الرئيسية أخبار وطنية دور الأمن الوطني في ترسيخ دولة القانون بالمغرب.

دور الأمن الوطني في ترسيخ دولة القانون بالمغرب.

IMG 20250515 WA0084
كتبه كتب في 15 مايو، 2025 - 10:27 مساءً

الدكتور المصطفى قاسمي/ استاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية

تُعد دولة القانون أحد الأعمدة الأساسية في التنظيم الديمقراطي الحديث، حيث تُخضع جميع السلطات لمبدأ المشروعية القانونية، وتُربط المسؤوليات بالمحاسبة، وتُصان الحقوق والحريات بواسطة القانون. وفي هذا السياق، يلعب الأمن الوطني المغربي دورًا محوريًا في ترسيخ دولة القانون، من خلال المزاوجة بين إنفاذ القانون واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين، في ظل التحولات الدستورية والمؤسساتية التي عرفها المغرب، خاصة بعد دستور 2011.

اولاً: التأصيل الدستوري والقانوني للدور الأمني في دولة القانون

  • ينص الفصل 6 من دستور 2011 على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصًا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، ملزمون بالامتثال له.
  • كما يُلزم الفصل 31 الدولة ومؤسساتها، ومنها جهاز الأمن، بـتأمين الحريات الفردية والجماعية وضمان كرامة المواطنين.
  • تزايد إدراج مبادئ مثل الشرعية القانونية، المحاكمة العادلة، عدم التعسف في استعمال السلطة، في القوانين المنظمة للعمل الأمني.

تانيا : المساهمة العملية للأمن الوطني في تعزيز دولة القانون

أ. ضمان احترام القانون وتطبيقه بفعالية
• تنفيذ الأحكام القضائية، وإنفاذ أوامر النيابة العامة وفق ضوابط قانونية.
• محاربة الجريمة بمختلف أشكالها، ما يسهم في حماية النظام العام وسيادة القانون.
• مراقبة الفضاءات العمومية وتنظيم التظاهرات في إطار ما يكفله قانون الحريات العامة.

ب. محاربة التجاوزات داخل الجهاز
• وجود آليات تأديبية ومفتشيات داخلية لرصد أي تجاوز لسلطة الأمن الوطني.
• تزايد عدد الحالات التي أحيل فيها رجال أمن على التحقيق أو التأديب لخرقهم القانون.
• التعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والنيابة العامة في قضايا التعسف أو سوء المعاملة.

ج. تكوين عناصر الأمن في مجال الحقوق والحريات
• إدماج وحدات دراسية حول القانون الدستوري، القانون الجنائي، حقوق الإنسان في التكوين الأساسي والتكوين المستمر.
• تنظيم دورات تكوينية بالشراكة مع الهيئات القضائية والحقوقية لترسيخ ثقافة دولة القانون داخل الجهاز الأمني.

ثالثا : الأمن كمؤسسة تحت رقابة القانون

أ. الرقابة القضائية
• يمكن الطعن في تصرفات رجال الأمن أمام القضاء الإداري أو الجنائي.
• يساهم القضاء في ضبط العلاقة بين السلطة الأمنية وحقوق الأفراد.

ب. الرقابة البرلمانية
• يخضع عمل الأمن الوطني لمساءلة ضمنية عبر وزارة الداخلية أمام البرلمان.
• تدخل تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية ضمن أدوات التقييم غير المباشر.

ج. الرقابة المجتمعية والإعلامية
• تطور المجتمع المدني وحرية الصحافة جعلا من المؤسسة الأمنية فاعلًا يخضع لتقييم مستمر من قبل الرأي العام.
• وجود قنوات للتظلم (كخدمة “أنا حارس أمن” أو التبليغ الرقمي عن التجاوزات) ضمن سياسة القرب والانفتاح.

رابعاً : تحديات ترسيخ دولة القانون في العمل الأمني.

  • التوتر الهيكلي بين متطلبات حفظ الأمن ومتطلبات احترام الحريات.
  • مقاومة بعض العقليات الأمنية التقليدية لمقاربة “الأمن في خدمة المواطن”.
  • الحاجة المستمرة لتحديث الترسانة القانونية وتكييفها مع المعايير الدولية.
  • التأثير السلبي أحيانًا لبعض الضغوط الاجتماعية أو السياسية على استقلالية تدخلات الأمن.

خامسا : أثر أدوار الأمن الوطني على ترسيخ دولة القانون.

  • دعم الثقة في المؤسسات من خلال تجويد العلاقة بين المواطن ورجل الأمن.
  • تقليص مظاهر الشطط والانفلات، ما يعزز المشروعية القانونية للتدخل الأمني.
  • المساهمة في استقرار النظام الديمقراطي، باعتبار أن الأمن هو الضامن الأول لسلامة النظام العام في ظل احترام القانون.

خاتمة

يُعد جهاز الأمن الوطني فاعلاً رئيسيًا في بناء دولة القانون، ليس فقط بوصفه أداة لتنفيذ القانون، بل أيضًا كجهاز مؤسساتي مطالب بالتقيد الصارم بالقانون، واحترام الحقوق، والانفتاح على الرقابة المجتمعية والمؤسساتية. وإذا كانت الطريق نحو الأمن المواطناتي ما تزال تحتاج إلى ترسيخ ثقافي وقانوني ومؤسساتي، فإن ما تحقق من تحولات يبرز تقدمًا في هذا المسار نحو أمن دستوري خاضع للمشروعية القانونية.

مشاركة