شروط الانتخابات الديمقراطية.

نشر في: آخر تحديث:

بقلم الأستاذ أحمد خليلي

ضجة كبيرة أحدثها غياب (أصغر) نائبة برلمانية عن القبة منذ انتخابها بعلة انشغالها بدراستها عن باقي الانشغالات الوطنية المتداولة بالغرفة، ما حدا بولي أمرها إلى الإعلان عن إنهاء المسار السياسي لفلذة كبده، ومهما يكن، فالقدر السياسي يشاء إلا أن يضعنا مرة أخرى أمام صورة تكرس ممارسات تستخف بصوت الناخب وتستهتر بالمسؤولية الوطنية، وتؤدي إلى تمييع المشهد السياسي، وتساهم في المزيد من العزوف عن العمل السياسي والحزبي.
ما يلزم التفكير من الآن في الأخذ بقرارات شجاعة تنحو إلى القطع مع ريع الأبناء ومنطق القرب العائلي في منح التزكيات الانتخابية في مستقبل المحطات المقبلة وتكريس شرعية الاستحقاق والكفاءة، فمن غير المقبول أن نستمر في خلق تجمعات عائلية بالهيآت المنتخبة فقط من أجل المحاباة وهي لا تتوفر على أية خبرة أو تكوين، مع ما ينتج عن ذلك من استنزاف للمالية العامة المسلوبة من جيوب دافعي الضرائب دون أن يكون أي مقابل لهذا السخاء.
مع الأسف جل الأحزاب السياسية تتوحد في تفشي حالات مشابهة وانحرافات بعض مسؤوليها، ما يوجب العمل على القطع معها مستقبلا لإعادة الاعتبار للعمل السياسي والحزبي واسترجاع ثقة المواطنين الذين يتحملون في النهاية عبء التمويل المرهق من جيوبهم، وبالتالي لهم الحق في معرفة صرف هذه الأموال ولماذا وبأي صيغة ؟.
فإذا كان الدستور قد منح الأحزاب مهمة تأطير المواطنين وتدبير شأنهم العام عبر منتخبيها، فللمواطن أيضا صلاحية مراقبة هذه الأحزاب ومعرفة كيفية فرز النخب التي سترهن مصير البلاد بقرارات وسياسيات عمومية، وهل هي نخب في مستوى التطلعات ومكتسبة للأهلية والكفاءة والوطنية أم هي فقط من فصيلة النخب التي تنقب عن الريع والامتيازات والغنائم.
كنا نأمل أن تسارع الحكومة إلى إخراج قانون يقطع مع الريع السياسي الذي يضرب الديمقراطية في مقتل، وأن يحدد مطلب الكفاءة والأهلية والمستوى التعليمي للمرشحين في الانتخابات التشريعية بالخصوص وأن يشترط هذا القانون التوفر على الحد المتوسط من العلم والمعرفة والتجربة حتى تتمكن هيأة البرلمان من القيام بأدوارها التشريعية بشكل جيد ومنسجم، وتساهم بالتالي في تطوير أفق إصلاحي للبلاد، فإذا بها (أي الحكومة) تستغل الظرف الوبائي الذي يتسم بانشغال الرأي العام بأزمة كورونا وأجواء الحجر الصحي من أجل تمرير مشروع قانون 22.20 الذي كان له وقع الصدمة والإحباط لدى الجميع.
حان الوقت للتصدي وإسقاط مرور “الشباب” إلى الغرفة التشريعية حتى لا يظل كسبا سياسيا، والبداية بإلغاء لائحة الشباب التي تعد ريعا سياسيا بامتياز، وكلنا يعرف أنها تقوم أساسا على القرابة العائلية أو الولاء للزعيم، ليصبح “الشاب” يتقاضى في غمضة عين تعويضات مهمة من جيوب دافعي الضرائب رغم أن الناخبين لا يعرفونه ولم يصوتوا عليه ولم يختاروه أصلا، وقد تجده لا يفرق بين قبة البرلمان وقبة الولي الصالح، سيقول قائل أن الديمقراطية تلزم تواجد الشباب، فلتقم الأحزاب إذن بتزكيتهم محل الأعيان وأصحاب الشكارة، وانتهى الأمر.
هناك انطباع اليوم في ظل الوضع السياسي القائم أن هناك مجموعة من المعوقات البنيوية على مستوى الفضاء السياسي العام وبأننا نسير من دون أفق، اعتبارا لأن السلوكات الانتهازية مازالت تراوح مكانها ولم تنتقل ديمقراطيا، فالانتخابات على الأبواب والفعل الحزبي تعرض لضربات موجعة أنهكته، والمخرج المتبقي لإنقاذ ماء الوجه في المحطة الانتخابية وتفادي عزوف مرعب وغير مسبوق هو إعلان تغيير جدري في منظومة الأحزاب بمشرفين ومسؤولين يتوفرون على الحد الأدنى من الحنكة السياسية والقبول الشعبي، فهل تفعلها اللوبيات الانتخابية المناهضة للإصلاح، وتنتصر مرة أخرى ؟…
في 16 مايو 2020.

اقرأ أيضاً: