انطلقت، مساء أمس السبت، عروض المسابقات الرسمية للدورة الـ25 من المهرجان الوطني للفيلم، الذي تحتضنه مدينة طنجة إلى غاية السبت المقبل، حيث كان فيلم “لن أنساك” للمخرج محمد رضا كزناي أول عمل يعرض ضمن المسابقة المخصصة للأفلام الوثائقية الطويلة.
هذا الشريط، الذي تبلغ مدته ساعة ونصف، يسلط الضوء على واحدة من الصفحات المشرقة في التاريخ العسكري المغربي، من خلال توثيق مشاركة الجنود المغاربة في حرب أكتوبر سنة 1973 على الجبهة السورية.
فكرة إنجاز الفيلم انطلقت حين عثر المخرج على تسجيل صوتي لجده، أحد أفراد التجريدة المغربية التي شاركت في الحرب، بعثه إلى عائلته يوم 8 أكتوبر 1973، أي يومين قبل اندلاع المعارك. هذا الاكتشاف دفع كزناي إلى الغوص في ذاكرة الحرب واستعادة قصص الجنود المغاربة الذين سافروا إلى سوريا دفاعا عن قضية اعتبروها قضيتهم القومية والإنسانية.
ينتقل الفيلم بين مدن مغربية مختلفة للقاء عدد من الجنود الذين شاركوا في الحرب، حيث يقدم شهادات مؤثرة عن تجاربهم في الميدان، منها من بقي مختبئا لأيام خلف خطوط العدو، وآخر لا تزال رصاصة الحرب تسكن جسده إلى اليوم، لكنه يرفض إزالتها “لتبقى شاهدا على تضحياته”.
كما يوثق العمل لمعاناة هؤلاء المحاربين بعد عودتهم إلى المغرب، بسبب ضعف معاشاتهم التقاعدية، ما دفع بعضهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام البرلمان للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية.
يحتوي “لن أنساك” على مواد أرشيفية ثمينة، بينها مقاطع من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني الذي أعلن فيه مشاركة المغرب في الحرب، وفيديو يظهر فيه الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) وهو يستقبل الجنود المغاربة العائدين من سوريا بعد سنة من الخدمة.
كما يكشف الشريط عن حادثة مثيرة تمثلت في إبلاغ السلطات السورية للمغرب بوفاة الجنود المغاربة خلال المعارك، قبل أن يتبين لاحقا أنهم أحياء، ما جعل لحظة استقبالهم في الوطن مشحونة بالمفاجأة والعاطفة.
ويشارك فيلم “لن أنساك” ضمن قائمة غنية من الأفلام الوثائقية في المهرجان، من بينها:
“آمرز” لهشام إبراهيمي، “أمازون” لسلمى لوخمسي ورشيدة سعيدي، “أمنات عيشاتة.. صوت ذو شجون” لعمر ميارة، “أرحيل” لسيدي محمد فاضل الجماني، “نساء الحصر” لمولاي خالد البومسهولي، و”النحام الوردي.. نداء الصحراء” لحسن خر، إلى جانب أعمال أخرى تبحث في الذاكرة والتاريخ والهوية المغربية.
بهذا العمل، يقدم المخرج محمد رضا كزناي تحية سينمائية مؤثرة للجنود المغاربة الذين ناضلوا خارج حدود الوطن دفاعا عن قيم العروبة والإنسانية، مستعيدا عبر الكاميرا أصواتا خفتت في الواقع، لكنها ما زالت حية في ذاكرة التاريخ.

