الهوية بين الثابث والمتحرك

نشر في: آخر تحديث:

إن أهم ما يميز الفرد هو رغبته في الانفراد والتميز عن الآخرين أو ربما الانفصال عنهم أو مجاراتهم، ما يدفع الملاحظ والباحث إلى التطرق إلى أوجه التشابه والاختلاف التي تحدد وتشكل مفهوم الهوية.

إن كل منتوج فردي في إطار مجتمعي هو نتاج للتفكير، بحيث لا شك أن كل لسان يفسر العالم وفق خصوصية التدفق اللغوي والفكري الذي تكون لدى الفرد، ولننطلق من علي حرب الذي تحدث في كتابه عن خطاب الهوية ” فالفرد يتغير ويختلف عن ذاته وفكره باستمرار، فمن منا لم يحاول يوما التعرف على ذاته وأطال التفكير لعله يجد الحقيقة، غير أنه كلما أطال التمعن كلما لاحظ أنه لا يجد مرتكزا في تعيين هويته “. أو كما جاء في المنظور الديكارتي الإنسان يوجد مادام يفكر وإذا توقف عن التفكير توقف عن الوجود، الفكر هو الشيء الوحيد الذي لا يقبل الشك. في حين يعتقد جون لوك الشخص بأنه ذات مفكرة، غير أن الفكر بالنسبة إليه لا ينفصل عن الإحساس، وبالتالي أساس هوية الشخص هو التجربة الحسية. أما شوبنهاور فقد انتقد المواقف التي تربط بين الشعور والهوية، ويؤكد أن هوية الشخص تتحدد بالإرادة، أما الشعور فهو يتجدد ويتغير بفعل الزمن، وبالتالي فهو متغير غير ثابت.

من هذا المنطلق نلاحظ أن مفهوم الهوية يتضمن في طياته المتعددة استشكالات كثيرة ومختلفة، تجعل منه واحداً من الموضوعات البارزة التي تتصدر النقاشات المختلفة في العقود الأخيرة.

وبالتالي فإن طرح عدة أسئلة ملزم لتأطير المفهوم أو على الأقل المحاولة: هل هناك ترابط بين الهوية والخصوصية؟ هل يمكن للإنسان أن يفهم نفسه بدون الآخر؟ وهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن الآخر؟ هل يمكن تكريس الهوية في نفوس الناس وتشبثهم بها؟ هل يمكن أن تشكل الهوية أساس تقدم المجتمع؟

ننطلق من كون الهوية شاملة لكل الخصائص الثقافية والاجتماعية والنفسية المتوفرة لدى كل الجماعات البشرية، رغم تتعدد انتماءات الفرد وميولاته والتزاماته الأيدلوجية والفكرية والسياسية، والاعتراف بتنوع العنصر البشري، يحمل الجميع مسؤولية العمل على صيانة وحماية هذا التنوع، فلا يمكن تظهير هوية المجتمع الذي يحارب تنوعه، لأن المجتمع يفترض أن يحترم تنوعه ويحمي هويته من كل المخاطر والتحديات، بحيث يمكن أن يتأسس على هوية ثقافية، و هذا يعني أن أقراده يتقاسمون عناصر ثقافية موضوعية مثل اللغة، الدين، العادات والتقاليد.

ثمة تصور يرى الهوية الثقافية ماهية ثابتة وهناك من يراها قابلة للتحول والتطور، وللإيديولوجيات الهوياتية الدور الأساسي للدفاع عن التنوعات الثقافية وانتشارها. إن الثقافة والهوية مفهومان متلازمان، كل شعب له ثقافة خاصة تشكل هويته. والثقافة تشكل مجموعة من الخصوصيات تتمثل في القيم والمبادئ والأسس التي تنفرد بها أمة عن غيرها.

أما الهوية فوظيفتها صياغة الكيان المجتمعي وتوازنه وغيابها فيدخل الكائن البشري في نفق اللاتوازن واللا استقرار النفسي والاجتماعي، الهوية هي صانعة التضامن بين أبناء المجتمع، وبها تحصل المنافسة بين الأمم.

إن سوء تدبير مسألة الهوية قد يترتب عنها تبعات قد تؤثر سلبا على التماسك المجتمعي والبرامج التنموية، ولذلك اتجه الفكر القانوني والدستوري نحو رؤية قانونية متكاملة في ترتيب العلاقات الداخلية بين مكونات وتعبيرات المجتمع الواحد وهو ما يتمثل في المواطنة وأيضا نتيجة التحولات الكبرى التي أفرزها التحول الديمقراطي على المستوى الإقليمي. وبما أن الثقافة تعتبر إرثا تاريخيا يحمل معه الطابع الخاص بكل أمة، فهي متعددة بتعدد الشعوب وجنسياتها وخصوصية هوياتها.

لقد أقر الدستور إعادة تعريف الهوية الثقافية المغربية من خلال الاعتراف بغنى وتنوع الهوية المغربية وانصهار مكوناتها الأساسية العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية والحسانية، مع الإقرار بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة، والوحدة الوطنية المتعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي في ظل التأكيد على تشبت الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية

يمكننا القول أن مسألة الهوية الثقافية تتسم بالتعقيد والالتباس، الأمر الذي يتطلب توفير المزيد من الضمانات والآليات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بتحقيق نموذج هوياتي متكامل، كما يجب على الفرد أن يكون مرتبطا بثقافته وبأمته بشكل أكثر فعالية، والمطلوب نقلة نوعية في دراسة إشكالية الهويات من منظور تصنيفي ومعرفي من خلال إعادة النظر في التاريخ يقتضي إعادة رسم وتشكيل معالم الذاكرة الجماعية باعتبارها العنصر الجوهري والمركزي في بناء وإعادة تشكيل الهوية، مع استحضار أهمية بعض المرتكزات والأسس التي تعطي لكل هوية معنى لوجودها واستمرارها.

طالب باحث في سلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس

اقرأ أيضاً: