤسسات قانونية وواقعية معقدة وتغييرات في بنية العلاقات التعاقدية وضوابطها ومضامينها، سواء كان طرفها شخصا طبيعيا أو معنويا، أو شخصا من أشخاص القانون العام أو الخاص أو كان وطنيا أو أجنبيا أو شركة عابرة للقارات، وبدأ الخبراء والمهتمون يتحدثون عن “التوازن الاقتصادي للعقد” و “بوادر القلق العقاري” و “آليات حماية المستهلك” و “ضمانات العدالة التعاقدية” والوسائل البديلة لحل المنازعات ودور القضاء في الاستثمار.
وهي كلها محاور علمية تقتضي منا تدقيق معانيها وتحديد أبعادها حتى نستطيع مقاربة الأمن القانوني والتعاقدي الذي يبقى مدخلا أساسيا لتنمية إنسانية مندمجة ومستدامة، تنمية تقوى فيها الضمانات وتضبط فيها العلاقات بالقانون ويرتفع معها منسوب الوعي ويعلى فيها من شأن القيم والأخلاقيات.
الحضور الكريم؛
أزيد من 1800 موثقة وموثق بالمغرب يمارسون منذ عشرات السنين مهنة هي من أنبل المهن وأصعبها، ويؤدون رسالة وأمانة ذات أبعاد كبر ى تمس قطاعات حيوية ومجالات حقوقية واجتماعية واقتصادية مختلفة تتجاوز المجال القانوني بكثير.
إنه التوثيق الذي تم التوكيد على أهميته في كافة المعاملات وأفردت له أطول آية في أطول سورة من القرآن الكريم وهي الآية 282 من سورة البقرة التي قال عنها ابن العربي في تفسيره «هي آية عظمى في الأحكام» .
الموثق اليوم أصبح مطلوبا منه لا فقط تحرير العقود وتوثيقها بل أن يكون مستشارا ماليا وجبائيا وإداريا وخبيرا في علم التواصل والاقتصاد والسياسة الداخلية والدولية وعلم النفس والاجتماع وغيرها.
وهي التزامات وضحتها محكمة النقض في إحدى قراراتها سنة 2010، حيث أكدت أن مهنة الموثق لا تقف عند حد إضفاء الصبغة الرسمية على الاتفاقات بين الأطراف بل أبعد من ذلك، فإنه يعتبر مستشارا ومرشدا لزبنائه وأمينا وحريصا على أن يتم التعاقد في أحسن الظروف دون أن تشوبه أي شائبة من شأنها الإضرار بالأطراف وإثارة النزاعات.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن مهنة التوثيق ببلادنا عرفت حدثا تاريخيا سنة 2012 من خلال صدور قانون 32.09 الذي جاء بعد أكثر من 85 سنة من تطبيق قانون 1925 المقتبس بدوره من القانون الأساسي للتوثيق الفرنسي لسنة 1803، قانون جديد بمقتضيات حاولت إبراز المكانة الاعتبارية لهذه المهنة وتجسيد أهمية الدور الذي يلعبه الموثق والعقد التوثيقي في مجال استقرار المعاملات كمدخل أساسي لتحقيق التنمية، وضمان الأمن التعاقدي وذلك عبر حماية حقوق المتعاقدين والمساهمة في توقي حدوث المنازعات أو في حلها من خلال مساعدة القضاء على إصدار أحكام عادلة استنادا على عقود مصاغة بطريقة مهنية متقنة.
نص قانوني عمل أيضا على مراعاة خصوصيات هذه المهنة والأدوار المنوطة بها وطنيا ودوليا، والشروط الواجب توفرها سواء في الموثق أو العقد التوثيقي، وآليات حماية حقوق الأطراف والغير، وإيجاد التوازن بين مصالح مهنة التوثيق وضبط علاقاتها مع العديد من المؤسسات القضائية والمالية والإدارية في إطار مقاربات تشاركية مندمجة وحكامة مهنية مسؤولة، والأكيد أن فعالية هذه المقتضيات تبقى رهينة بضمير مسؤول وإرادة جادة ترقى بمستوى هذه المهنة المضيفة ضمن الخدمات العامة التي تيسر الولوج للقانون وتلعب دورا محوريا في دولة الحق والمؤسسات.

الحضور الكريم؛
لا شك إننا جميعا واعون بأن دينامية الإصلاح تطالبنا اليوم بكثير من الجرأة والصرامة والقدرة على انتقاد الذات بعيدا عن أي منطق فئوي ومواجهة كل الحالات التي تشذ عن هذه المقاربة وتمس بالثقة الواجبة في الموثق وفي مهنة التوثيق.
حالات يعمد مرتكبوها إلى تكريس ممارسات مخلة بالقانون و بالضوابط التنظيمية والمالية و بالأخلاقيات المهنية.
مما يفرز نوازل معقدة وإشكاليات كبرى ذات بعد قانوني واقتصادي واجتماعي وحقوقي ومهني ، يمس بنا كأسرة واحدة للعدالة بكل مكوناتها واختصاصاتها ومهامها.
ولي اليقين أن مؤتمركم اليوم سيكون فرصة لرصد واقعي لكل هذه الظواهر السلبية والحالات الفردية التي تسيء للمنظومة برمتها وإيجاد آليات عملية ناجعة للوقاية منها وللحد من آثارها.

السيدات والسادة الأفاضل؛
على امتداد أيام هذا الحدث الهام سنستمتع بمداخلات قيمة ومشاركات وازنة لخبراء مختصين وفاعلين من مدارس فكرية متنوعة، زاوجوا بين التراكم المعرفي الرصين والتجربة والممارسة المنتجة والعميقة، مما سيتيح تسليط الضوء بكثير من الموضوعية والمهنية على العديد من هذه الجوانب والوصول إلى تقديم أفضل الاقتراحات والتوصيات والمبادرات التي تستطيع إيجاد التوازن المطلوب وتراعي خصوصيات جميع مكونات هذا الفضاء الأورو-افريقي الذي يجمعنا والذي يسائلنا اليوم جميعا وبإلحاح عن الآليات الكفيلة للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في التنمية المستدامة وفي الأمن القانوني.
وأملنا كبير أن تتعدد مثل هذه المبادرات، وأن يتم التفكير في خلق فضاءات متعددة دائمة للإنصات ونقل المعرفة والتبادل الحقيقي للخبرات، حتى تنجح شراكاتنا في تحويل النوايا إلى أفعال مشتركة والمشاريع إلى فرص للنمو والتقارب والتبادل.
وفي الختام؛
لن أحتاج إلى التذكير بأن تاريخ مهنتكم ومستقبلها أمانة ومسؤولية وطنية يتحملها الجميع، وأنتم مطالبون اليوم بصون وحدة وكرامة أسرة التوثيق والحفاظ على قيمها ورسالتها التي بنى أسسها جيل من الرواد، والترفع عن كل ما يسيء إليها من صغائر الأمور والممارسات غير اللائقة.
أجدد لكم شكري وتقديري لدعوتكم ومجهوداتكم، مؤكدا لكم الاستعداد الدائم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل التفاعل الإيجابي مع كل مبادراتكم ومشاريعكم، متمنيا لأشغالكم كل التوفيق والنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مشاركة