بقلم عثمان لبصيلي
تُعد جريمة مقتل الشاب الزهراوي نعمان بمثابة ناقوس خطر يسلط الضوء على أزمة اجتماعية وقانونية عميقة، حيث يتجاوز التسيب والاستهتار بأرواح الآخرين حدود المقبول. لتفكيك هذه الظاهرة وتحليلها، لا بد من الرجوع إلى أفكار علماء الجريمة مثل سيزار لومبروزو، المدرسة السلوكية، ونظرية “المحرم بالفطرة”، لفهم جذور العنف وتقديم حلول واقعية للحد منه.
النظرية السلوكية: السلوك الإجرامي كنتيجة للتعلم
تقدم المدرسة السلوكية إطارًا لفهم الجريمة من منظور التعلم الاجتماعي. بورهوس سكينر، أحد رواد هذه المدرسة، يرى أن السلوك الإجرامي يمكن تعلمه من خلال التفاعل مع البيئة، خصوصًا عندما لا تكون هناك عواقب واضحة للأفعال الإجرامية. في حالة جريمة الزهراوي نعمان، يمكن القول إن المجرمين يتصرفون بناءً على نمط سلوكي تعلموه في بيئة تفتقر إلى القوانين الرادعة الفعالة. إذا كانت البيئة الاجتماعية تشجع على العنف أو تتسامح معه، فمن المتوقع أن يصبح السلوك الإجرامي مألوفًا ومقبولًا.
هذا التحليل يتفق مع نظرية “الجريمة بالتعلم الاجتماعي” التي طورها ألبرت باندورا، حيث يؤكد أن الأفراد يتعلمون العنف من خلال مشاهدتهم للعنف في المجتمع وتفاعلهم معه. وعليه، فإن السياسة العامة يجب أن تركز على تغيير البيئة التي تتيح للجريمة أن تنمو، عبر فرض رقابة صارمة على عوامل التوتر والعنف في المجتمع.
المحرم بالفطرة: الجريمة ضد الطبيعة الإنسانية
تُعد فكرة “المحرم بالفطرة” إحدى الركائز التي ترتكز عليها المجتمعات في مواجهة الجرائم. إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني، أشار إلى أن هناك أفعالًا ترفضها الطبيعة الإنسانية بفطرتها، مثل القتل العمدي. المجتمعات تُبنى على هذه المبادئ الفطرية، وعندما تتجاهل القوانين هذه الفطرة وتسمح بتساهل مع الجريمة، فإن الفجوة بين العدالة والواقع تتسع.
ما نلاحظه في جرائم مثل مقتل الزهراوي نعمان هو أن هناك خللًا في منظومة القيم الأساسية التي تُفترض أنها تُحرم الجريمة بالفطرة. هذا يقودنا إلى ضرورة إعادة بناء النظام التعليمي والثقافي لتعزيز القيم الإنسانية التي تجعل من الجريمة أمرًا مرفوضًا على كافة المستويات.
لومبروزو والجريمة الوراثية: هل يُولد المجرم؟
يطرح سيزار لومبروزو في نظريته عن “المجرم بالفطرة” فكرة أن بعض الأفراد قد يكون لديهم استعداد وراثي للجريمة. وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجهت لهذه النظرية، إلا أنها تفتح الباب لدراسة الجوانب البيولوجية والنفسية في تحليل السلوك الإجرامي. على سبيل المثال، دراسات علم النفس الإجرامي أشارت إلى أن بعض المجرمين قد يعانون من اضطرابات نفسية تجعلهم أقل تحسسًا للألم النفسي الناتج عن أفعالهم.
رغم ذلك، من الواضح أن لومبروزو لم يكن يقصد أن الجريمة حتمية، بل إن الوقاية منها تبدأ من خلال التدخل المبكر في حياة الأفراد، سواء عن طريق الدعم النفسي أو برامج التأهيل.
المسؤولية السياسية: التقصير في تدبير الشأن العام
لا يمكن الحديث عن الجريمة دون الإشارة إلى الدور الذي يلعبه السياسيون والمسؤولون عن تدبير الشأن العام. القوانين التي تُسن وتُطبق هي انعكاس مباشر لمدى جدية الدولة في التعامل مع الجريمة. إن ضعف النظام القضائي وغياب سياسات فعالة لمكافحة الجريمة يؤدي إلى تراكم شعور المجرمين بأنهم في مأمن من العقاب. في هذا السياق، يجب على السياسيين الاعتراف بمسؤوليتهم عن توفير بيئة قانونية واجتماعية آمنة.
يقول المفكر السياسي ميشيل فوكو إن “العقوبة ليست مجرد عقاب للجريمة، بل هي وسيلة للتحكم في المجتمعات”. وهذا يعني أن السياسات العقابية يجب أن تكون جزءًا من إدارة الشأن العام وتُطبق بصرامة حتى تكون فعالة في ردع الجريمة.
الحلول: نحو نهج شامل لمكافحة الجريمة
للحد من جرائم العنف وتفادي تكرار مآسي مثل جريمة الزهراوي نعمان، لا بد من اتباع نهج شامل يتضمن:
تعزيز الردع القانوني: تشديد العقوبات وتسريع تنفيذ الأحكام لمنع التساهل مع المجرمين.
الإصلاح الاجتماعي: إعادة بناء القيم الإنسانية من خلال التعليم وبرامج التوعية التي تعزز مفهوم “المحرم بالفطرة”.
التدخل المبكر: تقديم الدعم النفسي والتأهيل للأفراد الذين يظهر عليهم سلوك إجرامي محتمل، وفقًا لنظريات مثل تلك التي طرحها لومبروزو.
تحمل المسؤولية السياسية: السياسيون هم المسؤولون عن تصميم وتنفيذ سياسات فعالة لمكافحة الجريمة. يجب عليهم التركيز على الإصلاحات القضائية والاجتماعية.
برامج الوقاية والتأهيل: إنشاء برامج مخصصة لإعادة تأهيل المجرمين وتوفير بيئة اجتماعية داعمة لمنع العودة إلى الجريمة.
خاتمة
إن جريمة الزهراوي نعمان ليست حادثة منعزلة، بل هي جزء من ظاهرة أوسع تتطلب معالجة جذرية. يجب أن يتحمل الجميع مسؤوليته في بناء مجتمع آمن، بدءًا من النظام السياسي الذي يشرع القوانين، وصولًا إلى الفرد الذي يُدرك بفطرته أن الحياة الإنسانية مقدسة. فقط من خلال تكامل هذه الجهود يمكننا وضع حد للعنف والجريمة، وحماية أرواح الأبرياء من التسيب والاستهتار.