تقرير حول وسائل الإثبات

نشر في: آخر تحديث:

                         من إعداد الطالب الباحث:

                           محمد الشـــــــــــــــــــــريــــــــــف العـــمري

المادة: قانون المسطرة الجنائية المعمقة

     مقدمـــــــــــة:

       المجتمع يعرف نوعا من الحركية و التضارب وإختلافالمصالح، و بعد تطور الزمن أصبح الإجرام متطورا في عصرنا الراهن بعد أن إنتقل الزمن من البدائية إلى الحداثة والإنفتاح والتطور كذلك كان لزاما على التشريعات ضبط السلوك الإنساني رغم صعوبة الأمر من خلال قوانيين زجرية تصون و تحفظ حياة الفرد و المجتمع و إلى قوانين تحاول ضبط المعاملات المالية.

و معاقبة الفرد على أفعاله الخارجة عن القانون و ذلك من خلال القناعة الوجدانية للقاضي، و لا يمكن بناء هذه القناعة عن هوى أو فراغ بل يتم ذلك عن طريق الدليل القاطع و إثبات الجرائم على مرتكبها بوسائل من شأنها أن تحفظ أمن المجتمع و سلامته و تحقق المحاكمة العادلة و كما قال الفقهاء ” الدليل إذا تطرق إليه الإحتمال سقط به الإستدلال” 

    و الإثبات هو إقامة الدليل أو البرهان عن أمر من الأمور و تقديم الحجة على حصوله أو عدم حصوله أو النتيجة المحصل عليها بإستعمال وسائل الإثبات المختلفة و ذلك عن طريق جمع الأدلة في المرحلة الأولى و تقديمها للقضاء أو للنيابة العامة قصد تحميصها حيث يتم تقدير قيمة الحجج بما يولد الحزم و اليقين، و في الميدان الجنائي تعني محاولة إعادة صياغة و بناء الوقائع و الأحداث في عملية تركيبية يقصد منها معرفة الحقيقة حيث يقتضي أن يكون الحكم الفاصل في موضوع الدعوى العمومية مطابقا للحقيقة الواقعية و ليس للحقيقة القانونية أو الشكلية 

    و المشرع المغربي أخذ بمبدأ الإثبات المختلط و حرية الإثبات بكافة الوسائل و أعطى للقاضي سلطة تقديرية في الإقتناع و ذلك راجع لخصوصية بعض القضايا و قد عمل المشرع على حماية حقوق الإنسان لكونه الغاية التي عملت على تحينها بقوانين خاصة خصوصا قانون المسطرة الجنائية

   و هناك العديد من الوسائل التي يمكن الاستعانة بها من أجل إثبات الجرائم كالبحث الإجتماعي و الإنتقال و الخبرة و التفتيش و المعاينة و الحجز و إجراءات التحقيق كالإستنطاق و المواجهة و غيرها من الوسائل التى أعطت أكلها و أبانت عن فعاليتها من أجل الحيلولة دون الفرار من العقاب.

أهمية الموضــــــــــــــــــــــــــوع:

 لعل الدراسات الجنائية إنصب إهتمامها للحديث عن الإثبات لبناء قناعة قاطعة لأن مرشد القاضي هو الدليل في حكمه.

إشكالية الموضـــــــــــــــــــــــوع: 

– إلى مدى تطور الإثبــــــات لمواكبة التطـــــــور الإنساني و السمو بحقــــــوقه ؟

المنهج المعتمــــــــــــــــــــــــــد:

  لدراسة موضوع التقرير إعتمدت على المنهج التاريخي لإبراز التطور الحاصل على مستوى الإثبات و المنهج التحليلي من خلال فك مفهوم الإثبات و الإلمام بقواعده من خلال التطرف لكل قاعدة على حدى و تفسير مضمونها القانوني.     

المبحث الأول : مراحل الإثبات عبر التاريخ

  الإثبات تطور مع مرور الزمن لذلك وجب تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول للحديث عن الإثبات قبل الثورة الفرنسية و المطلب الثاني نفصل فيه الحديث عن الإثبات بعد الثورة الفرنسية.

المطلب الأول: الإثبات قبل الثورة الفرنسية

    يمكن تقسيم مراحل الإثبات قبل الثورة الفرنسية إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن المرحلة البدائية ثم نتناول الحديث في الفقرة الثانيى عن مرحلة الدليل الإلهي و الإثبات المقيد.

الفقرة الأولى: المرحلة البدائية

     لعل هذه تظهر نوعا من التلازم بين قانون العقوبات و قواعد الإثبات فحيث لا يوجد قانون لا يوجد قضاء ينتفي بانتفائها وجود قواعد أو نظام خاص بالإثبات، و معه ينتفي وجود الثلاث و يبرز الثأر كهدف للإقتصاص من الجاني يمارسه المجني عليه يستطيع أن يتهم شخصا لا لأنه هو المعتدي و إنما لوجود خلافات أو حقدا بينهما و يمكن القول أن مصدر الإثبات ربما يكون الإحساس بالشعور الداخلي.

     ثم انتقل الثأر من الفرد إلى القبيلة التي ينتمي إليها المعتدى عليه، عندما أصبح الإعتداد على الشخص هو إعتداء على القبيلة التي ينتمي إليها، فيكون من حق القبيلة لأخذ الثأر من المعتدي و لا ينحصر الثأر في شخص المعتدي إنما يتجاوزه إلى كل أفراد القبيلة، و هنا لا يهم معرفة الجاني مما يترتب على ذلك عدم فائدة إعمال قواعد الإثبات.

الفقرة الثانية: الدليل الإلهي و الإثبات المقيد

     من خلال هذه الفقرة سأعمل على تقسيمها إلى شقين نتناول أولا الدليل الإلهي ثم ثانيا الإثبات المقيد

 أولا: مرحلة الدليل الإلهي

   سادت في هذه الفترة الإعتماد على وسائل إثبات تتناسب و المعتقدات السائدة منها ما يسمى بالمحنة و أساس هذه الفكرة أن الإلهة سوف تتدخل لنصرة المظلوم و إظهار الجاني، و من الأعمال التي تمارس على المتهم لإظهار برائته أو إذانته و أن يتكلف بغمس يده في ماء مغلي فإذا أصيبت بأذى كان ذلك دليلا على برائته أو إذانته و أن المتهم يحمل سيخا محميا من الحديد لمسافة معينة و بعد ذلك تفحص يده فإذا تبين أنها أصيبت بالورم فهو مذنب و إلا فهو بريء، كما يعتبر نظام المبارزة من تطبيقات التحكيم الغيبي حيث يحق تثبيت الحق للمنتصر أو غيرها من الوسائل الأخرى. 

 ثانيا: الإثبات المقيد

   تسمى مرحلة الدليل الإنساني و فيها تتدخل إرادة المشرع بقوة لتحديد الأدلة التي يجب على القاضي إتباعها، و حيث تتدخل لتقييد سلطة القاضي و يصل المشرع في تدخله بإن يحدد القوة القانونية للأدلة و هنا لا يبقى أمام القاضي إلا أن ينفذ إرادة المشرع و ليس له أن يبني حكمه على غيرها.

       نستخلص أهم ملامح هذه المرحلة و هي كالتالي:

– المشرع هو من يحدد الادلة التي يبني عليها القاضي قناعته و ليس له قبول سواهما.

– لم يكتفي المشرع بتحديد الدليل الواجب الإتباع بل يحدد القيمة القانونية له إذا ماتوافرت فيه شروط معينة أما قناعة القاضي في الدليل فليست محل إعتبار عند المشرع طالما توافرت أدلة الإذانة التي حددها.

– رفض المشرع للسلطة التقديرية للقاضي و استفرد المشرع بها.

هذه أنظمة الإثبات التي سادت قبل الثورة الفرنسية، على أن هذا القول لا يعني عدم وجود آثار لها على مستوى التشريعات في الوقت الحاضر و تتمثل بالإستثناءات التي ترد على مبدأ الإقتناع القضائي

المطلب الثاني: الإثبات بعد الثورة الفرنسية

 يري الفقهاء أن هذا المبدأ له علاقة بمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات لأنه يدخل الإثبات في إختصاص القضاء بينما مبدأ الشرعية يرسم أختصاص المشرع ومعه سنحاول تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين.

الفقرة الأولى: مبدأ إقتناع القاضي

 التقدير المسبب لعناصر الإثبات في الدعوى وهو البديل عن نظام الأدلة القانونية وما يعنيه إقتناع  القاضي أن للدولة حق معاقبة المذنب لما ارتكبه من جرم، أو ليس من حق معاقبة المتهم لعدم ثبوت التهمة بحقه أو لوجود الشك في أنه إرتكبالجريمة لأن الشك يفسر لمصلحة المتهم.

   فوفق نظام الإثبات الأخر أن دور القاضي لم يعد دورا آليا كما كان في نظام الإثبات المقيد كذلك لم يكن دورا سلبيا و إنما للقاضي دورا إيجابي في ما يدور في الجلسة من أدلة للأثبات أو النفي و ما يتحراه هو من أدلة هو من أدلة بحثا عن الحقيقة بما يراه مجديا من السبل التي تكشف الحقيقة، فله أن يبني عقيدته و قناعته على ما يراه و من أي طريق يشاء لأن أهم عنصر يقوم عليه نظام الإثبات الحر هو إطلاق الأدلة و عدم تقييد القاضي ببعضها، فله أن يختار ما يشاء منها و يقدرها بحريته التامة.

و لذلك تدخل المشرع حتى لا يطلق العنان للقاضي بحيث يكون لتصوراته دخلا في النتيجة التي توصل إليها، فاشترط أن يكون الدليل مشروعا و أن يطرح في الجلسة حتى تتم مناقشته من الخصوص و أن يكون واضحا غير مشوب بالغموض و الإبهام، كما أوجب المشرع على القاضي أن يكون حكمه مسببا و هذه الشروط حدت من حرية القاضي و اعتبرت صمام الامان من انحراف القاضي عند ممارسته لواجبه و إلا كان القرار عرضة للطعن.

الفقرة الثانية : المذهب المختلط و المرحلة العلمية

             يمكن مناقشة هذه الفقرة من خلال الحديث أولا عن المذهب المختلط  و مناقشة المرحلة العلمية ثانيا. 

أولا: المذهب المختلط

إتجه إلى الأخذ بالمذهب المختلط كونه حدد طرق الغثبات و جعلها في أدلة معينة لكنه أطلق سلطة القاضي في تقديرها حتى لا تكون سلطة آلية لا تأثير لها في تقدير الأدلة فللقاضي أن يحكم بخلاف ما أجمع عليه الشهود إذا ظهر الحق أو بني إعتقاداته عن طريق آخر غير طريقهم و مثالها أن القاضي لا يحكم بحد المرأة إذا شهد عليها أربعة – و هي الشهادة المقررة لإثبات جريمة الزنا – وظهر انها بكر.

     و إذا كان الإسلام قد أخذ بمبدأ تقييد سلطة القاضي في الحدود و أعطاه سلطة تقديرية لتفحص الأدلة، إلا أن الإسلام في باب التعزير أخذ بمبدأ حرية القاضي لأسباب منها كثرة هذا النوع من الجرائم إضافة لتقاربها و إختلافهامن مجتمع لأخر، فهي تختلف من مجتمع إلى آخر وفق ظروف كل مجتمع من جهة و من جهة آخرى تختلف حسب ظروف كل جريمة و لذلك ترك للقاضي حرية إثبات التعازيربكافة وسائل الإثبات التي  يستطيع أن يبني قناعته من خلالها خلاقفا لجرائم الحدود.

  و للمذهب المختلط مميزات نذكر منها ما يلي:

1- يتجنب القاضي شرور الأهواء التي تأمر بها النفس الأمارة بالسوء نتيجة التأثيرات الأخرى، كما تجنبه تقييد الحرية الذي يقف لا حول له و لا قوة سوى تنفيذ إرادة المشرع مرتبا قناعاته على قناعات المشرع لا على ما عرض من أدلة.

2- يعطي للقاضي سلطة تقدير القرائن و إذا كانت تطبق في مجال الحدود إلا أن هناك مجالا للحركة بها يستطيع القاضي تقدير الأدلة كما في جريمة الزنا إضافة إلى حريته الكاملة في التعازير.

3- لم يجز للقاضي العمل بعلمه الشخصي فيحمي أطراف الدعوى من هوى القاضي.

ثانيا: المرحلة العلمية

 لا شك أن الجريمة كأي ظاهرة شملها التقدم العلمي و التقني و قطع الجناة أشواطا بعيدة في إختراع الأساليب العلمية لإرتكاب جرائمهم دون أن يتركوا لها أثرا يدل على مرتكبها و أكثر من ذلك أصبح نتيجة التقدم التقني بإمكان الجاني تنفيذ جريمته و هو في بيته،

أخذ العلم دوره في إكتشاف أساليب و طرق فنية لكشف هذه الجرائم و نسبتها إلى فاعلها، و هنا يلعب الخبير دورا رئيسيا في الإثبات فيستطيع إدراك مالا يدركه القاضي بحسب تخصص كل واحد منهما فيستطيع الخبير أدراك ما لا يعلمه القاضي فالطبيب و عن طريق تشريح الجثة مثلا أن يقف على أسباب الوفاة أو ساعة حدوثها و هذا ما لا يستطيع القاضي إدراكه لأنه خارج عن ثقافته و خبرته القانونية كذلك مضاهاة الخطوط لإكتشاف جريمة التزوير، فهذه و غيرها من الأمور لا يستطيع القاضي أن يبني قناعته على فهمه الخاص و إنما يتطلب الأمر منه كشفا للحقيقة التي هي مراده أن ينتدب إليها خبيرا و مما يتوصل إليه الخبير يستطيع القاضي بناء قناعته.

 كما يرى فيري أن أعمال الخبرة تودي إلى قرائن قاطعة و تصبح الوسائل العلمية هي الأساس في الكشف عن الجرائم التي أخفتها الوسائل العلمية المضادة، و يرى أن الوسائل العلمية لا يقتصر دورها على كشف الجريمة و تحديد مرتكبها بل يتعدى ذلك لمعرفة أسباب إرتكابه، و لذلك فهو يدعو إلى ضرورة الإلتجاء لها بإعتبارها خير وسيلة للمحقق و القاضي على حد سواء.

المبحث الثاني: مفهوم الإثبات و قواعده

     يمكن تحليل هذا المبحث من خلال مطلبين الاول نناقش فيه مفهوم الإثبات و قواعده ثم في المطلب الثاني نحلل فيه إجراءات التحقيق. 

المطلب الاول: مفهوم الإثبات

       في هذا المطلب سأعمل على تحليله من خلال فقرتين الأولى نتحدث فيها عن مفهوم الإثبات و الثانية للتفصيل في القواعد الأصولية للإثبات.

الفقرة الأولى: مفهوم الإثبات

  الإثبات الجنائي فعرفه البعض على أنه إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها على صحة واقعة قانونية يدعيها أحد طرفي الخصومة و ينكرها الطرف الاخر.

    و لم تعرف التشريعات الإثبات بنوعيه و أن خصصت لكل منهما حقلا خاص في التشريع لاختلافهما و تظهر صور الإختلاف بينهما في التالي:

1- وسائل الإثبات المدني تهيأ قبل البدء في إقامة الدعوى، فنفس الوسائل التي يتم على أساسها إثبات الحق تعتمد كوسيلة للإثبات، لأن في التعامل المدني المطلوب إثبات ذلك التعامل كما في حالة الدين فالمتعاملين يثبتون تعاملهم عن طريق الكتابة، إلا إن هذه الوسيلة قابلة لإثبات العكس.

  أما في المجال الجنائي فتبدأ بعد رفع الدعوى العمومية فالجاني يحاول إخفاء كل آثر يدل على فعله أو نسبته إليه، الأمر الذي يستدعي إجراء التحقيق و التوسع فيه للوصول إلى أدلة تثبت قيام الجاني بفعله المتهم به وذهبت المدارس إلى إتجاهات مختلفة في الإثبات كما في الإثبات كما رأينا.

2- في الإثبات المدني تكون أدلة الإثبات مقيدة في حين كونها غير ذلك في الإثبات الجنائي و بهذا تثبت حرية القاضي في بناء قناعته في المجال الجنائي. 

3- الإثبات في المجال المدني ينظمه في الغالب قانون قائم بذاته في حين أن الإثبات في المجال الجنائي يدخل ضمن قانون أصول المحاكمة الجنائية العادلة.

الفقرة الثانية: القواعد الأصولية للإثبات.

     هناك مجموعة من القواعد التي ينبغي و يتعين الإلتزام بها لضمان محاكمة عادلة مع احترام حقوق المتهم أو الظنين أو المشتبه به لكونه إنسان ولو إقترفجرما فينبغي التقيد بهذه القواعد التي سنذكرها إتباعا كالتالي:

القاعدة الأولى: براءة المتهم

    ولعل ما يمتاز به المبدأ الاول أو القاعدة الأولى مايلي ذكره:

1- نقل عبء الإثبات من عاتق المتهم إلى الإتهام و ينبني على هذا أن المتهم لا يكلف بإثبات براءته و إنما له أن ينكر ما نسب إليه وليس عليه إقامة الدليل فيما أنكر.

2- إن إعتبار البراءة هي الاصل حسب المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية يجعل الشك يفسر لصالح المتهم.

3- ضمان حقوقه و حرياته أمام القضاء أثناء سير الدعوى إلا أن حماية المجتمع توجب إتخاذ بعض الإجراءات ضد المتهم و التي تمس حريته في حالة هذه يجب أن يتم إقامة التوازن بين هذه الإجراءات وبين المبدأ العام القائل ببراءة المتهم و هذا ما يطلق عليه بالمشروعية الإجرائية.

القاعدة الثانية: مشروعية إجراءات جمع الأدلة

 يفترض أن كل ما صدر من تدابير أو ما إتخذ من إجراءات أو قرارات يكون صادرا بنحو سليم و متفق مع القانون ولكن هذا الإفتراض يمكن إثباته بعكسه فمن يدعي أن إجراء إتخذ خلافا للقانون قعليه يقع عبء الإثبات، فإذا نجح فيما إدعاه سقط الإجراء أما إذا أخفق بقيت المشروعية ملازمة للإجراء و هذا يهدف إلى أمرين.

   الأول: حماية المتهم بحفظ كافة حقوقه أثناء سير الدعوى بما فيها حقه في تفنيد كافة الأدلة الموجهة ضده.

الثاني: منع القاضي من التعسف و التحكم و عدم الإبتعاد قليلا او كثيرا عن القانون في الركون إلى الدليل الغير الشرعي لبناء قناعته.

القاعدة الثالثة : مبدأ حرية الإثبات

  لا يقيد القاضي بأدلة معينة بل له الحرية في إختيار ما يشاء لبناء قناعته و هذا موقف المشرع في كثير من الدول العربية فقد أخذ بذلك المشرع العراقي المادة 213 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، كما أخذ بذلك به المشرع السوري في المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجنائية التي نصت على أن ” تقام البينة في الجنايات و الجنح و المخالفات بجميع طرق الإثبات و إلى هذا ذهبت مجلة الإجراءات الجزائية التونسية بموجب القانون 23 لسنة 1968 حيث نصت المادة 150 أنه يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات مالم ينص القانون على خلاف ذلك و يقضي الحاكم حسب وجدانه الخالص.

إذا فمجال الإثبات في المادة الجنائية عير مقيد في وسيلة محددة للإثبات عكس ما هو عليه الحال في الميدان المدني و بالخصوص الفصل 404 من قانون الإلتزمات و العقود الذي ذكر وسائل الإثبات على سبيل الحصر و هي إقرار الخصم ثم الحجة الكتابية و شهادة الشهود ثم القرينة و اليمين و النطول عنها، لأن الميدان الجنائي صميم إهتمامه هو حماية حياة الإنسان و ممتلكاته عكس ما هو ظاهر في المادة المدنية التي تنظم المعاملات المالية التي ينبغي التقيد بالوسائل الخاصة بالإثبات التي حددها القانون.

المطلب الثاني: إجراءات التحقيق لإثبات الجرائم

    يمكن تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن الإجراءات التي تتعلق بالأشخاص ثم في الفقرة الثانية تتناول الحديث عن الإجراءات التي تتعلق بالأشياء.

الفقرة الأولى: إجراءات تتعلق بالأشخاص

   يقوم قاضي التحقيق بعدة إجراءات و أبحاث تنصب على المتهم بإعتباره جوهر القضية سنتناول هذه الإجراءات كالتالي:

أولا: البحث الإجتماعي

      ألزم المشرع المغربي قاضي التحقيق بموجب المادة 87 من قانون المسطرة الجنائية بإجراء بحث إجتماعي حول المتهم للإلمام بظروفه النفسية و الإقتصادية و الإجتماعية، التي تكون أثرت في إرتكاب الجريمة بخصوص الجنايات، و جعل إجراء البحث الإجتماعي في الجنح إختياريا من طرف قاضي التحقيق.

   و الجدير بالذكر أن المشرع المغربي بمقتضى قانون المسطرة الجنائية قد أولى أهمية خاصة للمتهمين الأحداث أو الذين يدورن في فلكهم لحداثة عهدهم بعالم الجريمة، و أن من شأن التعامل معهم وفق وسائل و كيفية خاصة قد يساهم في إنتشالهم من العلم الإجرامي و إعادة إدماجهم في المجتمع.

    و في هذا الإطار أوكل القانون لقاضي التحقيق بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة لتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع في حالة توفر الشروط التالية:

– أن يكون سن المتهم أقل من 20 سنة.

– إلا تتجاوز العقوبة المقررة خمس سنوات.

– إلا يكون قاضي التحقيق قد قرر وضع المتهم رهن الإعتقال الإحتياطي.

ثانيا: الفحص الطبي

  ويستفاد من المادة 88 من قانون المسطرة الجنائية أن المشرع سمح لقاضي التحقيق بإخضاع المتهم لفحص طبي أو نفسي وفق مجموعة من الإجراءات الشكلية.

 كما ينضاف إلا هذه الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق أنه بإمكانه و بعد أخذ رأي النيابة العامة بإخضاع المتهم لعلاج التسمم النتائج عن تعاطي المخدرات، و إذا ظهر أن المتهم مصاب بتسمم مزمن ناجم عن الكحول أو المخدرات أو المواد المؤثرة عقليا.

 كما أن لطب الشرعي فضل كبير في الكشف عن مرتكب الفعل الجرمي كما في الإغتصاب و هتك العرض وجرائم القتل و الغرق وغيرها من الجرائم التي أصبح فيها الطب الشرعي رائدا في إرشاد القاضي للكشف عن أسباب و خبايا الجريمة لبناء قناعة القاضي دون الظلم و الشطط في إستعمال السلطة المخولة للقاضي و حماية ضمن الحقوق الممنوحة له.

الفقرة الثانية: إجراءات تتعلق بالإشياء

   في هذا المجال يتحتم على القاضي تجاوز جغرافية مكتبه و القيام بالتنقل و التفتيش و الحجز ناهيك عن التنصت و إلتقاط المكالمات، و الإتصالاتالمنجزة الإتصال عن بعد.

  أولا: الإنتقال: يقتضي تنقل قاضي التحقيق رفقة كاتب الضبط الي أي مكان لإجراء معاينته المفيدة قصد الوصول الي الحقيقة فإذا قرر القاضي المكلف بالتحقيق فعليه التقيد ببعض الإجراءات :

– إخبار وكيل الملك إذا تعلق الأمر بجنحة أو إخبار الوكيل العام للملك إذا تعلق الأمر بجناية.

– أن يصطحب معه و يستعين بكتابة الضبط.

– تحرير محضر بما ينجز من أعمال يبين فيه الأسباب التي دفعته إلى التنقل و يحدد تاريخ الخروج باليوم و الشهر و الساعة.

  وقد اباح المشرع إجراء التفتيش في المادة 101 من قانون المسطرة الجنائية بنصه على أنه ” يجري التفتيش في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على اشياء يكون إكتشافها مفيدا لإظهار الحقيقة و يجب في هذه الحالة على قاضي التحقيق، تحت طائلة البطلان، أن يتقيد بمقتضيات المواد 59 و 60 و 62 من ق.م.ج”

و إذا كان بإمكان قاضي التحقيق القيام في جميع الأماكن التي يمكنه من العثور على أدلة تسعفه في التحقيق، فإنه يتقيد بمجموعة من الضمانات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 62 من ق.م.ج.

 و إذا كان التفتيش سيجري في منزل المتهم، يتعين إستدعاء رب المنزل أو من يشغله لحضوره فإن تغيب أو رفض الحضور أجري التفتيش بحضور شخصين من أقاربه أو أصهاره الموجودين بالمكان و إذا تعذر ذلك يتم إجراء التفتيش بحضور شاهدين لا تربطهما علاقة التبعية بالسلطة أو الشرطة القضائية.

  أما إذا كان التفتيش سيجري بمنزل شخص من الغير يتحمل أن يكون حيازته مستندات أو أشياء لها علاقة بالأفعال الإجرامية، فإنه يجب حضور هذا الشخص لعملية التفتيش و إذا تعذر ذلك وجب سلوك مقتضيات الفقرة السابقة.

   أما فيما يخص تفتيش النساء فإن قاضي التحقيق ينتدب إمرأة للتفتيش و التقيد بالأوقات القانونية للتفتيش الممتد ما بين الساعة السادسة صباحا إلى التاسعة ليلا.

    و إذا إنصب الحجز على نقود أو سندات أو قيم أو أوراق تجارية لم يكن الإحتفاض بها ضروريا لإظهار الحقيقة أو للمحافظة على حقوق الأطراف، فلقاضي التحقيق أن يأذن لكاتب الضبط في إيداعها بصندوق الإيداع و التدبير و إما في بنك المغرب.

  ثانيا: التفتيش و الحجز

لقد منح القانون لكل من قاضي التحقيق و الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف حق و إمكانية إجراء  التنصت إذا ما ارتأيا أن ضرورة البحث تقضي ذلك فإذا كان قاضي التحقيق يتمتع بهامش كبير من الحرية إذا ما ارتأى اللجوء إلى التنصت فإن سلوك الوكيل العام للملك لهذا الإجراء ترد عليه مجموعة من القيود.

 فإذا كان القانون لم يقيد قاضي التحقيق بأي قيد من القيود التي ترد على سلطة الوكيل العام للملك في اللجوء لهذا الإجراء فإنه بإمكانه اللجوء إلى هذه المسطرة كلما إقتضت ضرورة البحث ذلك وفق الإجراءات المسطرية التالية: 

– إصدار الأمر بإجراء التنصت كتابة.

– تضمين الأمر المكتوب جميع العناصر التي تعرف بالمكالمة الهاتفية أو المراسلة المراد إلتقاطها و تسجيلها أو أخذ نسخة أو حجزها.

– تحديد الجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذا و المدة التي سيتم الإجراء داخلها داخل آجل لا يتجاوز أربعة اشهر قابلة للتجديد مرة واحدة كما يمكن لقاضي التحقيق أو لضابط الشرطة القضائية الذي يتم تعينه لهذه الغاية أن يطلب من كل عون مختص تابع لمصلحة أو لمؤسسة موضوعة تحت سلطة او وصاية الوزارة المكلفة بالإتصالات.

خاتـــــــــمة: 

   الإثبات الجنائي من أهم الركائز التي يقوم عليها نظام العدالة وهو من المواضيع الشائكة التي يصعب التحكم فيها و يطرح مجموعة من الإشكاليات على المستوى النظري أو العلمي و التي تتضارب فيها الآراء الفقهية و المواقف القضائية حولها.

  إذا كان المشرع المغربي أخذ بالمذهب المختلط في الإثبات وسمح للأفراد اللجوء إلى كافة وسائل الإثبات فإنه في نفس الوقت أعطى للقضاء سلطة تقديرية شبه مطلقة في الحكم وفق القناعة الوجدانية و المعلوم أن الإنسان مطبوعا بالنسبية مما يجعل الخطأ وارد على  المستوى القضائي، لكن مسودة قانون المسطرة الجنائية عملت على تقييد السلطة التقديرية للقاضي دون الإضرار بحقوقه و حرية الإنسان.  

المصــــــــــــــادر و المراجع:

المراجع العامة:

• مصطفى مجدي هرجة – الاثبات في المواد الجنائية – دار المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى – السنة 2012.

• محمود مصطفى – الاثبات في المواد الجنائية – دار النشر للجامعات المصرية – 2014.

• محمد زكي أبو عامر الإثبات في المواد الجنائية – دارالأمنية للطباعة و النشر – السنة 1987.

• أنور دبور القرائن و دورها في الإثبات في الفقه الجنائي – دار الثقافة العربية – السنة 1985 ص 183.

• – سليمان مرقس – أصول الإثبات و إجراءاته في المواد المدنية في القانون المصري مقارنا – دار النشر للجامعات المصرية – سنة 1956 ص 78.

الكتب الخاصة:

• أحمد كمال الدين موسى – نظرية الإثبات في القانون الجنائي – دار النشر التمييز – الطبعة الثانية – السنة 2001.

• جلال العدوي – أصول أحكام الإلتزام و الإثبات – منشأة المعارف الإسكندرية – السنة 1996.

• إبراهيم بن محمد الفائز – الإثبات بالقرائن في الفقه الإسلامي – الطبعة الأولى – السنة 1982 ص 204.

• محمد مروان – مظام الإثبات الجنائي في المواد الجنائية – دار التأليف و النشر السنة 1967 ص 254.

• أحمد قيلش – الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية – الطبعة الثالثة – السنة 2017 ص 171 مطبعة النجاح الجديدة.

المقالات:

• عبد العزيز توفيق – نظرية الإثبات في التشريع الجنائي المغربي – مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 12  الإصدار الرقمي للمجلة الأعداد من 1 إلى 90.

• السنهوري – مجلة الإجراءات التونسية في الإثبات الجنائي بموجب القانون 23 لسنة 1968.

القوانين:

• قانون المسطرة الجنائية المادة 82.

• قانون المسطرة الجنائية المغربي المادتين 99 و 100.

• المواد 59-60-62 من قانون المسطرة الجنائية.

• المادة 102 من قانون المسطرة الجنائية.

الفهرس:

مقدمـــــــــــة:1

المبحث الأول : مراحل الإثبات عبر التاريخ3

المطلب الأول: الإثبات قبل الثورة الفرنسية3

الفقرة الأولى: المرحلة البدائية3

الفقرة الثانية: الدليل الإلهي و الإثبات المقيد3

أولا: مرحلة الدليل الإلهي4

ثانيا: الإثبات المقيد4

المطلب الثاني: الإثبات بعد الثورة الفرنسية5

الفقرة الأولى: مبدأ إقتناع القاضي5

الفقرة الثانية : المذهب المختلط و المرحلة العلمية6

أولا: المذهب المختلط6

ثانيا: المرحلة العلمية7

المبحث الثاني: مفهوم الإثبات و قواعده7

المطلب الاول: مفهوم الإثبات7

الفقرة الأولى: مفهوم الإثبات8

الفقرة الثانية: القواعد الأصولية للإثبات8

القاعدة الأولى: براءة المتهم8

القاعدة الثانية: مشروعية إجراءات جمع الأدلة9

القاعدة الثالثة : مبدأ حرية الإثبات9

المطلب الثاني: إجراءات التحقيق لإثبات الجرائم10

الفقرة الأولى: إجراءات تتعلق بالأشخاص10

أولا: البحث الإجتماعي10

ثانيا: الفحص الطبي11

الفقرة الثانية: إجراءات تتعلق بالإشياء11

أولا: الإنتقال12

ثانيا: التفتيش و الحجز13

خاتـــــــــمة:13

المصــــــــــــــادروالمراجع…………………………………………………………………….14

6

اقرأ أيضاً: