الرئيسية أحداث المجتمع انتحار الأستاذ معاذ: بين ضغط المهنة وإكراهات المنظومة التربوية

انتحار الأستاذ معاذ: بين ضغط المهنة وإكراهات المنظومة التربوية

IMG 20250708 WA0019
كتبه كتب في 8 يوليو، 2025 - 3:22 مساءً

زينب الجعنين : باحثة في سوسيولوجيا التربية

عرف قطاع التربية والتعليم بالمغرب، في مطلع يوليوز 2025، واقعة صادمة تمثلت في انتحار أستاذ شاب يدعى معاذ بلحمرة، حديث التعيين بثلاث مؤسسات تعليمية تابعة لمديرية مولاي رشيد بالدار البيضاء، وذلك في أعقاب توصله بقرار توقيف احترازي بناءً على شكايات من أولياء تلاميذ تتعلق بما سمي سلوكًا غير تربوي داخل القسم. هذه الحادثة المفجعة أعادت إلى الواجهة إشكاليات بنيوية ترتبط بظروف اشتغال نساء ورجال التعليم، وبالضغوط النفسية والإدارية التي قد تواجههم، خصوصًا في غياب آليات الدعم والمواكبة.

المعطيات المتوفرة تؤكد أن الأستاذ الهالك كان يشتغل في وضعية مهنية مرهقة، إذ كُلّف بالعمل في ثلاث مؤسسات متباعدة، دون مراعاة لحجم الضغط الجسدي والنفسي الناتج عن هذا النمط من التوزيع، وهو ما يعكس خللًا واضحًا في تدبير الموارد البشرية داخل المنظومة التربوية، خصوصًا في ما يتعلق بالإدماج التدريجي للأطر الجديدة وتوفير شروط الاشتغال الآمن والمتوازن.

القرار الإداري المتخذ في حقه جاء بصيغة توقيف مؤقت عن العمل، وتم تنفيذه بطريقة وصفها شهود ومقربون بأنها فجائية وقاسية، إذ تم منعه من توقيع محضر الخروج الإداري، ما جعله يشعر بالتهميش والإقصاء، في غياب أي مسطرة استماع رسمية أو جلسة تأديبية تمكّنه من الدفاع عن نفسه، وهو ما طرح تساؤلات حول مدى احترام الضمانات القانونية والأخلاقية في التعامل مع الشكايات الواردة ضد الأطر التربوية. كما أن هذا القرار لم يكن مصحوبًا بأي مواكبة نفسية أو اجتماعية، ما أفرز حالة من الهشاشة لدى المعني بالأمر، قد تكون ساهمت بشكل مباشر في اتخاذه لقرار الانتحار، خاصة في ظل إحساسه بالخذلان وغياب الحماية المؤسساتية.

ومن جهة أخرى، تبرز هذه الواقعة إشكالية العلاقة المتوترة في بعض الأحيان بين الأسرة والمدرسة، حيث يُقدّم المعلم أحيانًا كمتهم أمام شكايات قد لا تكون مدعمة بالتحري الكافي، في وقت يعرف فيه المجتمع المغربي تحولات قيمية تعيد تشكيل صورة المعلم في المخيال الجمعي، وتدفع نحو تراجع رمزيته وهيبته، سواء في الخطاب الإعلامي أو في التجربة الميدانية.

ولعل هذا المناخ الاجتماعي العام، المتسم بتضاؤل الاعتراف بدور المدرس، يُسهم في إنتاج أشكال متعددة من الضغوط اليومية، تجعل المهنة من أكثر المهن عرضة للضغط والانهيار النفسي، لا سيما في غياب بنيات استقبال داخل المؤسسات التعليمية تُعنى بالصحة النفسية للأطر التربوية.

وقد أدت هذه الحادثة إلى ردود فعل قوية من قبل النقابات التعليمية والهيئات الحقوقية، التي طالبت بفتح تحقيق نزيه في ظروف الحادث، وبمراجعة طريقة تدبير الشكايات واتخاذ العقوبات، إلى جانب الدعوة إلى إرساء ممارسات إدارية عادلة تقوم على التدرج، وتضمن حق الدفاع، وتحترم كرامة الموظف، كما دعت هذه الفعاليات إلى ضرورة تضمين الإصلاحات التعليمية المقبلة مقاربة شمولية تدمج البعد النفسي والمهني في تخطيط السياسات التربوية.

وتكشف هذه الحادثة، من منظور سوسيولوجي، عن أزمة في النظام الرمزي والمؤسساتي الذي يحتضن الفاعل التربوي، إذ لم يعد الأستاذ يشعر بأنه في مركز اهتمام المؤسسة، بل بات أحيانًا ضحية منطق بيروقراطي يشتغل بمنأى عن الاعتبارات الإنسانية والمعنوية.

إن حالة الأستاذ معاذ ليست معزولة، بل تعكس حالة عامة من القلق المهني والهشاشة الاجتماعية التي تطال فئة واسعة من المدرسين، خاصة الجدد منهم، الذين يجدون أنفسهم وسط منظومة لا تمنحهم الوقت الكافي للاندماج والتكيف، ولا توفر لهم شبكات الدعم النفسي أو الإداري.

ومن ثم، فإن انتحار هذا الأستاذ لا يمكن اختزاله في كونه فعلًا فرديًا ناتجًا عن ضعف شخصي، بل يتطلب قراءته كعرض من أعراض أزمة مركبة تعيشها المدرسة العمومية، حيث تتقاطع المسؤوليات بين السياسات العمومية، والتدبير الإداري، والتمثلات الاجتماعية، وهو ما يفرض مراجعة شاملة وشجاعة لمنظومة التعليم ككل، بهدف صيانة كرامة المدرس، وتأمين بيئة عمل تحفز على العطاء، وتُراعي الخصوصيات النفسية والمهنية لكل فاعل تربوي.

مشاركة