إذا كان جزاء إخلال المحكم بواجب أداء المهمة هو تقديم طلب عزله لرئيس المحكمة فإن المشرع المغربي عزز التدخل القضائي من أجل الرقابة على احترام هدا الالتزام المقترن بصلاحية المحكم في قبول مهمة التحكيم بالتأكيد على رقابة قضاء الموضوع على تنفيد هدا الالتزام، مما يثار معه التساؤل حول مدى أهمية الرقابة القضائية المزدوجة إزاء هدا الالتزام؟
يأكد الفصل 6-327 من قانون 05-08 ما يلي “يجب على المحكم أن يستمر في القيام بمهمته الى نهايتها ولا يجوز له تحت طائلة دفع تعويضات أن يتخلى عنها دون سبب بعد قبولها ودلك بعد ارساله اشعارا يدكر فيه أسباب تخليه” فطبقا لهدا الفصل تترتب المسؤلية المدنية للمحكم باعتبارها منفدا للتدخل القضائي في هدا الاطار بتوافر الشروط التالية:
* ضرورة قبول المحكم القيام بالمهمة و دلك عن طريق التزام كتابي صادر عنه[1] و يتضح من خلال هدا الشرط الدي تضمنه الفصل 6-327 من قانون 05-08 أن المشرع قد تشدد نوعا ما في مسؤولية الهيئة التحكيمية كما جعلها تثور بمجرد قبولها للمهمة التحكيمية لا من تاريخ الشروع في مسطرة التحكيم كما جاء في الفصل 31 من ق.م.م قبل التعديل و هدا الاتجاه محمود سيمنع من حدوث التراجعات التعسفية التي قد تلحق أضرارا كثيرة و متنوعة في حق الخصوم[2]
* ضرورة التوقف عن أداء المهمة قبل انتهائها، فالنص جاء بصيغة العموم و بالتالي فسواء تم البدئ في الاجراءات أو قبل دلك فكل هاته المعايير تأخد بعين الاعتبار في تقدير التعويض مع قدر الخطأ و الضرر الناتح عنه
* ضرورة عدم وجود مبرر مشروع يسمح للهيئة التحكيمية بالتخلي عن مهمتها لكن المشرع لم يجعل هدا الشرط كافيا الا ادا اقترن باشعار الأطراف بهدا السبب بأي طريقة من طرق التبليغ المعتد بها قانونا
أما بخصوص الجهة القضائية المخول لها النظر في هدا الاطار هو القضاء المدني وفق قواعد المسؤولية العقدية نظرا لكون العقد الدي يربط بين المحكم و الأطراف و هو عقد الشروع في المهمة التحكيمية فهو ملزم لجانيين و لا يمكن انهائه بارادة منفردة من قبل المحكم بدون سبب مشرع وعلى هدا الأساس تشدد المشرع في مسؤلية المحكم المدنية.
و فيما يخص الضرر الاحق بالأطراف فانه ادا كان المتسبب في الضرر هو أحد المحكمين [3]فلا اشكال في الرجوع عليه بالتعويض بمفرده أما ادا تعددوا فانهم يكونو مسؤولين بالتضامن و مصدر تضامنهم هو طبيعة التزامهم حيث التزمو جميعا للقيام بعمل مشترك و هو الفصل في النزاع الدي عرض عليهم [4] ما دام لم يكن هناك اتفاق يجعلهم غير مسؤولين بالتضامن، فيكون للمتضرر أن يرجع عليهم مجتمعين أو منفردين وفق القواعد العامة في التضامن بين المدينين الواردة في الباب الرابع من قانون الالتزامات و العقود حيث ينص ” التضامن بين المدينين لا يفترض و يلزم أن ينتج طرحه عن السند المشئ للالتزام أو من القانون أو يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة “
اضافة للتدخل القضائي بموجب المؤولية المدنية التي أقرها الفصل 6-327 المحدد لصلاحية قبول مهمة التحكيم و قواعد صحتها فقد أسس المسرع المغربي لرقابة القضاء الجنائي على التزام المحكم بواجب احترام السر المهني الناشئ عن نص المادة 326 من قانون 05-08 ومن جهة أخرى المتفرع عن عقد الشروع في المهمة التحكيمية المنصوص عليه في الفصل المنظم لصلاحية قبول مهمة التحكيم.
و يعود التزام المحكم باحترام السرية الى عقد التحكيم و عقد الشروع في المهمة التحكيمية بعدم افشاء أسرار الأطراف – ما لم يتم الاتفاق على خلاف دلك – لدا فان هدا الاتزام يكون دو طبيعة تعاقدية بالاساس و ان كان يبتدأ قبل التوقيع على هدا العقد ليسري حتى بعد صدور المقرر التحكيمي و في هدا السياق تعرض المشرع المغربي بموجب الفصل أصلاه الى مسؤولية المحكم الدي أفشى سره المهني الا أنه تناول هده المسؤولية من الناحية الجنائية فقط و مع دلك فلا يوجد ما يمنع من ترتيبها حتى على المستوى المدني تطبيقا للقواعد العامة المنظمة للمسؤولية العقدية[6]
و برجوعنا للفصل 446 من القانون الجنائي نجده يأكد ” ..وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة ادا أفشى سرا أودع لديه و دلك في غير الأحوال التي يجيزها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه يعاقب بالحبس من شهر الى ستة أشهر و غرامة من ألف و مائتين الى عشرين ألف درهم .. ” و من خلال هدا الفصل نجد أن المشرع المغربي متشدد الى حد ما في الرقابة على صلاحية الهيئة التحكيمية في قبول مهمة التحكيم حيث تكون في حال اخلالها بقواعد القانونية و الاتفاقية المحددة لقبولها لمهمة التحكيم خاضعة للمسؤولية الجنائية و كدا المدنية فاتحة بدلك الباب لقضاء الموضوع لبسط رقابته عليها و على قضاء التحكيم
[1] يقصد به حسب الفصل 6-327 من قانون 05-08 ” .. كتابة بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على الشروع في القيام بالمهمة …. ”
[2] ناصر بلعيد. “وضعية الهيئة التحكيمية في التشريع المغربي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص . جامعة محمد الخامس – السوسي- كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية . سلا..هامش رقم 1 ص 152
[3] ان قيام خطأ المحكم نتيجة تقصيره القانوني الدي يبب لأحد الأطراف أو لمركز التحكيم التابع له أو للغير ضررا ماديا كان أو معنويا فسيؤدي الى ترتيب المسؤولية في حقه و في هدا الصدد يرى بعض الفقه أنه لا يمكن تقرير هده الأخيرة استنادا الى معيار الشخص العادي و انما يتم دلك باعتماد معيار الشخص المهني المحترف لان طبيعة مهمته تقتضي التشديد عليه بحيث ان كل اهمال يعد خطأ بسيطا بالنسبة للشخص العادي بينما يعتبر خطأ جيسما بالنسبة للمهني
يراجع في هدا الشأن ناصر بلعيد .م.س.ص 148
د. حسن عامر . المسؤولية المدنية التقصيرية و العقدية. الطبعة الثانية 1989ص 193
[4] تجدر الاشارة أن الفصل 6-327 الدي يكأد مسؤولية المحكم المدنية في حال اخلاله بالاستمرار في المهمة بدون سبب جدي لا يعد من النظام العام و بالتالي ادا ورد في عقد الشروع في المهمة التحكيمية شرط يعفي المحكم من المسؤولية المدنية فلا يترتب عن عدوله أي جزاء مدني في هدا الاطار
[5] ناصر بلعيد.م.س.ص 154