في خطاب قوي ومؤثر، وجّه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، كلمة افتتاحية خلال انطلاق أشغال مؤتمر المجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة، المنعقد من 21 إلى 24 أبريل 2025 بمدينة الدار البيضاء، تحت شعار: “من أجل قضاء إفريقي مستقل”. وقد ألقى كلمته بحضور شخصيات وازنة من الجسم القضائي الوطني والإفريقي، وممثلين عن الاتحاد الدولي للقضاة، وممثلي جمعيات مهنية من دول إفريقية وأوروبية.
وفي مستهل كلمته، أعرب رئيس النيابة العامة عن فخره واعتزازه باحتضان المغرب لهذا الحدث القضائي القاري، مؤكداً أن هذا المؤتمر يشكل لحظة متميزة في مسار التعاون القضائي الإفريقي، وفرصة استراتيجية لتقوية الحوار وتبادل التجارب بين القضاة الأفارقة، في أفق تعزيز آليات العدالة ومواكبة التحولات العميقة التي يشهدها العالم.

وأضاف المسؤول القضائي أن تنظيم هذا المؤتمر بمدينة الدار البيضاء يعكس الإرادة القوية للمملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في الدفع قدماً بإصلاح منظومة العدالة وتعزيز استقلال القضاء، مسجلاً أن هذا التوجه يجد سنده في الدستور المغربي لسنة 2011، الذي أرسى السلطة القضائية كسلطة مستقلة، ووضع الضمانات الكفيلة بصيانة حقوق المتقاضين وتعزيز ثقة المواطن في العدالة.
وفي سياق متصل، نوّه رئيس النيابة العامة باختيار شعار المؤتمر، معتبراً إياه “شعاراً راهنياً بامتياز”، يجسد طموح القضاة الأفارقة إلى تجسيد قضاء مستقل وفعال، قادر على التجاوب مع انتظارات المواطنين، والتصدي للتحديات الكبرى التي يطرحها التطور التكنولوجي والجرائم العابرة للحدود، مثل الإرهاب والجرائم السيبرانية والبيئية.

وأكد أن تعزيز استقلال القضاء لا ينفصل عن ضرورة التحلي بالقيم الأخلاقية العليا، ومبادئ التجرد والحياد، بما يضمن عدالة منصفة تكرّس الإنصاف وتحقق الطمأنينة الاجتماعية، مشدداً في ذات السياق على أهمية تكريس المساواة أمام القانون، والحرص على ضمان شروط المحاكمة العادلة، سواء من طرف قضاة الحكم أو قضاة النيابة العامة.
ولم يفت المسؤول القضائي التأكيد على الدور الحيوي للجمعيات المهنية للقضاة، باعتبارها شريكاً داعماً للمؤسسات القضائية، من خلال ما تقوم به من تأطير وتحسيس وتكوين، مع احترام مقتضيات التحفظ والتجرد والوقار، في سياق ممارسة القضاة لحقهم في التعبير.
ومن جانب آخر، كشف رئيس النيابة العامة عن جهود المغرب في تفعيل الدبلوماسية القضائية الموازية، مبرزاً أن رئاسة النيابة العامة جعلت من التعاون مع النيابات العامة الإفريقية محورا استراتيجياً، تُوّج بإبرام مذكرات تفاهم مع عدد من الدول الإفريقية، واستضافة مؤتمرات كبرى، من أبرزها مؤتمر النواب العموم الأفارقة في يوليوز 2024، الذي تم خلاله انتخاب المغرب أميناً عاماً دائماً للجمعية، واعتماد الرباط مقراً دائماً لها.
واختتم الوكيل العام كلمته بالتأكيد على أن هذا المؤتمر يشكل محطة بالغة الأهمية لتكريس التواصل بين مكونات العدالة الإفريقية والانفتاح على التجارب الدولية، متمنياً أن تُفضي أشغاله إلى توصيات عملية تسهم في تطوير التعاون القضائي بين الدول الإفريقية، وتحقيق عدالة قوية ومستقلة، قادرة على مجابهة التحديات المستجدة ومواكبة تطلعات الشعوب الإفريقية في الإنصاف والتنمية.
وقد شهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حضوراً لافتاً لقضاة ومسؤولين قضائيين من مختلف الدول الإفريقية والأوروبية، ما يعكس مكانة المغرب كمحور رئيسي للحوار القضائي الإفريقي والدولي، وحرصه على لعب دور ريادي في تجديد آليات العدالة وتعزيز استقلالية القضاء