بقلم: عبد السلام اسريفي/الصورة: تعبيرية
في المجتمعات التي تتداخل فيها الأبعاد الدينية والسياسية، تتحوّل بعض المناسبات الدينية الكبرى من فضاءات تعبّد روحي وجمع مجتمعي، إلى ساحات تنافس انتخابي مكتوم أو معلن. ظاهرة لم تعد مقتصرة على دول بعينها، بل باتت ملمحًا عالميًا، لكنها تكتسب في العالم العربي بُعدًا خاصًا بفعل الحضور الكثيف للدين في الحياة العامة.
بين قدسية المناسبة وبراغماتية السياسة
عندما يحضر آلاف أو ملايين المواطنين إلى مواكب عاشوراء، أو حلقات ذكر المولد النبوي، أو موائد إفطار رمضان، فإن هذه التجمعات تصبح مغرية لأي فاعل سياسي يرى في الحشد فرصة ذهبية لبث رسائله الانتخابية. وهنا يبدأ التداخل:
السياسي يرتدي ثوب المتدين، ويحرص على الجلوس في الصفوف الأولى.
الخطب الدينية تتخللها إشارات غير مباشرة إلى “ضرورة دعم الصالحين” أو “من يحافظ على القيم”.
الصور والفيديوهات تنتشر في الإعلام ومواقع التواصل لتُظهر القرب من الناس والدين معًا.
دوافع التحوّل
يرى المراقبون أن هذا السلوك ينبع من ثلاثة دوافع رئيسية:
- القوة التعبوية للدين: المناسبات الدينية تخلق حالة وجدانية عميقة، تجعل المتلقي أكثر تقبلًا للخطاب الموجّه.
- التكلفة المنخفضة نسبيًا: الظهور في مناسبة قائمة أصلاً أقل كلفة من تنظيم مهرجان انتخابي خاص.
- الشرعية الرمزية: ارتباط السياسي بالدين يمنحه هالة من المصداقية لدى شريحة واسعة من الناخبين.
الوجه الآخر للعملة
لكن لهذه الظاهرة كلفة مجتمعية عالية. إذ يؤدي تسييس المناسبات الدينية إلى:
تشويه قدسية الشعائر وتحويلها إلى أدوات دعائية.
تأجيج الانقسامات، خصوصًا إذا كان الحضور الديني مرتبطًا بانتماءات مذهبية أو طائفية.
إضعاف الثقة بين المواطن والمؤسسات الدينية، إذا شعر الجمهور أن المنابر تُستَغل سياسيًا.
أمثلة حية
في بعض الدول، تتحول المواسم الدينية إلى منصة لإطلاق شعارات سياسية أو نقد خصوم انتخابيين.
في دول أخرى، يحرص المرشحون على تمويل موائد رمضان، مع وضع صورهم على اللافتات.
حتى في الأعياد، قد تُستغل المناسبة لاستقطاب الناخبين من خلال توزيع الأكباش وملابس للأطفال وأموال…لتوجيه رسائل “غير انتخابية في الظاهر، انتخابية في الجوهر”.
التحدي: أين ينتهي الدين ويبدأ الصندوق؟
من الصعب رسم خط فاصل حاد، فالدين جزء من الثقافة العامة، والسياسة تتغذى على هذه الثقافة. لكن هناك حاجة ماسّة لميثاق شرف انتخابي وقوانين واضحة تمنع استغلال الشعائر في الحملات. كما أن دور المجتمع المدني والإعلام بالغ الأهمية في كشف هذه الممارسات وفتح النقاش حولها.
خاتمة
المواسم الدينية ملك للجميع، وهي لحظات للسمو الروحي والالتقاء المجتمعي. حين تتحول إلى منصات انتخابية، نخسر جزءًا من معناها الأصلي، وتصبح الأجواء المشحونة بالإيمان ميدانًا لصراع السلطة. التحدي أمامنا هو الحفاظ على نقاء هذه المناسبات، وصونها من التوظيف السياسي الذي يختزل الدين في ورقة انتخابية.

