الرئيسية أخبار وطنية الوسيط العام للمملكة المغربية :تساؤلات عن استقلال هذه المؤسسة الدستورية؟

الوسيط العام للمملكة المغربية :تساؤلات عن استقلال هذه المؤسسة الدستورية؟

IMG 20251222 WA01001
كتبه كتب في 29 ديسمبر، 2025 - 9:55 صباحًا

مقدمة

أصبح للوسيط العام للمملكة المغربية حضوراً بارزاً ليس فقط في معالجة شكاوى المواطنين ضد الإدارة، بل أيضاً في المشاركة في ندوات ، وعقد جولات في الجماعات الترابية، والظهور الإعلامي المكثف. هذه الظاهرة تطرح أسئلة أساسية حول مستوى استقلاليته، حدود مهامه، وأبعاد دوره السياسي والاجتماعي. هل هذا التوسع يعد ترويجاً لثقافة ديمقراطية جديدة، أم انحرافاً عن المسار الدستوري لمؤسسة الوسيط؟

  1. الوسيط العام ومهامه الدستورية

تنص النصوص القانونية والدستورية على أن الوسيط العام:
• مؤسسة مستقلة تعمل على حل النزاعات بين المواطنين والإدارة.
• يقدم توصيات غير ملزمة لتحسين أداء المؤسسات العمومية.
• يراقب حسن تطبيق القوانين والقرارات الإدارية.

بناءً عليه، يُصنف الوسيط كمؤسسة رقابية وإصلاحية، لا سياسياً ولا تنفيذياً، أي أنه لا يتدخل مباشرة في وضع السياسات العامة أو التحكم في مسار المؤسسات الدستورية.

  1. الانتشار المكثف للوسيط في الجامعات والجماعات الترابية

في السنوات الأخيرة، أصبح الوسيط يظهر في:
• الجامعات: عبر ندوات ومحاضرات حول حقوق المواطنين والديمقراطية.
• الجماعات الترابية: من خلال زيارات ميدانية للتقييم، وتقديم التوصيات، أحياناً بشكل مباشر أمام السلطات المحلية والمواطنين.

هذا التوسع يطرح عدة تساؤلات:
1. هل الوسيط يحل مكان المؤسسات الأخرى في نشر الثقافة الديمقراطية؟
2. هل هذا النشاط جزء من مهامه الدستورية، أم تجاوز للصلاحيات التقليدية للمؤسسة؟
3. هل هناك تأثير سياسي غير مباشر من خلال هذه الأنشطة؟

  1. قراءة نقدية: بين الديمقراطية والانحراف

يمكن تحليل هذه الظاهرة من زاويتين:

أ. منظور إيجابي
• نشر ثقافة حقوق الإنسان والمشاركة المدنية: الوسيط يصبح أداة لتقريب الإدارة من المواطنين، وتوعية الشباب الجامعي بالمسؤولية المدنية.
• إصلاح الإدارة المحلية: الزيارات والملاحظات تساعد على تحسين الأداء الإداري في الجماعات الترابية.

ب. منظور نقدي
• تجاوز المهام الدستورية التقليدية: الدور الأصلي للوسيط هو معالجة شكاوى المواطنين، وليس الانخراط في نشاط إعلامي أو أكاديمي واسع النطاق.
• إمكانية الانحياز السياسي الرمزي: حضور الوسيط في فضاءات مفتوحة كالجماعات الترابية والجامعات قد يفسر أحياناً كتبني خطاب سياسي أو دعم سياسات معينة، رغم عدم صلاحيته الرسمية لذلك.
• خلط بين الرقابة الدستورية والتربية المدنية: هذا الخلط قد يضع المؤسسة في موقع حساس، بين الرقابة على الإدارة والنشاط الاجتماعي والسياسي، مما يثير تساؤلات حول استقلاليتها ومصداقيتها.

  1. الخلاصة

إن حضور الوسيط العام في الجامعات والجماعات الترابية يمكن أن يُقرأ كتجربة حديثة لنشر الثقافة الديمقراطية، لكنه في الوقت نفسه يطرح إشكالية تجاوز الحدود الدستورية للمؤسسة. هذا الوضع يستدعي نقاشاً أعمق حول:
• حدود صلاحيات الوسيط في المجال الاجتماعي والسياسي.
• ضرورة الفصل بين الرقابة الدستورية والنشاط الأكاديمي أو الاجتماعي.
• تأثير هذا النشاط المكثف على مصداقية المؤسسة واستقلاليتها.

تبقى الأسئلة الكبرى: هل أصبح الوسيط أداة فعالة لتعزيز الديمقراطية، أم أن حضوره المكثف يشير إلى انحراف مؤسسي عن دوره الأساسي؟
الدكتور المصطفى القاسمي
استاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية.

مشاركة