النقيب البصراوي علال
بعد طول كتمان و سرية ظهرت مسودة مشروع القانون رقم 66.23 المنظملمهنة المحاماة . و ذلك بعدما احالته الامانة العامة للحكومة على الوزراءاستعدادا لإدراجه باجتماع مجلس الحكومة ، وهي المسودة التي سلمتلنقباء الهيئات لعرضها على المجالس.
و بالاطلاع المباشر على هذه المسودة سجلنا عددا كبيرا من الملاحظات كلهاتعكس الخط التراجعي لهذا المشروع على كل الاوضاع و المكتسبات والتجارب التي راكمتها مهنة المحاماة بالمغرب عبر عقود من الزمن، حتى انالمرء يكاد لا يصدق كيف يمكن ان يكون قد حصل نقاش او توافق او اتفاقحول هذه المقتضيات!
و حتى تلك التي كنا نسميها في مراحل سابقة قضايا معلقة تم تمريرها، وتمرير أكثر منها.
و للتدليل على ذلك كله أقدم عددا من الملاحظات تمثل غيضا من فيض.
الملاحظة الأولى
ان الملاحظة العامة و الاساسية التي تخترق مفاصل المشروع ككل و نلمسهافي كل مقتضياته، هي تلك المتعلقة بالتقليص من استقلالية المهنة خاصة فيعلاقتها بوزارة العدل و النيابة العامة .
اذ ان جل القرارات التي تتخذها أجهزة الهيئة اصبحت ملزمة بتبليغها الىالنيابة العامة بل و حتى الى وزير العدل، بدءا من ولوج المهنة عبر مباراة وتكوين بالمعهد من تنظيم و تأطير وزارة العدل الى غاية انهاء الحياة المهنيةبالتغاضي (المادة 109) مرورا بكل مفاصل الحياة المهنية .
الملاحظة الثانية
تكريسا لنفس النهج المشار اليه اعلاه نصت المادة 18 من المشروع ان واجبالانخراط في الهيئة بالنسبة للوافدين الجدد يحدد بقرار لوزارة العدل ، بعدماكان هذا من اختصاص الهيئات التي تدبر هذا الموضوع حسبما تقتضيهظروفها الخاصة، و خاصة على مستوى القدرة الاستيعابية . و هو أمر لا يقدره و يحس به حقيقة الا الممارسون في كل هيئة .
الملاحظة الثالثة :
نصت المادة 26 من المشروع على صيغ الممارسة المهنية. ووضعت من بينهاممارسة المحامي بشراكة مع محام آخر مسجل بهيئة أخرى في اطار عقد .
هذه الصيغة لم تكن في يوم من الأيام مطلبا لعموم المحامين ، حيث ظلتالصيغة المعمول بها هي التخابر مع مكتب زميل من هيئة أخرى في اطارالاعراف
و التقاليد ، اما الشراكة فستكون وسيلة لامتداد مكاتب معينة خارج دائرةالهيئة التي ينتمون اليها.
الملاحظة الرابعة :
من صيغ الممارسة ايضا ما نصت عليه المادة 26 من المشروع حيث يمكنللمحامي ابرام عقد تعاون مع محام اجنبي او مع شركة مهنية اجنبيةللمحاماة.
انه بشكل واضح فتح باب المهنة للاختراق بعدما ظل عصيا لعقود من الزمن .
ما معنى عقد تعاون؟
لا يوجد في اي فرع من فروع القانون عقد اسمه عقد تعاون.
ان كلمة ” تعاون ” ليست اصلا اصطلاحا قانونيا . و انما صيغة عامة تفتحالباب لأمور لا علاقة لها بالممارسة المهنية.
ان مثل هذه الصيغة و الصيغة التي قبلها لم تكن يوما مطلبا لعموم المحامينالمغاربة.
الملاحظة الخامسة :
لأهمية صيغ الممارسة المذكورة في المشروع تقرر فقط عرضها على التأشيرة
و ليس للنظر و البث، بل انه نص على ان لا ترفض التأشيرة الافي حالة تضمين العقد ببنودا مخالفة للقانون ، و نص على انيبث فيها داخل أجل ثلاثة أشهر ، و ان عدم البث يعد بمثابةتأشيرة.
الملاحظة السادسة :
لتيسير تمرير هذه العقود تم سحب الاختصاص من المجلس و اسنادهللنقيب، خلافا لما كان عليه الامر في القانون الحالي في المادة 27 التيتنص على ان مجلس الهيئة هو من يرخص بالمشاركة او غيرها من صيغالممارسة ، يرخص وليس يعرض عليه للتأشيرة .
الملاحظة السابعة :
نصت المادة 38 من المشروع على عدم الزامية المحامي في القضايا التييكون احد طرفيها قاضيا او محاميا و في القضايا التي تطبق فيها المسطرةالشفوية طبقا لقانون المسطرة المدنية و في قضايا اخرى ينص عليهاالقانون.
و هكذا ففي الوقت الذي يطالب فيه المحامون بتوسيع دائرة “الاحتكار ” المهني ، ينص المشروع على العكس ، بل ان حتى من كان خصمه محاميا اوقاضيا يعفى من تنصيب محام في جميع المراحل بما فيها النقض و مؤدىهذا انه في دعوى شخصية لمحام او قاض يجب عليه تنصيب دفاع مقبولامام محكمة النقض، في حين ان الخصم الذي قد يكون مواطنا لا دراية لهمطلقا بالقانون يتقاضى شخصيا لمجرد ان خصمه محام او قاض.
الملاحظة الثامنة :
نصت المادة 47 من المشروع على الزام المحامي بارتداء البدلة اثناء القيامبالإجراءات بكتابة الضبط .
هذا المقتضى لا مبرر له، و سيؤدي الى الاحتكاك المستمر بين المحامين
و موظفي كتابة الضبط.
ان مجال ارتداء البدلة هو جلسات المحكمة حتى يبقى لها احترامها وهيبتها، اما التزاحم مع المواطنين بالبدلة في ممرات المحكمة فضرره واضح.
الملاحظة التاسعة :
نصت المادة 48 من المشروع على الزام المحامي عند الترافع امام محكمةخارج دائرة نفوذ محكمة الاستئناف المحدثة لديها الهيئة المسجل بها ان يقدمنفسه
و يصرح برقمه المهني الى نقيب الهيئة او من يمثله.
هذا المقتضى بوضوح هو تكليف بمستحيل. اذ كيف لمحام تنقل صباحا مئاتالكيلومترات ان يبحث عن النقيب او من يمثله ليقدم له نفسه؟!
انه مثل هذه المقتضيات لازالت من بقايا المدرسة اللاتينية و ان الواقع وتعقيداته فرض تجاوزها.
ان كثيرا من مقتضيات هذه المدرسة تثقل كاهل المحامي بالتزامات لا طائلمنها. فالمحامي ملزم اساسا باحترام القانون و اعراق و تقاليد مهنته ، ومنها تقديم نفسه للزميل الذي ينوب على الخصم و للنقيب اذا كان حاضرابالجلسة.
الملاحظة العاشرة :
الزمت المادة 54 من المشروع المحامي بالتوفر على تكليف مكتوب من موكلهيتضمن كثيرا من المعطيات. و معلوم ان مسألة الوكالة المكتوبة كانت لسنواتطويلة من القضايا الخلافية بين المحامين ووزارة العدل. ذلك انه اذا كانتبعض الممارسات الاستثنائية و القليلة جدا تخص المنازعة في النيابة. فانذلك لا ينبغي ان يكون دافعا لفرض اجراء اضافي يثقل كاهل المحامي والمواطن و يهز الثقة في مؤسسة الدفاع.
الملاحظة الحادية عشرة :
نصت المادة 72 من المشروع انه يتعين اداء الاتعاب التي يتجاوز مبلغهاعشرة الاف درهم بواسطة شيك او بإحدى وسائل الاداء بطريقة الكترونية .
هذا المقتضى غير واقعي ، يبدو كما لو انه وضع ليطبق في جزء من المغربوليس لكل المواطنين خاصة القاطنين في البوادي و الجبال و المناطق النائيةالذين لا علم لهم اصلا بوجود الشيك او وسائل الاداء الالكترونية . علما انآخر التقارير ذات الصلة تبين ان نسبة التبنيك في المغرب تصل بالكاد الى50%
الملاحظة الثانية عشرة :
تخص هذه الملاحظة المسطرة التأديبية للمحامي او المحامي المتمرن ، خاصةالمواد 83-99-101. اذ قررت هذه المواد ان النقيب يقوم بمتابعة المحامي اوالمحامي المتمرن ، و انه في نفس الوقت يشارك في المحاكمة و يصوت ، فيحين ان المقرر يجوز له حضور المداولات دون ان يكون له حق التصويت .
في حين يتعين ان يكون العكس ، اي ينبغي الا تشارك جهة المتابعة ( النقيب) في صدور الحكم الذي يبقى من اختصاص المجلس ، و ضمنه المقرر الذيلا مبرر لاستبعاد تصويته.
الملاحظة الثالثة عشرة :
و يلاحظ من جهة اخرى ان المقتضيات أعلاه نصت على حق المتابعبالاستعانة بمحام لمؤازرته و كررت “محام” عوض الدفاع.
و لعل ابعاد هذا المقتضى تكمن في تكريس ما تذهب اليه بعض المجالسالتأديبية اليوم من فرض مؤازرة المتابع بمحام واحد عوض دفاع قد يتكون منعدد من المحامين .
و هذا الاختيار مرفوض لأنه يمس مباشرة حقوق الدفاع المخول للمواطنبالشكل الذي يراه مناسبا و يضيق على عمل المحامين حين يفرض عددهمفي كل ملف.
الملاحظة الرابعة عشرة :
نصت المادة 98 من المشروع على مسطرة و آجال البث في الشكاياتالمرفوعة في مواجهة المحامين و آجال الطعن فيها و تثير عدة ملاحظاتاهمها:
– تقصير الآجال الممنوحة لأجهزة الهيئة للبث فيها.
– خلق طريق جديد للطعن في قرار النقيب بالحفظ امام مجلس الهيئة.
– فتح باب الطعن في قرار الحفظ امام المشتكي.
– قرارات النقيب اصبح الطعن فيها امام المجلس و امام غرفة المشورة ، بل انمجلس الهيئة اذا لم يبث داخل الاجل المحدد يحال الملف بقوة القانون الىغرفة المشورة .
ان المنهجية التي ضيفت بها هذه المقتضيات تعكس فكرة مسبقة بانالمحامي المشتكى به مرتكب للفعل و انه ينبغي الا يفلت ، و يجب تضييقالخناق عليه مسطريا ، في حين ان واقع الشكايات المقدمة الى الهيئات لاتعكس في معظمها هذه الاهمية ، اذ ان جزءا كبيرا منها يخص ضعفالتواصل النابع من اعتقاد الموكل بان المحامي عليه ان يجيبه دائما علىهاتفه ليل نهار و أيام العطل و ان يناقش معه الملف في كل وقت و حين، وجزء آخر من الشكايات متعلق بتأخر الاجراءات التي لا دخل للمحامي فيها .
ان هذه المقتضيات ستؤدي في النهاية الى كثرة الملفات امام غرفة المشورةفي مواضيع و جزئيات لا ينبغي اصلا ان تصل الى القضاء.
الملاحظة الخامسة عشرة :
في مقتضى مخالف لفلسفة القانون نفسه و لما يجري به العمل قانونا وواقعانصت المادة 103 على ان المحامي الذي صدر في حقه قرار بالتوقيف يجبعليه التوقف على ممارسة اي عمل من اعمال المهنة بمجرد صدور القرار ايقبل اي تبليغ او تنفيذ . و في حالة امتناعه عن التنفيذ الطوعي. يحدد النقيبداخل اجل 48 ساعة تاريخ انتقاله الى مكتب المحامي المعني للسهر علىالتنفيذ مع امكانية الاستعانة بالنيابة العامة .
أمر جيد ان تحدد آجال التنفيذ بالساعات و بهذه السرعة و الدقة. لكن ينبغيان يكون ذلك في كل مناحي التنفيذ و في كل القضايا.
الملاحظة السادسة عشرة:
اهتم المشروع كثيرا بجزئيات الحياة الداخلية للهيئة، حتى انه الزم النقيبفي المادة 147 بإحالة النظام الداخلي للهيئة على الرئيس و الوكيل العام، ويخضع لنفس الاحالة كل تعديل يطرأ على النظام الداخلي . بل و يمكنللوكيل العام الطعن في هذا النظام و هذه التعديلات.
و نص على ان النظام الداخلي يودع ايضا بكتابة ضبط محكمة الاستئناف.
و الملاحظ ان كل هذه المقتضيات جاءت مخالفة لما استقر عليه الاجتهادالقضائي لعقود من الزمن . اذ يعتبر هذا الاجتهاد ان النظام الداخلي هوبمثابة عقد بين اعضاء الهيئة يلزمهم هم و لا يلزم الغير ، و ان ما يلزمالجميع هو قانون المهنة و ليس النظام الداخلي.
لذلك فانه لا مبرر لاهتمام المشرع بتفاصيل و جزئيات الحياة الداخلية للهيئة .
الملاحظة السابعة عشر:
في موضوع تشكيلة مجلس الهيئة ، حافظ المشروع على الفئوية رغم عدمديمقراطيتها من الاصل، و لكن الاخطر انه ذهب عكس الاتجاه العام للبنيةالبشرية للهيئات . ذلك انه نص في المادة 148 على ان مجلس الهيئة يتكونمن ثلاث فئات :
– فئة النقباء السابقون
– فئة المحامون المسجلون بالجدول لمدة تفوق عشرين سنة
و فئة المحامون المسجلون بالجدول لمدة بين عشر و عشرين سنة.
لكنه خصص للفئتين الاولى و الثانية ( النقباء السابقون و اكثر من عشرينسنة ) ثلثي اعضاء المجلس .
و هكذا ففي الوقت الذي ينبغي رفع تمثيلية فئة الشباب مادامت اليوم هيالاكثر في كل الهيئات ، نجد المشروع قلص من تمثيليتها
الملاحظة الثامنة عشر:
في نفس سياق الملاحظة السابقة نصت المادة 158 على رفع مدة الاقدميةللترشح لمهمة النقيب الى عشرين سنة، و ان يكون قد قضى ولايتين فيالمجلس.
و الملاحظ سواء في المشروع او في الخطاب العام ذي الصلة ان هناك اتجاهالى اقصاء الشباب او التضييق عليهم في الوصول الى مراكز القرار المهنيخلافا للتوجهات العامة للدولة .
فالشروط الموضوعة لمهمة النقيب تجعله دائما في سن الستين، و يجعلالاختيار داخل الهيئات ضئيلا خاصة في الهيئات الصغرى.
و ما دام الاختيار ذهب الى الولاية الوحيدة فانه لا مبرر لجعل الاقدمية فيعشرين سنة. فالكفاءة و الحكمة او غيرها من الصفات لا ترتبط دائما بالسناو الاقدمية .
الملاحظة التاسعة عشر :
نصت المادة 151 من المشروع ان من اختصاصات النقيب تدبير المصالحالمالية للهيئة و اسندت له ايضا الدعوة لاجتماعات الجمعية العامة و اعدادمشروع جدول اعمالها .
و يلاحظ في هذا تقليص من مهام و اختصاصات المجلس و خاصة فيالقرار المالي الذي ينبغي ان يبقى جماعيا على عكس ما ذهب اليه المشروع.
الملاحظة العشرون :
هي ملاحظة عامة تخترق مفاصل المشروع ككل و هي المتعلقة بعدم اعتمادالمقاربات المتماشية مع السياسة العامة للدولة ، و هي اساسا:
– مقاربة النوع الاجتماعي.
– تشجيع الشباب على الوصول الى مراكز القرار
– حماية القرار الاداري و المالي بجعله جماعيا ما أمكن ( تقوية المجلسعوض اضعافه)
ختـــــاما: ان مشروعا غابت في وضعه المقاربة التشاركية الحقيقية و أحيطالتفاوض بشأنه بالسرية حتى من المؤسسات المهنية لا يمكن ان يكون الاعلى هذه الصيغة التي تتعارض مع دستور 2011 و ما تضمنه من مقاربات،
و تتعارض مع الاجتهاد القضائي و ما راكمته المهنة من مكتسبات عبر عقودمن الزمن.

