صوت العدالة : محمد زريوح
شهدت مدينة الناظور، يوم الجمعة 22 نوفمبر 2024، حدثًا ثقافيًا مميزًا تمثل في انطلاق النسخة الأولى من “أيام السينما العمالية”، التي ينظمها الاتحاد الإقليمي لنقابات الناظور بالتعاون مع المركز السينمائي المغربي. الحدث الثقافي جاء ليؤكد مكانة السينما كوسيلة فعالة للتعبير عن قضايا المجتمع وتعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي، في خطوة طموحة تهدف إلى دعم الحركة السينمائية وتطوير البنية الثقافية بالمنطقة.
تميز اليوم الأول بحفل افتتاح احتضنه مقر الاتحاد المغربي للشغل، حيث استُقبل الحاضرون بكلمات ترحيبية من المنظمين الذين أكدوا على الدور الحيوي للسينما في التفاعل مع قضايا المجتمع وتعزيز قيم الحوار والتفاهم. وقد حملت الدورة شعارًا طموحًا يعكس رؤية المنظمين وتطلعات أبناء المدينة: “جميعًا من أجل إنشاء مركب سينمائي وفني يليق بمدينة الناظور”. يعبر هذا الشعار عن الهدف الأسمى للفعالية، وهو الدفع نحو إحداث بنية تحتية ثقافية تساهم في تنمية المشهد الفني والسينمائي في المنطقة.
شهدت الفعاليات في يومها الأول ندوة فكرية حول موضوع “أهمية ودور السينما في تنمية الوعي الثقافي والاجتماعي”. الندوة أدارها الأستاذ محمد الوادي، الذي أدار النقاش بشكل سلس وفاعل. وكان من أبرز المتدخلين الدكتور سليمان البغدادي، الباحث في الأدب والترجمة، الذي تحدث عن الأبعاد الفكرية والفلسفية للسينما كأداة للتعبير الإنساني وتعزيز الحوار بين الثقافات. كما أشار إلى قدرة السينما على تسليط الضوء على القضايا الكبرى التي تواجه البشرية، مشددًا على أهميتها في تنمية الفكر الجماعي وبناء وعي مجتمعي ناضج.
شارك أيضًا في الندوة الأستاذ عبد الرزاق العمري، الناقد السينمائي والأستاذ الباحث، الذي قدم مداخلة عميقة حول دور السينما في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والإنسانية. أشار العمري إلى تأثير السينما في تغيير المفاهيم المجتمعية وتعزيز الوعي بقضايا مثل العدالة الاجتماعية، والمساواة، والحقوق العمالية، مع التركيز على التجارب السينمائية التي نجحت في خلق حوارات مجتمعية عميقة.
تميزت الندوة بتفاعل كبير من الحاضرين الذين أغنوا النقاش بمداخلاتهم وأسئلتهم التي عبرت عن اهتمامهم الكبير بموضوع السينما وعلاقتها بقضايا المجتمع. الحاضرون، الذين كانوا من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، أثنوا على جودة التنظيم وأهمية القضايا التي تم طرحها، ما يعكس تعطشًا كبيرًا لفعاليات ثقافية نوعية تسهم في ترسيخ الوعي السينمائي بالمنطقة.
في ختام اليوم الأول، نُظمت حفلة شاي جمعت المشاركين والجمهور في أجواء ودية اتسمت بالنقاشات البناءة وتبادل الأفكار حول المواضيع المطروحة. كانت هذه اللحظة فرصة لتعزيز الروابط بين مختلف الفاعلين الثقافيين، من أكاديميين ومثقفين وفنانين، إضافة إلى الحاضرين من أبناء الطبقة العاملة الذين كانوا في صلب اهتمامات هذه الفعالية.
يُعد هذا الحدث بداية مشجعة لنسخة أولى تنطوي على الكثير من الآمال والطموحات. فمن المقرر أن تستمر الفعاليات خلال الأيام المقبلة ببرنامج غني ومتنوع يتضمن عروض أفلام وندوات وحوارات تسلط الضوء على العلاقة بين السينما والوعي المجتمعي. ويهدف البرنامج إلى تعزيز النقاش حول دور السينما في التعبير عن قضايا الطبقة العاملة، وتحفيز النقاش الثقافي حول قضايا أعمق تمس المجتمع ككل.
هذه التظاهرة تمثل خطوة نوعية نحو إحداث نقلة في المشهد الثقافي بالناظور، حيث تسعى لتسليط الضوء على أهمية إنشاء مركب سينمائي وفني يمكن أن يشكل فضاءً جامعًا للإبداع الفني والحوار الثقافي. وتطمح إلى أن تكون منصة لدعم المواهب الشابة وتعزيز الإنتاج الثقافي المحلي، بما يتماشى مع تطلعات سكان المدينة الذين يبحثون عن فضاءات ثقافية تليق بهم وتعبر عن هويتهم وتطلعاتهم.
“أيام السينما العمالية” ليست مجرد حدث ثقافي عابر، بل رؤية متكاملة ترمي إلى ترسيخ مكانة السينما كجزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي والاجتماعي لمدينة الناظور، وتطمح إلى أن تكون نموذجًا يُحتذى به في مدن أخرى، لتحفيز وعي جماعي بأهمية السينما في بناء مجتمعات متقدمة ومتحضرة.