إعداد: حكيمة خالص- خبيرة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة وتزايد التحديات التي تواجه الفاعلين الاقتصاديين، برزت المقاولة التعاونية كأحد الحلول الفعالة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فهي لا تقتصر على تحقيق الربح فقط، بل تمتد إلى خلق فرص الشغل، ومحاربة الفقر، وتعزيز التضامن الاجتماعي، وتوفير خدمات ومنتجات بأسعار معقولة،
ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب من التعاونيات العمل بشكل أكثر تنظيما واندماجا، حيث أصبح التنسيق بين التعاونيات، وإنشاء اتحادات قوية، وتطوير آليات التسويق والإنتاج، ضرورة حتمية لضمان النجاح والاستدامة ، فكيف يمكن للمقاولات للتعاونيات أن تعزز تنافسيتها في ظل المنافسة المتزايدة؟ وما هي العوائق التي تواجهها؟ وما الحلول العملية التي يمكن أن تساعدها على تحقيق التنمية المستدامة؟
أهمية التعاونيات في الاقتصاد الوطني:
تلعب التعاونيات دورًا مهمًا في الاقتصاد الوطني من خلال:
- خلق فرص عمل مستدامة:تعتبر التعاونيات وسيلة لخلق الشغل، خاصة في المناطق القروية والمهمشة، حيث تساهم في تحسين مستوى معيشة السكان.
- تحفيز ريادة الأعمال الجماعية: توفر التعاونيات إطارًا قانونيًا وتنظيميًا يسمح للأفراد بتجميع مواردهم ومهاراتهم من أجل تحقيق أهداف اقتصادية مشتركة.
- تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني : تساهم في تقليل الفوارق الاجتماعية وتعزز من قيم التعاون والتضامن بين الأفراد.
- تحسين سلاسل الإنتاج والتوزيع : توفر التعاونيات فرصة للمزارعين والحرفيين والصناع التقليديين للوصول إلى الأسواق وتحسين عائداتهم.
ورغم هذه الفوائد، تواجه التعاونيات العديد من التحديات التي تعيق تطورها وتعزز من هشاشتها، مما يجعل الحاجة إلى هيكلة قوية وتعزيز التعاون بين التعاونيات أمرًا ضروريا.
التحديات التي تواجه التعاونيات
رغم مساهمتها الكبيرة في التنمية الاقتصادية، إلا أن التعاونيات تعاني من عدد من التحديات التي تعرقل تطورها، ومن بينها:
- ضعف الهيكلة والتنظيم:
- العديد من التعاونيات تفتقر إلى تنظيم إداري ومالي قوي، مما يؤثر على استمراريتها وفعاليتها.
- غياب استراتيجيات واضحة للحكامة واتخاذ القرارات.
- ضعف القدرة التنافسية:
- تواجه التعاونيات صعوبة في التسويق والمنافسة مع المقاولات الكبرى بسبب قلة الموارد وضعف الخبرة التسويقية.
- غياب الابتكار في المنتجات والخدمات، مما يجعلها أقل جاذبية للمستهلكين.
- صعوبة الولوج إلى التمويل والدعم:
- ضعف القدرة على الحصول على التمويل سواء من البنوك أو من البرامج الحكومية.
- غياب تكوينات كافية في مجال التدبير المالي والمحاسبي.
- مشاكل في التسويق والتوزيع:
- غياب استراتيجيات تسويقية ناجحة للوصول إلى الأسواق الوطنية والدولية.
- الاعتماد على قنوات توزيع تقليدية لا تستجيب لمتطلبات السوق الحديثة.
- ضعف التأطير والتكوين:
- قلة البرامج التكوينية التي تساعد التعاونيات على تطوير مهاراتها في الإدارة، والتسويق، والاستراتيجية المالية.
- نقص الوعي بأهمية التكوين المستمر في تحسين الأداء وتحقيق النمو.
الحلول الممكنة لتعزيز تنافسية التعاونيات:
لمواجهة هذه التحديات، يجب اتخاذ إجراءات عملية لتعزيز تنافسية التعاونيات وضمان استدامتها. ومن بين الحلول الممكنة:
- تحسين الهيكلة والتنظيم الداخلي:
- تعزيز “الحكامة الجيدة” داخل التعاونيات، من خلال وضع أنظمة إدارية ومالية واضحة، وضمان الشفافية في اتخاذ القرارات
- إنشاء اتحادات ومقاولات تعاونية قوية،تعمل على تأطير التعاونيات الصغيرة ودعمها من خلال تبادل الخبرات والموارد.
- توفير دورات تدريبية حول “الإدارة المالية، وإعداد الخطط الاستراتيجية، وتنظيم العمل الجماعي”
- تعزيز القدرة التنافسية من خلال الابتكار والتسويق:
- تشجيع التعاونيات على “الاستثمار في البحث والتطوير” ،والابتكار في المنتجات والخدمات لتلبية احتياجات السوق.
- استغلال التكنولوجيا الحديثة: مثل التجارة الإلكترونية، والتسويق الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى أسواق جديدة.
- تحسين جودة المنتجات والخدمات ،والحصول على شهادات الجودة التي تزيد من ثقة المستهلكين.
- تسهيل الولوج إلى التمويل والدعم:
- وضع برامج حكومية وبنكية لتسهيل تمويل المشاريع التعاونية بفوائد منخفضة،
- إنشاء صناديق دعم خاصة بالتعاونيات توفر مساعدات مالية وتكوينات متخصصة في تدبير القروض والاستثمارات.
- تشجيع التعاونيات على إقامة شراكات مع القطاع الخاص لتعزيز التمويل والاستفادة من الخبرات التقنية والتسويقية.
- تطوير استراتيجيات تسويقية فعالة:
- إحداث منصات رقمية للبيع المباشر،تمكن التعاونيات من الوصول إلى الزبائن دون الحاجة إلى وسطاء.
- المشاركة في المعارض الوطنية والدولية للترويج للمنتجات وزيادة الوعي بالعلامة التجارية التعاونية.
- خلق تعاون بين التعاونيات نفسها لتبادل قنوات التوزيع والتسويق المشترك،
- تعزيز التكوين والتأطير:
- إطلاق برامج تكوينية دورية في مجالات الإدارة، والتسويق، والجودة، والتكنولوجيا الحديثة،
- خلق شراكات مع الجامعات والمعاهد التقنية لتوفير تكوين أكاديمي متخصص في “إدارة التعاونيات”
- تنظيم ورشات عمل مستمرة لتبادل الخبرات بين التعاونيات الناجحة والتعاونيات الناشئة.
تشكل المقاولة التعاونية أحد الركائز الأساسية في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ولضمان استدامتها وتعزيز دورها في التنمية، يجب التركيز على “تحسين الهيكلة” ، وتعزيز القدرة التنافسية، وتطوير آليات التسويق، وتوفير التمويل الكافي، وتعزيز التكوين والتأطير،
إن العمل التعاوني الناجح لا يقتصر فقط على تأسيس تعاونية، بل يتطلب رؤية استراتيجية، وتخطيطا محكما وتعاونا مستمرا بين مختلف الفاعلين، لضمان مستقبل أكثر ازدهارا لهذا القطاع الحيوي.