المونديال قوة ناعمة لدول العالم

نشر في: آخر تحديث:

مصطفى منجم

الكثيرون يجهلون خلفية كأس العالم لكرة القدم، حيث تعتبره الأغلبية محطة عالمية وموعد رياضي، نعم هو مناسبة رياضية سطحية، اما في الباطن فهو تناحر سياسي بين دول العالم، فإن قطار المونديال منذ بدايته يحمل ركابا ينفقون أموالا طائلة من أجل التعبير عن فكرهم وافكارهم خاصة السياسية والعقدية، ونشرها بطريقة غير مباشرة في أذهان الحاضرين.

كانت ضربة البداية لهذه التظاهرة في الأوروغواي سنة 1930، التي نظمت كأس العالم بمناسبة مرور مئات عام عن استقلالها، فالغريب الذي أثار تفكيري هو أن هذه النسخة تعرف حضور بعض المنتخبات، في غياب تمثيلية من القارة الأفريقية والاسيوية، دون اي مبرر سواء لمن الاتحاد الدولي للكرة او جهة اخرى، يمكن اعتباره إقصاء للقارتين، حيث بعد هذه المرحلة سيعرف العالم تحولات واضطرابات سياسية بسبب الحرب العالمية الثانية.

وبعدها تسلمت ايطاليا مشعل التنظيم حيث كان آنذاك بينيتو أندريا موسوليني رئيس الدولة الايطالية، ومن بين مؤسسي الحركة الفاشية، الذي اعطى طابعا خاصا لهذه الدورة، والذي زرع بقوة جذور السياسة في تربة المونديال، حيث كان يحث على منتخب بلاده على ضرورة إعطاء التحية الفاشية في كل مباراة، كما أنه حول هذا الحدث من طبيعته الرياضية الى فرصة لنشر وتكريس النظام الفاشي الذي يتميز بنزعة قومية عنصرية التي تمجد الدولة وتقدسها.

كان موسوليني في ذلك الوقت قد هدد لاعبو المنتخب الايطالي بالقتل، كما عرفت هذه النسخة تجاوزات بالجملة سواء على مستوى التنظيمي او التحكيمي، بهدف أن تكتب كلمة الفاشية بقلم الديكتاتورية في سجل المونديال، حيث كانت المقولة الشهيرة “الفوز أو الموت” عنوان كأس العالم 1934، كما علق حارس المجر حينها أنتال سزابو على المباراة قائلاً:” لأول مرة لا أكون حزيناً بعد الهزيمة، سمعت أن موسوليني هدد اللاعبين بالقتل، خسرنا المباراة ولكن أنقذنا 11 إنساناً”.

ومن هذه المحطة بالذات اصبح كأس العالم نافذة للحكومات والدول لاكتساب ما يسمى ب”القوة الناعمة” من أجل جذب الانظار وضم الشعوب دون استخدام اي قوة في الاقناع، والانفتاح على باقي الثقافات بالإضافة إلى إعطاء الصورة التي تريد تلك الدولة المستضيفة اعطاءها.
.
نأخد مثال لمونديال روسيا سنة 2018 الذي خصص له مبلغ مالي يقدر بحوالي 13.2 مليار دولار، حيث لم يكن هدف روسيا من هذه التظاهرة الرياضية هو الاقتصاد، وانما تلميع صورتها عبر العالم وذلك عن طريق حسن الاستقبال والتنظيم، كما بينت أنها دولة قادرة على التنافس في جميع المجالات، هذا ما يسمى ب”البراندينغ”.

البراندينغ أصبح عامل اساسي في مثل هذه المناسبات لاعطاء هوية للدولة المستضيفة، وصناعة علامة خاصة بها تميزها عن الاخرين، دولة قطر انفقت حوالي 300 مليار دولار من أجل الانفتاح عن العالم بطريقة مثالية، والتعبير عن افكارها وتوجهاتها، وترسيخ مبادئها الإسلامية والافتخار بعروبتها.

ان هذا البوح المتواضع سوى اقتباس من سلسلة رياضية وسياسية تاريخية، وخليط بين ما هو سطحي وباطني، عوامل ممزوجة أصبحت تطفوا فوق صفيح المونديال، حيث باتت كرة القدم لغة سياسية بامتياز تلعب بها الحكومات كورقة لتجسيد مواقفها الديبلوماسية.

اقرأ أيضاً: