صوت العدالة : محمد زريوح
اندلع صباح اليوم حريق مهول داخل ورش المسبح البلدي بمدينة الناظور، مخلفًا خسائر مادية جسيمة، ومثيرًا موجة من الغضب والاستياء وسط الساكنة التي انتظرت هذا المشروع لما يزيد عن 18 سنة. الحريق، الذي اندلع بسبب أشغال تزفيت داخل الورش، كشف بشكل جلي عن غياب أبسط شروط السلامة والوقاية، ليطرح من جديد إشكالية ضعف الحوكمة في تدبير المشاريع العمومية بالإقليم.
ألسنة اللهب امتدت بسرعة كبيرة داخل المرفق بسبب المواد القابلة للاشتعال المستعملة في الأشغال، خاصة مادة “الزفت”، فيما حاول عدد من العمال الموجودين في الورش آنذاك إخماد النيران بوسائلهم البدائية، دون جدوى. الحريق التهم جزءاً كبيراً من تجهيزات المسبح ومرافقه، ما تسبب في أضرار مادية جسيمة ستؤخر المشروع إلى أجل غير مسمى.
رئيس جماعة الناظور، السيد سليمان أزواغ، الذي حلّ بعين المكان فور علمه بالواقعة، صرح بأن نسبة تقدم الأشغال بالمشروع كانت قد بلغت 95%، وأن السلطات كانت تعتزم افتتاح المسبح بشكل رسمي خلال شهر يوليوز المقبل. وأعرب عن أسفه الشديد لما حدث، مشيرًا إلى أن الحادث سيؤخر المشروع مجددًا، في وقت كانت فيه الساكنة تنتظر لحظة افتتاحه منذ سنوات طويلة.
ما وقع اليوم لا يمكن اعتباره حادثًا عرضيًا فقط، بل هو نتيجة مباشرة لتراكمات من التسيب والارتجال في تنفيذ وتتبع المشاريع العمومية. مشروع المسبح البلدي الذي نشأ حلمه مع أجيال من أبناء المدينة، انتهى اليوم إلى رماد، وفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة حول من يتحمل المسؤولية، ومن يحاسب من؟
غياب شركة العمران، المسؤولة عن الأشغال، عن تقديم أي توضيح أو بلاغ رسمي إلى حدود كتابة هذه الأسطر، يزيد من حالة الغموض ويعمق فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات. فكيف لمقاولة تشتغل في مشروع بهذا الحجم أن تغفل عن تدابير الوقاية والسلامة؟ وأين كانت أعين المسؤولين المحليين الذين يفترض فيهم مراقبة ومتابعة سير الأشغال؟
في ظل هذا الوضع، أصبح من الضروري فتح تحقيق شامل ونزيه في ملابسات هذا الحادث، ليس فقط لمعرفة أسبابه، بل لتحديد المسؤوليات، ومحاسبة المتورطين، حماية للمال العام وضمانًا لكرامة المواطن. لا يمكن الحديث عن التنمية أو النهوض بالإقليم في ظل استمرار هذا النوع من الفشل المتكرر والمكلف.
أكثر من ذلك، فإن الاستمرار في تأجيل المشاريع الكبرى، أو تنفيذها بطريقة عشوائية، لا يؤدي سوى إلى مزيد من الإحباط الشعبي، ويعمق الإحساس بالتهميش لدى سكان الناظور، الذين يرون في كل مشروع فرصة ضائعة أخرى تضاف إلى لائحة الإخفاقات التي تعاني منها المنطقة.
لا يمكن لإقليم بحجم وإمكانات الناظور أن يبقى رهينة لسوء التدبير، فالتنمية تحتاج إلى إرادة حقيقية، وشفافية في الإنجاز، وربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة. والمسبح المحترق اليوم يجب ألا يتحول إلى مجرد خبر عابر، بل إلى لحظة مفصلية تدفع نحو إصلاح شامل لطريقة تدبير المشاريع.
إن إنقاذ المدينة من هذا المسار الانحداري يتطلب إجراءات فورية، من بينها التدقيق في جميع المشاريع المتعثرة، وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة، والتسريع بتنفيذ ما ينتظره المواطن فعليًا. أما الاستمرار في الصمت، فلن يُنتج سوى رمادًا آخر، فوق رماد الحلم الذي احترق.