- إهداء إلي آسفي المنكوبةوالحزينة –
لم امر من هنا ذات يوم كما يفعل الكثيرون ، بل تسربت ، دون عمد ، الي اعماق مدينة لا تسلم مفاتيح ابوابها الا للطارق المفتتن او الغريب المأذون ، وكنت من هذه الصفوة المختارة ، حسب ما يتمثل لي بعد كل هذه السنوات من الصمت المترقب ، ،،سلاحي في الاستكشاف كان محبة وفضولا ، ومرشدي فيه ثقة السدنة وكرمهم ، او بتعبير شائع أولياء المكان .
لن اكتب عن احبتي الدائمين فحبل التواصل الدائم معهم يجعلني في تخمة عاطفية تغنيني عن استحضار ارواحهم الطيبة ،ولكنني سأكتب عن أناس استثنائيين ، عرفتهم وبقيت أشباحهم حاضرة في وجداني كرموز وشواهد عن تلك المدينة العميقة .
فبجانب ربوة الفخارين الغامضة -اسفي – عايشت اناسا صنعوا ملاحم فردية ، لكنهم لم يقطعوا ذلك الخيط الرابط بينهم وبين جوهر الانسان وكنهه ، فكان الحاج الطالكي، صاحب معامل التصيير ومراكب الصيد ، لا يحس برغد العيش الا بمخالطة عماله البسطاء بمقهى عتيق صامد بأحد دروب المدينة القديمة ، وكان لا يطيب له المقام الا وسط افراحهم وأحزانهم ، اما االمنشد عبد الكريم الفيلالي ، اخر الهجائين، فذاكرة قلما يجود الزمن بمثلها، تتكدس فيها مئات القصائد المجهولة من الملحون والزجل ، من نظم غيره من السابقين اومن ابداع قريحته القاسية ، ولا اكشف لكم سرا ان بحت اليوم باني كنت من مريديه المتخفين ، ولازلت احسب بعض قصائده المحفوظة بأرشيفي تحفا نادرة جديرة بالصون والحفظ .
كماتصدح في اسماعي ،عندما استمع الي ضوضاء صمتي احيانا ، أنغام آلة لوتار الحزينة الممزوجة ببحة عابدين حارس معبد التراث ، فتذكرني بانين البحَّارة وأشجانهم ،واحيانا اخري استرق السمع لأغاني الحصبة ،في غفلة من اليومي القاتل ، فيزداد يقيني ، بعيدا عن كل احتفالية فطرية ، ،بانها لغة سرية لايفك شفرتها الا كل مولع متامل .
وبمجالستي لصديقي الراحل الحاج غيبي ، رغم اختلاف أعمارنا ، كنت اتمتع ، حد التناسخ ، باستحضار تاريخ تليد عاشه شرفاء هذا البلد ولم يكتبوه . وبقيت حتي بعد انتقالي لمدينة الدارالبيضاء ألجأ الي الاستاذ تيمول ، كلما شدني الحنين الي ملحمة اسفي ، فيشنف اسماعي بدخائر لايعلمها غيره،
واخيرا لا بد لي من الاعتراف ، طمعا في ظروف التخفيف ، كون اسفي قد ارتبطت في وجداني ، ولا اعرف لماذا ، ببحيرة توجد في ضواحيها ، وتسمي ضاية زيمة ، يستخرج منها الملح ، ولم يسبق لمياهها ان نضبت رغم توالي السنين والحقب ،حسب يقين كل العارفين.
هذه الخواطر المختصرة ، وليدة اللحظة ،وهي مجرد هدية بسيطة لكل من عرفته او عرفني بتلك الربوة السحرية .
بقلم عبد العتاق فكير

