بقلم: معاذ فاروق
إن التعليم ليس مجرد رحلة فردية يخوضها التلميذ في عزلته، بل هو سيمفونية متكاملة تحتاج إلى تضافر الأصوات وتناغم الآلات، حيث يعزف كل طرف دوره في خلق لحنٍ يُجسّد الفهم، والوعي، والارتقاء. غير أن هذه السيمفونية تظل معطوبة النغم، إن لم تتشابك فيها أيادي المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور، لتُعيد صياغة المشهد وفق مقاربة تشاركية تُزهر فيها آمال الأجيال.في أعماق ميدان التعليم، يتجلى أن المؤسسة التربوية، مهما أوتيت من عتادٍ معرفي ومنهجيات متطورة، تظل شجرة وحيدة إن لم تحظَ بجذور تربطها بتربة الأسرة. فالتعليم لا ينمو في عقول التلاميذ وحدها، بل ينساب بين جدران المدرسة ودفء المنازل، يحتاج إلى أفق تشاركي تتلاقى فيه الرؤى، حيث تُضاء الدروب بمصابيح الحكمة الجماعية.كيف يمكن للتلميذ أن يُبحر في عوالم المعرفة، إن كان شراع مدرسته لا يستعين برياح الدعم العائلي؟ وكيف للمؤسسة أن تُؤتي ثمارها، إن ظلت الأسرة بعيدة، كالغريب الذي يراقب من بعيد، دون أن تمتد يدها لتزرع وتُشارك؟ هنا تكمن أهمية المقاربة التشاركية، التي لا تكتفي بخلق قنوات تواصل، بل تُلزم الجميع بمسؤولية مشتركة، لتُصبح الأسرة والمدرسة كعيني الصقر، ترقبان وتحميان مسار التلميذ من الانحراف.المقاربة التشاركية ليست مجرد إجراء بيروقراطي أو ترف تنظيمي، بل هي فلسفة عميقة تُعيد تعريف العلاقة بين الأسرة والمدرسة. إنها دعوة لكسر الجدران التي تفصل الطرفين، وتأسيس جسور قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، حيث تُصبح المدرسة جزءًا من البيت، والبيت امتدادًا للمدرسة. هنا يتحول التعليم إلى تجربة حية، نابضة، تُغذي العقول والقلوب في آن واحد.لكن السؤال الجوهري: كيف يمكن تحقيق هذا التناغم في عالم تُثقل فيه المسؤوليات كاهل الجميع؟ الجواب يكمن في إرادة مشتركة تُلزم الأطراف بالتخلي عن التصور التقليدي لدور كل طرف. على المدرسة أن تُدرك أن دورها لا يقتصر على تقديم المعرفة، بل يمتد إلى إشراك الأسرة في صياغة التجربة التعليمية. وعلى الأسرة أن تُدرك أن التعليم ليس مجرد خدمة تُستهلك، بل شراكة تتطلب وقتًا وجهدًا ومتابعة.لنا أن نتخيل، لو أن المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور تضافروا تحت مظلة واحدة، تُوجهها روح المسؤولية المشتركة. لو أصبح كل لقاء تربوي بين المعلمين والأسر، ليس مجرد اجتماع اعتيادي، بل ورشة فكرية تتلاقى فيها الرؤى لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل. حينها، لن يكون التعليم مجرد نظام جامد، بل سيمفونية متناغمة تعزف ألحانها على مسرح الحياة.إن المقاربة التشاركية ليست مطلبًا عصريًا فحسب، بل هي نداء إنساني قديم، يُعيدنا إلى جذور الحكمة، حينما كان التعلم مسؤولية المجتمع بأسره، لا فردًا ولا مؤسسة وحيدة. ولعل أعظم نجاح يمكن أن يُكتب لتجربة تعليمية، هو أن تُصبح الأسرة والمدرسة حليفين لا غريمين، يعملان معًا لا لمجرد إنجاح التلميذ، بل لإعداده ليكون إنسانًا قادرًا على بناء غده بيدٍ من حديد وقلبٍ من نور.فلنرفع راية الشراكة، لا كاختيار، بل كضرورة وجودية، لأن التعليم الذي يُبنى على عزلة الأطراف سيظل أسير الارتجال، أما الذي ينهض على التشارك، فإنه يرتقي إلى مصاف الإبداع. وختامًا، دعونا نتذكر أن التعليم الذي يجمع بين دفء الأسرة ورصانة المؤسسة، هو التعليم الذي يصنع مجد الأمم.