بقلم…محمد البوزيدي
بكل مرارة سلطت الصور والفيديوات القادمة من الفنيدق يوم أمس الأضواء على أثقاب عميقة تخترق كينونتنا الجماعية وجروح غائرة تأبى التوقف لتواصل النزيف حتى إشعار آخر .
فكل ما شاهده العالم بمرارة يصعب اختزاله في كلمات معبرة، لكن يمكن التصدي له بسؤال جوهري وهو: لماذا الهروب ؟ ويمكن إضافة أسئلة أخرى تتلخص في أدوات الاستفهام الخمس المشهورة
هروب ..هجرة.. هاذا هو السر الذي جمع الجميع الذي تجمع لينطلق حاملا معه حرف الهاء العجيب .
وحين يطرح السؤال ؟ ممن ؟ يكون الجواب صادما …. الوطن .
هكذا بكل بساطة يفكر الشخص في التنصل من غطاء خاص وفر له هوية وهواء وماء …ليحاول الخروج منه والانسلال قسرا رغم كل محاولات منعه؟
إنها أسئلة تراءت مع دعوات الهجرة الجماعية من الشمال لسبتة
وبغض النظر عن الخلفيات التي قد نتفق أو نختلف في شأنها، والسياقات التي شكلت هذا الوعي الجمعي الذي انطلق منذ مدة عبر قوارب الهجرة السرية ومازال مستمرا عبر عقود العمل أو الزيجات أو القرعة الأمريكية وغيرها من الأسباب التي تجعل الانسان يعتقد أنه قفز من المركب الأصلي إلى مركب يعتقد أنه أجود منه. فإن الأمر يطرح تساؤلات عديدة صارخة وصادحة :
ماهو دور مختلف الاطارات السياسية والمدنية في التربية على المواطنة وحقوق الانسان والتي تستلزم تعزيز الوعي الجمعي بالانتماء والافتخار به رغم كل الاكراهات التي قد تطوق مختلف الإجابات؟ وهل قامت فعلا هذه المؤسسات بما يلزمها معنويا وقانونيا وأخلاقيا جريا على الأهداف التي سطرتها في قوانينها الأساسية ؟
هل عززت الدولة بمؤسساتها المختلفة هذه العقلية التي تجعل الانسان يخدم بلدان الغير ضدا على وطنه ؟
من المسؤول إذن عن هذا التيهان؟ الذي يجعل الفرد يفضل الموت على البقاء هنا .
ويهاجر الفرد سرا أو علانية، ويتيه بشكل أو بآخر، وسيعود يوما ما…، فهل سيوصل الرسالة أن الأوضاع هناك قد تكون أفظع بشكل أو بآخر..
لم تكن الحياة يوميا وردية كما يحلم الجميع، ففي كل لحظة هناك بياضات وسوادات مختلفة، وأجزاء فارغة من الكؤوس وهكذا الحياة بشكل عام. فلماذا نصر على أننا نحن هنا في أزمة تستدعي هروبا حتى تشكلت في ذهنية الطفل أنه يتمنى الهرب ولو لم يعرف ممن ؟ والى أين ؟
يوميا نرى الإعلام كيف يحكي عن حياة المهاجرين هناك ،عنصرية غلاء تهديد ..هوية..مضايقات..ورغم ذلك الجميع يصر على إغلاق عينيه عن ما يجري
لمصلحة من ؟ ومن المتواطئ ؟
إن ما يجري من وعي مغلوط بالهجرة يستدعي الإسراع بمايلي ؟
1*تشكيل وعي جماعي بأهمية الوطن وخدمته ،موازاة مع توفير كل شروط العيش الكريم للمواطنين من ديموقراطية ومساواة وضمان لمختلف حقوق الانسان خاصة الاقتصادية والاجتماعية .
2*تعبئة مختلف وسائل الاعلام للمساهمة في هذه الحملات بالتركيز على خطورة الهجرة السرية أو العادية والتعريف بما يحصل هناك للمهاجرين وأن الأوضاع العامة سيان وتتفاوت. ولم لا إنتاج أشرطة أو افلام وثائقية حول الموضوع .
مسالة أخيرة :كان غريبا أن بعضا من المعنيين مباشرة بالموضوع قد أغلقوا أبواب دارهم أمس ،فأين القوافل التعبوية ؟وأين جهود الوساطة التي يدعون القيام بها ؟وأين التواصل مع الضحايا المقبلين على الهلاك ؟ أم أنه حين يجد الجد، تجد الدولة نفسها وحيدة في مواجهة الأزمة بعيدا عن المنظمات أو المؤسسات المختلفة التي تدبج بياناتها أو تقاريرها من حين لآخر وتتطرق فيه للملفات الحارقة في الهجرة .
لقد كان يجب على الجميع النزول للميدان والتعبئة لاقناع الشباب بخطورة مايقدمون عليه ،لا أن يختفوا وراء الشاشات المختلفة والتنظير المجاني الذي لن يزيد إلا الطين بلة والفوارق اتساعا..وهلم جرا.