وصف خالد خلقي برائد المحكمة الرقمية، لم يكن تضخيما أو مجاملة، بل حقيقة ساطعة لا يمكن إخفاؤها بغربال النكران وضعف الذاكرة، حقيقة أظهرت كفاءة مسؤول قضائي متمرس بلور رؤية وتوجيهات القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بالمبادرة إلى ترجمة عدد من الأفكار غير المسبوقة لتحويل المحاكم التي يتولى رئاستها إلى مؤسسات قضائيـة نموذجية.
ومن خلال زيارة ميدانية لفضاءات وأروقة المحكمة الابتدائية بالرباط، يشد انتباه المرتفقين تميزها عن غيرها، بتطبيق استراتيجية التدبير الإلكتروني للعمل القضائي، الذي لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة مجهودات جبارة ظهرت بعد تولي خالد خلقي رئاسة الصرح القضائي للعاصمة الإدارية، وهي المرحلة التي شهدت مبادرات تم فيها إيلاء الأهمية لتوفير بيئة عمل فعالة وشفافة، قوامها الرقمنة وتجويد خدمة مرتفقي المحكمة.

وتشكل المحكمة الابتدائية بالرباط نموذجا يحتدى، من خلال اعتمادها على التقنيات الحديثة في العمل وتكريس المحكمة الرقمية بما يتماشى مع تطورات العصر، ووفق مضمون يعكس تجاوب مسؤول قضائي ذو خبرة طويلة مع أهمية استكمال إصلاح القضاء بشكل كامل، طبقا لتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة.
وفي هذا الإطار بذل خالد خلقي رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط مجهودات جبارة سعيا إلى تحسين أداء المحكمة، والتقليل من بطئ خدماتها، حيث تفتقت عبقريته في تسريع وتيرة رقمنة المساطر الداخلية قصد توثيـق إجراءاتها ونشر المقـررات القضائيـة لإضفـاء الشفافية عليها وإحداث منصة رقمية قضائية توفر لكل مواطن خدمة قضائية فعالة سريعة وعن قرب، بما في ذلك التبليغ الإلكتروني.

ونهلا من تجربته التي تركت بصمتها الإيجابية بالمحكمة الابتدائية لسيدي بنور والمحكمة الابتدائية للمحمدية، باعتباره أول من اهتم بورش الرقمنة بالمحاكم الابتدائية، رابط خالد خلقي بالمحكمة الابتدائية بالرباط، بعد نيله الثقة المولوية لترؤس ابتدائية العاصمة الإدارية للمملكة لمواصلة شغفه بالرقمنة، وهذه المرة عبر أسلوب متجدد ومتطور يساير تطورات وتحديات العصر ويواكب أوراش المغرب الرقمي، حيث حرص على عقد اجتماعات مكثفة بأطر فضاء العدالة وكافة الموظفين والمستخدمين لتنزيل برنامج يطور قدرات المحكمة الابتدائية بالرباط ويجود خدماتها، من خلال مراقبة تضمين وتحيين المعطيات معلوماتيا، وإحصاء القضايا وترشيد منهجيتها، وكل ما يتعلق بكيف الحكم وكمه وتحريره وطبعه وتوقيعه وتوجيهه لمحكمة الاستئناف، والتتبع الدقيق والصارم للتبليغ، كما لم ينفك عن عقد اجتماعات رئاسية بشكل منتظم لتدارس الحصيلة وتقييمها، لضمان عدالة سريعة ومنصفة وفعالة تخدم مصالح المتقاضين وتعيد الثقة في القضاء.
ولأن هوسه بمشروع الرقمنة يعود لسعيه الدؤوب نحو تحقيق النجاعة القضائية، حرص خالد خلقي أينما حل وارتحل على التفاصيل الدقيقة لإنجاح دور المكاتب الأمامية بالمحاكم الابتدائية التي يتولى رئاستها، ففي ابتدائية الرباط، جعل منها محكمة مصغرة، يتم اختزالها إلكترونيا في مكتب واحد يقسم إلى عدة شبابيك.

وتعنى هذه المكاتب باستقبال وتوجيه المتقاضين والمرتفقين وتقديم معلومات عن الملف في إبانه، وإحصاء الزوار وإعداد قاعدة بيانات من هؤلاء المرتفقين حتى يتسنى استغلالها في التطهير والقضاء على الفضوليين والسماسرة.
ومن الخدمات التي تقدمها المكاتب الأمامية، الخدمة عبر الشبكة العنكبوتية، كما قسمت هذه المكاتب الأمامية إلى عدة شبابيك.
ومن أجل تسريع وتيرة قضاء مصالح المحامين والمرتفقين، تم تخصيص أربعة شبابيك لإيداع الرسوم القضائية، اثنان خاصان بالمحامين وآخران خاصان بالعموم.
ومن مميزات مكاتب الواجهة التي اعتمدتها ابتدائية الرباط بتوجيهات وإشراف من خالد خلقي، فتح الملفات إلكترونيا، إذ تقدم المقالات بعد استخلاصها وتستخرج عبر النظام المعلوماتي الآلي، بل إن الاستدعاء يخرج آليا ويتم تعيين المقرر.
ومن الخدمات التي تكشف مستوى جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين بالمحكمة الابتدائية بالرباط، تضمن الورقة التي يتم استخراجها في النظام الآلي، رقم هاتف محكمة الرباط والموقع الإلكتروني الخاص بها، وهو ما يجعل المرتفق في غنى عن القدوم مرة أخرى إلى المحكمة.
وفي ما يخص باقي المكاتب الخلفية خصصته المحكمة لبعض الأمور الدقيقة جدا.
ورغم اعتباره قامة قضائية ذات كفاءة ومسار حافل بالإنجازات، إلا أن تميزه بالتواضع والإنصات، جعل منه مسؤولا حكيما يحرص على الاجتهاد دون الخروج عن مضامين المخطط الاستراتيجي للسلطة القضائية في ما يتعلق برقمنة المساطر والإجراءات والخدمات القضائية، وهو التميز الذي مكنه من تحقيق نتائج مشرفة تركت أثرها المباشر في تعزيز الشفافية والولوج إلى المعلومة والتحكم في الآجال والقضاء على المخلف والبطء في التقاضي والرفع من جودة الاجتهاد وتحقيق الأمن القضائي، وتيسير إجراءات الولوج إلى العدالة وتقريب الإدارة القضائية من المواطنين بشكل شفاف يروم كسب وتعزيز ثقة المتقاضين بمرفق العدالة.

وينظر للمحكمة الابتدائية بالرباط كنموذج مشرف، باعتبارها محكمة استثنائية ببلادنا نظير نوعية بعض المهام التي أنيطت بها من الناحية القانونية، أو اعتمادا على نوعية فضائها الذي يعد معلمة وصرح قضائي يستحق الإشادة والافتخار به، دون نسيان المكانة التي أضحت تحتلها هذه المحكمة من حيث تنزيل مجموعة من التجارب التي تهم مجال التدبير الحديث من زاوية التطبيقات المعتمدة أو التي في طور التجربة، إضافة إلى بعض الإجراءات ذات الصلة باحترام الزمن القضائي للملف القضائي (الآجال الاسترشادية) والتي تم اعتمادها بهذه المحكمة كأولى المحاكم النموذجية بالمملكة، إضافة إلى هيكلة المكاتب والشعب التي تتوفر عليها اعتمادا على مقتضيات المادة 22 من التنظيم القضائي.
وفي سياق الممارسات الفضلى التي تم اعتمادها في التدبير، سايرت المحكمة الابتدائية بالرباط برئاسة خالد خلقي،كافة التوجيهات التي تم إقرارها من طرف المجلس، وذلك باحترام الدوريات والمناشير الصادرة عن فضيلة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا الأمين العام للمجلس.
وفرض منطق التدبير وأساليبه بشكل أساسي على كل مسؤول قضائي تسطير آلية التواصل والتنسيق مع الموارد البشرية المتوفرة بالإدارة القضائية سواء أكانوا أطرا قضائية أمإدارية، وخلق سبل لفرض الرقابة على عملهم بشكل يومي، أسبوعي وشهري، يتمثل في عقد اجتماعات جماعية أو فردية بشكل مستمر وكلما أدعت الضرورة ذلك، وهي الأمور التي لم يحد عنها خالد خلقي رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط.

وفي هذا الإطار برزت عملية التدبير الالكتروني المعتمدة كممارسة فضلى بالمحكمة الابتدائية بالرباط، إذ للتغلب على الإكراهات التي واجهت المحكمة الابتدائية بالعاصمة الإداريةخلال مرحلة ترقيم الملفات القضائية الجديدة، وما نتج عنه من حدوث أرقام شاغرة أثرت على إحصاء النشاط القضائي اليومي ثم الشهري، حيث كانت هذه المحكمة سباقة إلى اعتماد آلية الترقيم التلقائي للملفات الجديدة، الشيء الذي انعكس إيجابا على طبيعة العمل وخلو السجل الإحصائي لتلك الملفات المسجلة من أرقام شاغرة.
واستمر الاشتغال على هذا النمط التقني بتتبع وإشراف الأمانة العامة للمجلس في شخص الأمين العام للمجلس، وبقيت المحكمة الابتدائية بالرباط على هذا المنوال إلى أن تم الربط بين تطبيقية صناديق المحاكم وتطبيقية ساج2 مدني والتي أولت لها هذه المحكمة الاهتمام في التتبع والمواكبة مباشرة بعد تنزيلها، حيث تهدف هذه الآلية إلى الضبط والتحقق من ترقيم الملف القضائي بصفة مباشرة من قبل المحاسب إبان قيامه بعملية استيفاء الرسم القضائي وبشكل لا يدعو إلى الارتباك أو الخلل في الترقيم ودون حدوث أرقام شاغرة قد تربك المسار المشار إليه أعلاه.
وفي ما يخص مسألة تعيين القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية، دأبت المحكمة الابتدائية بالرباط على تنزيل مبدأ توزين الملفات القضائية، انطلاقا من نوعيتها وكمها وعدد القضاة الذين تتوفر عليهم هذه المحكمة، ورافق ذلك الوضع، تعيين إحدى أطر كتابة الضبط الذين يتوفرون على تكوين علمي وحس أخلاقي لتدبير هذا العمل بشكل يتيح مجال التتبع والمواكبة للمسؤول القضائي بطريقة سلسلة، ودون تكليفه أي جهد مقابل ما يقوم به من عمل إداري وقضائي خلال اليوم.
وسعى الرئيس خلقي إلى تحقيق التوازن بين كافة القضاة خلال تدبير هذه العملية، وحتى يتمكن من مراقبة مدى احترام المعايير المعتمدة في التعيين، حيث يتم مده خلال نهاية كل يوم بإحصاء بعدد الملفات الجديدة، إلى جانب اطلاعه على تلك الملفات ورقيا قصد توقيع مقرر تعيين القاضي المقرر أو المكلف بالقضية.
أما تدبير ملف التبليغ القضائي في ظل تحديات الكم الهائل من الملفات التي يتم فتحها خلال اليوم بالمحكمة الابتدائية بالرباط والمتعلقة بتبليغ مقررات قضائية سواء صادرة عن نفس المحكمة أو محاكم أخرى (أي ملفات موضوع إنابة) أو محكمة درجة ثانية، تقرر تفعيل كافة الرموز القضائية المتعلقة بهذا النوع من الملفات تيسيرا للتتبع والمراقبة، وكذا تسهيلا للقيام بعمليات الإحصاء اليومية أو الشهرية. وتحقق هذا النموذج الناجح بإشراف ومواكبة مدراء الأقطاب بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، دون إغفالتقديم آليات التدبير المعتمدة، سيما في شقها المتعلق بتاريخ توصل المفوضين القضائيين بطيات التبليغ وتاريخ إنجازهم لتلك المهمة، والكل يتم تضمينه بالتطبيقية المعدة لهذه الغاية.
وموازاة مع مشاريع رقمنة المحاكم التي أصبح له فيها باع طويل، والاجتهاد الذي رافق تنفيذ إستراتيجية التدبير الالكتروني للعمل القضائي، حرص خالد خلقي رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط، في الوقت نفسه على التشديد في إرساء قيم ومبادئ وأخلاقيات مهنة القضاء والتجاوب مع انتظارات المرتفقين تطبيقا لشعار “القضاء في خدمة المواطن“.

