الرئيسية آراء وأقلام “الوحدة الترابية: من سردية الانتصار إلى مسؤولية العقل الاستراتيجي”

“الوحدة الترابية: من سردية الانتصار إلى مسؤولية العقل الاستراتيجي”

IMG 20250428 WA0040
كتبه كتب في 28 أبريل، 2025 - 12:04 مساءً

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع_باحث في القانون العام والعلوم السياسية

في لحظة دولية تتسم بتكثف التحولات الجيوسياسية، يبرز ملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية كأحد النماذج القليلة في المنطقة الذي تمكن، بفضل دبلوماسية متدرجة ورؤية استراتيجية، من تحقيق تراكم نوعي في كسب التأييد الدولي.
فقد باتت مبادرة الحكم الذاتي، كما يؤكد عدد من الأساتذة والباحثين المختصين في قضايا النزاع الإقليمي، الخيار الأكثر جدية وواقعية ومرونة لتجاوز حالة الجمود، التي طبعت الملف لعقود.

غير أن هذا المسار، رغم وجاهته القانونية والسياسية، لا ينبغي أن يتحول إلى ذريعة لترسيخ خطاب منتشٍ بـ”الانتصار” المبالغ فيه، أو إلى وقود لخطابات التجييش الإعلامي والسياسي ضد الجزائر. فالقوة الأخلاقية لموقف المغرب تكمن في اتزانه ورغبته في الحل، لا في السقوط في فخ النرجسية الدبلوماسية.

لقد نبّه عدد من المختصين إلى أن الانتصار الدبلوماسي في هذا الملف لا يعني إعلان نهاية المعركة، بل يستوجب فتح مسارات جديدة للتهدئة وتعزيز الجوار الجيوسياسي، بما يضمن خروجًا مشرفًا لكافة الأطراف من مأزق النزاع الطويل. ذلك أن منطق الكسب السياسي لا يكتمل إلا إذا توافر له تعقل استراتيجي يحفظ ماء وجه الجميع، ويفتح الباب أمام مشروع مغاربي مشترك طالما عرقلته رهانات خارجية وقصور داخلي عن تجاوز الأحقاد.

ومن هذا المنطلق، فإن الرهان على الشوفينية السياسية، أو على تحوير الملف نحو تصفية حسابات ثنائية ضيقة، يُعتبر انحرافًا عن المسار العقلاني الذي اختاره المغرب منذ أن طرح مبادرة الحكم الذاتي.
فكما أن المغرب حاز على دعم قوى دولية وازنة بفضل خطابه الواقعي والمؤسساتي، فإنه معنيٌّ اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالاستثمار في هذا الرصيد لبناء سردية مسؤولة: سردية لا تسعى فقط إلى الحسم، بل إلى الحل.

إن المبالغة في خطاب التحدي، والاكتفاء بتكرار سردية “نحن المنتصرون وهم الخاسرون”، لا يعكس إلا فقرًا في الخيال الاستراتيجي، وتقصيرًا في إدراك تعقيدات النزاع في أبعاده التاريخية والجيوسياسية والإنسانية. فتقوية المكاسب لا تتحقق بالصوت العالي، بل بذكاء التفاوض، وبالاستثمار في القواسم الإقليمية المشتركة، لا سيما في ظل اشتداد الأزمات الدولية والتنافسات الكبرى التي تفتح شهية قوى دولية للعب دور الوسيط المبتز، الذي لا يرى في النزاع سوى فرصة لتقوية نفوذه ومصالحه على حساب شعوب المنطقة.

وفي مقابل منطق الاصطفاف العدمي، هناك حاجة متجددة لبناء خطاب عقلاني يعترف باللحظة السياسية التي نعيشها، ويدرك أن الانتصارات الرمزية لا تكفي، إن لم تُترجم إلى أفق إقليمي يعزز الاستقرار، ويحرر شعوب المغرب الكبير من تركة الاستعمار الجديد والقديم على حد سواء.

لسنا بحاجة إلى عداء مجاني، بل إلى إعادة تعريف الذات السياسية في علاقتها بالجوار. ولسنا بحاجة إلى إرضاء غرائز الجمهور المتعطش للثأر اللفظي، بل إلى هندسة خطاب وطني يزاوج بين الدفاع الصارم عن الحقوق المشروعة، والانفتاح الذكي على مداخل التسوية. فذلك وحده ما يحرر المنطقة من قدرية التناحر، ويدفع نحو إعادة بناء الحلم المغاربي على أسس جديدة: الحلم الذي خنقته الأنانيات السياسية، وأحبطته الحسابات الضيقة.

إن ملف الصحراء المغربية، وهو اليوم في لحظة زخم استثنائية، لا يحتاج إلى طبول الحرب الرمزية، بل إلى صوت العقل. عقل يدرك أن الجغرافيا لا تتغير، وأن مصير الشعوب مرتبط بقدرتها على التفاهم، لا على الاستعداء.

مشاركة