الرئيسية آراء وأقلام حوادث الاختناق بغاز البوتان في المغرب: بين الإهمال والمسؤولية، من يتحمل الثمن؟

حوادث الاختناق بغاز البوتان في المغرب: بين الإهمال والمسؤولية، من يتحمل الثمن؟

IMG 20250303 WA0004
كتبه كتب في 3 مارس، 2025 - 12:54 صباحًا

مقدمة

في الأسابيع الأخيرة، شهد المغرب تكرارًا مأساويًا لحوادث الاختناق بغاز البوتان، مما أدى إلى وفيات صادمة في مختلف المدن. هذه الحوادث التي غالبًا ما تكون مرتبطة بسخانات الماء الغازية “الشُّوفُو”، تطرح تساؤلات ملحة:
• لماذا تتكرر هذه الحوادث بشكل مستمر؟
• هل السبب يعود إلى الإهمال الفردي أم ضعف معايير السلامة؟
• إلى أي مدى تلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية دورًا في تفاقم هذه الظاهرة؟
• وما هي الحلول العملية التي يمكن اعتمادها لتجنب المزيد من الضحايا؟

لفهم أعمق لهذه المعضلة، لا بد من تحليل الظاهرة من مختلف الزوايا، بدءًا من الأسباب التقنية وصولًا إلى المسؤولية الجماعية وسبل الوقاية الممكنة.

  1. الجانب الاقتصادي والاجتماعي

تلعب الظروف الاقتصادية الصعبة دورًا في تفاقم المشكلة، حيث تدفع الأوضاع المعيشية بعض الأسر إلى اتخاذ قرارات قد تعرض حياتهم للخطر. ومن أبرز العوامل:
• اقتناء أجهزة غير آمنة: بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، يضطر البعض إلى شراء سخانات رخيصة أو مستعملة، حتى وإن لم تكن تستوفي معايير السلامة.
• التدفئة غير الآمنة: مع ارتفاع أسعار الكهرباء، يعتمد البعض على سخانات الماء الغازية لتدفئة المنازل، مما يزيد من احتمالية التسمم بأول أكسيد الكربون.
• التوتر والانشغال الذهني: الضغوط الاقتصادية تجعل الأفراد أقل انتباهًا عند تشغيل الأجهزة، مما قد يؤدي إلى إهمال إجراءات السلامة الأساسية، مثل التهوية أو إطفاء الجهاز بعد الاستخدام.

  1. نقص الوعي والثقافة الوقائية

يُعتبر الوعي الوقائي من العوامل الحاسمة في تفادي الحوادث، إلا أن الواقع يشير إلى غياب الثقافة الكافية حول مخاطر سخانات الغاز وطرق الوقاية. ومن أبرز مظاهر ذلك:
• ضعف حملات التوعية: لا تزال السلامة المنزلية غير أولوية في الإعلام أو البرامج التوعوية، ما يجعل العديد من المواطنين يجهلون القواعد الأساسية لاستخدام سخانات الغاز.
• قلة انتشار أجهزة كشف الغاز: رغم توفر كاشفات أول أكسيد الكربون في الأسواق، إلا أنها ليست منتشرة بسبب ارتفاع أسعارها أو نقص الوعي بأهميتها.
• غياب الإجراءات الاحترازية: العديد من الأسر لا تتبع خطوات بسيطة مثل ترك النوافذ مفتوحة أثناء تشغيل السخان، مما يزيد من خطر التعرض للاختناق.

4. مسؤولية الجهات المختصة

لا يمكن تحميل المسؤولية على الأفراد فقط، إذ أن الجهات المختصة تتحمل دورًا كبيرًا في الحد من هذه الظاهرة من خلال:
• تشديد الرقابة على جودة الأجهزة: لا تزال بعض الأجهزة المتوفرة في الأسواق غير مطابقة لمعايير السلامة، مما يجعلها مصدر خطر داخل المنازل.
• إلزامية إجراءات الوقاية: في بعض الدول، يتم منع تركيب سخانات الغاز داخل الحمامات المغلقة دون تهوية مناسبة، بينما في المغرب لا تزال هذه الظاهرة منتشرة دون رقابة كافية.
• إطلاق حملات توعية مكثفة: يجب على الجهات المسؤولة تنظيم حملات توعية وطنية عبر وسائل الإعلام والمدارس والمجتمعات السكنية، لتعريف المواطنين بالمخاطر وطرق الوقاية.
الحلول المقترحة

للحد من هذه الحوادث، يجب اعتماد إجراءات وقائية صارمة تشمل:
1. تحسين التهوية في الأماكن التي يتم فيها استخدام سخانات الغاز.
2. اقتناء أجهزة ذات جودة عالية وخاضعة للمعايير المعتمدة.
3. إجراء صيانة دورية للسخانات وفحصها من طرف متخصصين.
4. تركيب كاشفات الغاز داخل المنازل، خصوصًا في الحمامات والمطابخ.
5. تعزيز حملات التوعية حول مخاطر غاز البوتان وكيفية الوقاية منه.
6. فرض رقابة صارمة على بيع وتركيب سخانات الغاز للتأكد من سلامتها.
خاتمة

لم يعد ارتفاع حوادث الاختناق بغاز البوتان في المغرب مجرد ظاهرة عابرة، بل هو نتيجة تراكم عدة عوامل متداخلة، تشمل أخطاء تقنية، وضغوطًا اقتصادية، وضعف الوعي الوقائي. الحل لا يكمن فقط في تحميل المواطن مسؤولية الحذر، بل يتطلب تدخلًا شاملاً يشمل تعزيز الوعي، تحسين معايير السلامة، وفرض رقابة صارمة على الأجهزة المتداولة.

لأن حياة المواطنين ليست مجرد أرقام في إحصائيات، بل مسؤولية يتحملها الجميع، من الأفراد إلى الدولة، لضمان بيئة أكثر أمانًا وسلامة.

1000185352
مشاركة