العيون – د. صلاح الدين أركيبي
في مبادرة استثنائية تعكس عمق العلاقة بين مؤسسات الدولة والنخبة الثقافية، وجّه السيد عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، رسالة تقدير وامتنان إلى الشاعر محمد السويح، أحد أبرز أعلام الشعر الحساني ومن رموز الإبداع الوطني بالصحراء المغربية.
وتأتي هذه الرسالة في سياق وطني دالّ، لا يُمكن قراءتها من زاوية بروتوكولية، بل باعتبارها مؤشرًا على تحوّل نوعي في فلسفة المؤسسات الأمنية، التي لم تعُد تنظر إلى الثقافة باعتبارها هامشًا، بل شريكًا أساسيًا في صون الهوية وتعزيز الانتماء.
السويح.. شاعر الصحراء وصوتها الوطني
محمد السويح ليس فقط شاعرًا مرموقًا، بل هو ذاكرة حية تنبض بالصحراء المغربية، حملها في قصائده كما تُحمل الأمانة، وجعل من الحسّانية لغة مقاومة وطنيّة، تواجه الحملات الدعائية وتُعلي راية المغرب من أقصى جنوبه إلى شماله.
لقد كتب السويح القصيدة كمن يكتب المرافعة، بصوت نابع من عمق البوادي، بإيمان المثقف وصدق المقاوم، وهو ما جعل حضوره الأدبي والثقافي متجاوزًا للأقاليم إلى الوطن بأكمله.
رسالة الحموشي… تكريم للكلمة وللهوية
رسالة الحموشي إلى الشاعر السويح ليست مجرّد خطاب شكر، بل إعلان واضح عن انخراط مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الأمن الوطني، في رؤية شمولية تعتبر الثقافة أحد ركائز الاستقرار وبناء الثقة الجماعية. فهي تعبير عن إدراك عميق بأن الكلمة الملتزمة يمكن أن تكون في صميم المعركة من أجل الوحدة الترابية، وأن الشاعر ليس فقط صوت الجمال، بل أيضًا صوت الوطن.
الثقافة في خدمة الأرض
ما كتبه السويح على مدى سنوات لم يكن فقط شعراً، بل خطابًا وطنيًا بلبوس جمالي راقٍ، قدّم فيه دفاعًا راسخًا عن الهوية والانتماء، بلغة تُقنع وتُلامس الوجدان، وترسّخ في الأذهان أن الدفاع عن الأرض لا يتم فقط بالسلاح، بل كذلك بالمعنى والذاكرة.
الحموشي.. رجل دولة يُنصت للكلمة ويحتفي بالرمز
في هذا السياق، يظهر عبد اللطيف الحموشي كوجه بارز لمفهوم جديد للقيادة الأمنية، يقوم على حسن التدبير وربط الجسور مع مختلف مكوّنات المجتمع، بما فيها النخب الثقافية والفنية. فهو رجل دولة يؤمن بأن الأمن لا يبدأ من السلاح، بل من الإيمان العميق بعدالة القضية، ومن الإصغاء لنبض الوطن، كما يعبّر عنه مثقّفوه وشعراؤه.
خاتمة: عندما تُخاطب المؤسسة الأمنية الشعر
إن رسالة الحموشي إلى الشاعر محمد السويح تمثل لحظة مفصلية، تؤكد أن المؤسسة الأمنية المغربية لا تحمي الوطن فقط باليقظة الأمنية، بل أيضًا بالاحتفاء بالقصيدة، والمخيال، والثقافة.
تكريم السويح هو تكريم لثقافة بأكملها، ولرؤية تؤمن أن الصحراء جزء لا يتجزأ من الوطن، وأن الدفاع عنها واجب جماعي، تشترك فيه السياسة، والأمن، والفن، والشعر… دون تردّد، ولا مجاملة، ولا شروط.
