زينب الجعنين : باحثة في سوسيولوجيا التربية
يشهد المغرب تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة، تظهر تجلياتها بشكل واضح في الفئة الشابة التي يصطلح عليها بـ”جيل Z”، وهو الجيل المولود بين أواخر التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية الثالثة. نشأ هذا الجيل في بيئة رقمية متقدمة، وانفتح على عالم متعدد المرجعيات، مما انعكس على وعيه، طرق تواصله، وأنماط تفكيره. وقد أصبحت أشكال تعبيره واحتجاجه محط اهتمام الفاعلين والباحثين، لما تحمله من دلالات سوسيولوجية تتجاوز الظاهر نحو عمق التحولات البنيوية للمجتمع.
جيل Z في المغرب ليس كتلة واحدة، بل يتوزع جغرافيا اجتماعيا وثقافيا، ويعكس تنوعا في التجربة والتمثل. إلا أن القاسم المشترك بين معظم أفراده هو إدراكهم للذات من خلال وسائط رقمية، واعتمادهم الفضاء الافتراضي كحيز أولي لبناء المواقف، تشكيل الهوية، والتفاعل مع القضايا العامة. وقد ظهرت لدى هذا الجيل تعبيرات احتجاجية غير تقليدية، تتجاوز الأشكال الكلاسيكية، لتعبر عن ذاتها من خلال محتوى رقمي سريع، مباشر، وأحيانا ساخر، لكنه لا يخلو من رمزية اجتماعية عميقة.
في السنوات الأخيرة، عبر عدد من الشباب المغربي عن مواقفهم تجاه قضايا اجتماعية واقتصادية عبر حملات مقاطعة، أو “ترندات” رقمية، أو حتى محتوى فني وإبداعي. وتكمن خصوصية هذه الأشكال في أنها لا تستند إلى تنظيم مؤسساتي أو حزبي، بل إلى دينامية جماعية عفوية، تعتمد تكنولوجيا الاتصال الحديثة كأداة لنشر الرسائل وصناعة الرأي العام. هذا الانتقال من “الاحتجاج الميداني” إلى “الاحتجاج الرقمي” يعكس تحولًا في البنية الاجتماعية للشباب، وفي علاقتهم بالسلطة والمجتمع.
لا يمكن عزل هذه التعبيرات عن السياق العام، فهي ناتجة عن تفاعل عدة عوامل سوسيولوجية، من بينها التحول في منظومة القيم، وتزايد الوعي الفردي، والانتظارات المتوقعة بشأن التعليم، الشغل، والحريات. كما ساهم الانفتاح العالمي، وتنامي المقارنة بين الأوضاع الداخلية والخارجية، في خلق شعور متنامٍ بالفارق، مما عزز الرغبة في التغيير أو على الأقل في إسماع الصوت.
لكن، من منظور علم الاجتماع، لا يجب تفسير كل تعبير احتجاجي من هذا الجيل كرفض أو قطيعة مع الوضع السلئد، بل كثيرا ما يكون تعبيرا عن مطلب إدماج، ورغبة في الاعتراف والتموقع داخل المجتمع. فجيل Z لا يسعى بالضرورة إلى كسر القواعد، بل إلى إعادة التفاوض حولها، بما يتناسب مع وعيه الجديد، وتصوراته للمواطنة، والمشاركة، والانتماء.
ومن هنا تبرز أهمية فهم هذه التحركات ضمن سياقها السوسيوثقافي، لا كحالات معزولة أو لحظات توتر ظرفية. فالتعبير الشبابي الرقمي أصبح اليوم مؤشرًا على تحولات عميقة في علاقة الفرد بالمؤسسات، وفي تصوراته للسلطة، والشرعية، والمشاركة. ويكمن التحدي في الانتقال من منطق التلقي إلى منطق الإنصات والتحليل، قصد بناء جسور تواصل فعّالة بين المؤسسات وهذا الجيل.
لا يمكن أيضا إغفال دور المدرسة، والإعلام، والأسرة في تأطير هذا التحول، ليس عبر التوجيه التلقيني، بل من خلال التفاعل مع الحاجات النفسية، الثقافية والاجتماعية لهذا الجيل. فالفجوة بين الأجيال، إذا لم تُفهم وتُدار، قد تتوسع لتتحول إلى انعدام ثقة، بينما يمكن تحويلها إلى فرصة للحوار وتجديد العقد الاجتماعي.
وفي الختام، فإن جيل Z في المغرب لا يمثل مجرد ظاهرة شبابية عابرة، بل هو علامة على مرحلة انتقالية يعيشها المجتمع، تفرض مقاربات تحليلية جديدة، تراعي طبيعة التغير، وتتفهم منطق التعبير. إنهم جيل يطرح أسئلة، لا بهدف المواجهة، بل بهدف الفهم والانتماء. ومن هنا، يصبح علم الاجتماع أداة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، لا للحكم أو التصنيف.

