الرئيسية آراء وأقلام المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات

المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات

1E72AE1B D7BC 46AA 89A6 31815B7942B5.jpeg
كتبه كتب في 29 مارس، 2023 - 5:25 مساءً

من إعداد الطالب الباحث: عادل كتيب

باحث بسلك الماستر 

مقدمة:

شهدت السنوات الأخيرة تطورا كبيرا في ميدان الذكاء الاصطناعي والروبوتيك نتيجة التقدم الهائل في التكنولوجيا ومعالجة المعطيات، وهذا في ظل ظهور ثروة البيانات الضخمةBIG  DATA كفاعل جديد تتميز به الدول المتقدمة عن غيرها. من بين التطبيقات الظاهرة للذكاء الاصطناعي النظام المبرمج لمساعدة الطبيب في المجال الطبي، السيارات الذكية، الوكيل الذكي، الروبوتات وغيرها من التطبيقات التي أصبح لها دورا فاعلا في المجتمعات المتطورة لاسيما منها الولايات المتحدة الامريكية، اليابان والصين، فرنسا وألمانيا. هذه التكنولوجيا الجديدة مثلت نقلة نوعية في المجتمعات المتطورة من حيث توفير الراحة والرفاهية ومساعدة الأفراد في إنجاز مهامهم الاجتماعية والمهنية، لكن في ذات الوقت فتحت الباب على مجموعة من المسائل الفلسفية، والأخلاقية وكذا القانونية.

وقد حاول الانسان منذ القدم أن يطور نفسه من خلال استعماله لأهم ملكة منحها إياه الله سبحانه وتعالى، ألا وهو العقل هذه النعمة ميزته عن الحيوان والاشياء، فكانت قدرته على التفكير والإدراك والتعلم والاستنباط والاستخلاص والحفظ هي مصدر قوته منذ القدم.

لم يعد الذكاء الاصطناعي ضرباً من ضروب الخيال أو حلماً ي ارود البعض، فقد أصبح واقعا ملموساً، خاصة مع ظهور السيارات ذاتية القيادة التي تجول العديد من الشوارع في الدول الأوروبية والعربية وبدون عنصر بشري، والروبوتات الذكية التي تحاكي السلوك البشري فتجمع بين قوة الألةوذكاء الإنسان، والطائرات المسيرة التي تحلق بدون طيار، وغيرها الكثير، فقد دخل الذكاء الاصطناعي جميع القطاعات والمجالات كالصناعة والتجارة والطب والتعليم والخدمات والنقل والعدالة وغيرها، والذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، إذ رغم مزاياه المهمة، ومهما بلغت درجة دقته وتطوره، إلا أنه من المتصور وقوع الأخطاء، وبالتالي وقوع جرائم ناتجة عن أعماله، ومن المحتمل أن يصل مستقبلا إلى درجة من القد ارت تجعله قاد اًر على اتخاذ القرار بالقيام بأفعال

انتقامية أو عدوانية باستقلالية تامة، وأحيانا قد يقوم المبرمجون أو المصنعون أو المالكون أو المستخدمون بارتكاب الجرائم من خلال كيانات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة

البحث عن التكييف القانوني الذي يتناسب مع هذه المعطيات، وإلى أهمية البحث في المسؤولية

الجنائية المترتبة عن أعمال الذكاء الاصطناعي، باعتبار أن المسؤولية الجنائية هي أثر قانوني

مترتب عن جريمة لواقعة يعتد بها القانون، يفرض تحمل الفاعل للجزاء الذي تقرره القواعد الجنائية، إلا أن الطبيعة الخاصة التي يتميز بها الذكاء الاصطناعي طرحت إشكالية حول مدى ملاءمة تطبيق القواعد العامة للمسؤولية الجنائية الناجمة عن أعمال الذكاء الاصطناعي، ما دفع الباحثين إلى الاهتمام والتوجه للمطالبة بوضع تنظيم قانوني خاص بهذه التكنولوجيا، بالمقابل يتخوف البعض من هذه الخطوة، ويدعو لإعمال القواعد العامة الموجودة في القانون، وإدخال بعضالتعديلات عليها فقط.

يمثل الذكاء الاصطناعي تحد جديد للقانون في مستويات عدة وهذا من حيث مدى إمكانية تطبيق القواعد القانونية الموجودة على جميع المسائل القانونية التي يمكن أن يثيرها الذكاء الاصطناعي كالملكية الفكرية، نظام المسؤولية العقدية او التقصيرية الى جانب المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية، حماية المعطيات الشخصية، والمنافسة وغيرها من المسائل التي عالجها القانون بحكم الانسان فاعلا فيها.

حاول العديد من الفاعلين في ميدان الذكاء الاصطناعي لفت انتباه القوانين الى ضرورة العمل بطريقة جدية على خلق قواعد قانونية جديدة خاصة بالذكاء الاصطناعي والابتعاد على تطبيق القواعد التقليدية، وقد بدأت الخطي تسير في هذا الطريق لكن بوتيرة بطيئة نتج عنها تخوف، حيث بادرت السعودية بمنح جنسيتها للروبوت صوفيا سنة 2017، كمت قام البرلمان الاوروبي بإقرار قواعد مدنية خاصة بالروبوتات في مجال المسؤولية وأوصى بمنحها شخصية قانونية خاصة بها، هذا كله بين معارض ومؤيد.

فبيان التكييف القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية في حالة خطأ الذكاء الاصطناعي أصبح أمر ضروري تحتمه متطلبات التقدم التكنولوجي، باعتبار أن المسؤولية الجنائيةلها أثر قانوني يترتب عن الجريمة كواقعة يعتد بها القانون، وبالتالي تحمل الفاعل للجزاء الذي تفرضه هده القواعد القانونية الزجرية. إلا أن تقنيات الذكاء الصناعي تفترض أحيانا وجود أشخاص متدخلين فيه بدأ من الشركة المنتجة، والمالك المستخدم والمستفيد من هده التقنية، مما قد يؤثر في المسؤولية القانونية لهذا الكيان ومن هنا تظهر الطبيعة الخاصة لهدا الذكاء الاصطناعي والذي يكون أحيانا فاعلا للجريمة أو أداة لها في أحيان أخرى. لذا كان من الضروري تطوير القواعد العامة التقليدية للقانون الجنائي بما يتماشىمع التطورات التكنولوجية.

تعتبر تقنيات الذكاء الإصطناعي من أهم ضروريات العصر والتي يجب دمجها داخل المجتمع، حيت تسهل الكثير من الأمور المتعلقة بالحياة البشرية اليومية وتساعد في إنجاز العديد من المهام التي يصعب على الإنسان القيام بها وبكفاءة أعلى من الكفاءة البشرية، كما انها التكنولوجيا الأكثر تطورا في السوق العالمية الأن.

وعند الحديث عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، نجد أنها تعتمد على تخصصات مثل علوم الكمبيوتر

والبيولوجيا وعلم النفس، واللغويات، والرياضيات، والهندسة حيث يتمثل الهدف الرئيسي للذكاء الاصطناعي في تطوير وظائف الكمبيوتر المرتبطة بالذكاء البشري كالتفكير والتعلم وحل المشكلات.

أهمية الموضوع: 

تتمثل اهداف هذه الدراسة في أهمية موضوعها الجديد وهو المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات، فأهمية الذكاء الاصطناعي تشمل العديد من الجوانب، وفعلا وليس من السهل حصرها، وعلينا الاعتراف بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون أكثر قدرة حتى على البحوث العلمية، وقد يتولى عجلة القيادة للوصول الى المزيد من الاكتشافات، وبالتالي سيكون عاملا مهما في تفعيل الابتكار في شتى المجالات من أهمها المجالات الجنائية موضوع الدراسة والتحليل. 

كما ترجع الأهمية في هذا الموضوع الى ضرورة إعطاء الشخصية القانونية لكيانات الذكاء الاصطناعي من اجل الوصول الى مسئوليتهم عن الجرائم المرتكبة، فمع هذا التطور المتسارع لتلك الكيانات من المتوقع ان يرتكب الذكاء الاصطناعي بعض الجرائم بإرادة منفردة بعيدا عن الأوامر البرمجية المعطاة له وبعيدا عن تحكم المالك أيضا. 

فهل يمكن في هذه الحالة إقرار المسؤولية وتوقيع العقاب الجنائي على الذكاء الاصطناعي، أم غير ممكن؟

وفي ظل توجه سياسة الدولة إلى دعم الذكاء الاصطناعي، والتشجيع على التوسع في استخدامه كان لا بذا منا التعرض للمسؤولية الجنائية الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي.

من هذا المنطلق يمكن تقسيم أهمية هذا البحث الى أهمية نظرية واهمية تطبيقية، وذلك على النحو التالي: 

الأهمية النظرية: تتمثل أساسا في التعرف على مفهوم الذكاء الاصطناعي واهميته، وكذلك التعرف على كيفية الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تفعيل كافة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وغيرها.

الأهمية التطبيقية: وتتمثل في مجموعة من التوصيات التي سيوصي بها البحث، والتي يمكن ان يستفاد منها على ارض الواقع لوضع الأسس وتفعيل المفاهيم الجديدة في ظل اعتماد الدولة على الذكاء الاصطناعي. 

إشكالية البحث:

يثير موضوعنا إشكالية غاية في الأهمية يمكن إبرازها من خلال ما يلي: 

مدى تطبيق قواعد المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها الذكاء الصناعي أو الروبوت؟

وتتفرع هذه الإشكالية إلى مجموعة من التساؤلات هي كالاتي: 

✓ هل يمكن مساءلة الروبوت مستقلا كفاعل أصلي للجريمة أم أن مسؤوليته لا تنعقد لانعدام شخصيته القانونية؟ 

✓ وهل يمكن في هده الحالة إسناد المسؤولية لمصنع الروبوت أو مبرمجه أو مستعمله؟ 

✓ وما هو أساس هذه المسؤولية وحدودها؟

✓ ماهي أسباب قيام المسؤولية الجنائية في مجال الذكاء الاصطناعي؟

✓ هل يمكن منح الشخصية الاعتبارية لكيانات الذكاء الاصطناعي؟ 

منهجية البحث:

من المسلم به أن الاجابة عن الإشكاليات التي يثريها هذا الموضوع يستلزم سلوك مجموعة من القواعد العِلمية، بغية الوصول الى المعرفة الحقيقية للموضوع، والخروج بمخرجات والأهداف المتوخى منها، ولتحقيق هذه الغاية العلمية، لابد من اعتماد منهج علمي حكيم، فمن أجل دراسة مختلف الإشكالات التي سبق وأن وضعناها، سلكنا في ذلك:

المنهج التحليلي الدي يسعى الى وصف وتشخيص وتحليلظاهرة جرائم الذكاء الاصطناعي، بالإضافة الى الاشكال الجديدة التي ترتكب من خلالها تلك الجريمة، مع ابراز التطورات العامة للمسؤولية الجنائية في ظل تقنيات الذكاء الاصطناعي.

خطة البحث: 

من خلال طرحنا لإشكالية البحث وتحديد نطاقه، ارتأينا الى يجزئه الموضوع وفق التقسيم الثنائي، حيث نتعرض في المبحث الأول الى الإطار القانوني للمسؤولية الجنائية عن أعمال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ثم نتدرج في دراستنا عن المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات وذلك وفق التصميم التالي: 

المبحث الأولالإطار القانوني لجرائم الذكاء الاصطناعي والروبوتات 
المبحث الثانيعقوبات جرائم الذكاء الاصطناعي والروبوتات

المبحث الاول: الإطار القانوني للمسؤولية الجنائية عن أعمال الذكاء الاصطناعي والروبوتات

يتطلب التقدم السريع لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مواكبته بتطور تشريعي لوضع مبادئ وقوانين تنظم عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، ففي ظل اعتماد العالم على تقنيات الذكاءالاصطناعي في كافة الميادين برزت الحاجة الشديدة والعاجلة إلى وجود تقنين تشريعي لأعمال هذه الأنظمة، وأول من أبدى اهتماماً بهذا الموضوع هو المؤسسات العلمية التي تعمل بمجال أنظمة الذكاء الاصطناعي عبر إصدارها مجموعة من المبادئ الأخلاقية، التي كان لها دور في مساعدة المشرعين، ودفع التطور التشريعي إلى الأمام فيما بعد، بهدف مواجهة خطورة عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على البشرية والحد منها، وسنبحث هاتين النقطتين من خلال مطلبين، نوضح من خلالهما أبرز المبادئ الأخلاقية الناظمة لأعمال الذكاء الاصطناعي، الدولية والعربية، والتطور التشريعي لتنظيم أعمال الذكاء الاصطناعي في التشريعات العالميةعامة والدول العربية خاصة.

للإجابة عن هذه الإشكالات كان من الضروري علينا أن نحصر الحديث عن بعض القواعد الإجرائية والزجرية، بالإضافة الى المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات وأن نتحدث عنها جلها، لكون أن الأنظمة القانونية للذكاء الاصطناعي هي شاسعة، ولا يمكن حصرها مما استدعى الأمر منا في مستهل هذا المبحث ان نقتصر على نظاميين قانونين، ويتعلق الأمر بمفهوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المطلب الأول، في حين نتحدث بعدها عن القواعد الإجرائية الناظمة للمسؤولية عن أعمال الذكاء الاصطناعي والروبوتات الجنائية المطلب الثاني.

المطلب الأول: مفهوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته

تعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي من أهم ضروريات العصر والتي يجب دمجها داخل المجتمع، حيت تسهل الكثير منالأمور المتعلقة بالحياة البشرية اليومية وتساعد في إنجاز العديد من المهام التي يصعب على الإنسان القيام م بها وبكفاءة أعلى من الكفاءة البشرية، كما انا التكنولوجيا الأكثر تطورا في السوق الأن. فالذكاء الإصطناعي لا يقتصر فقط على الكمبيوتر بل يتم إستخدامه في العديد من القطاعات متل الصحة و التعليم و الترفيه والتسويق، وعند الحديث عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، نجد أنها تعتمد على تخصصات مثل علوم الكمبيوتر و البيولوجيا و علم النفس، واللغويات، والرياضيات، والهندسة حيث يتمثل الهدف الرئيسي للذكاء الاصطناعي في تطوير وظائف الكمبيوتر المرتبطة بالذكاء البشري كالتفكير و التعلم وحل المشكلات .

ونجد أن السؤال المتعلق به دائما هو حول إمكانية أن تفكر الألة وتتصرف مثل البشر. وهو الذي دفع المبرمجين إلى تطوير الذكاء الاصطناعي، بقصد خلق ذكاء مشابه للبشر في الألات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، وعليه سنتناول في الفقرة الاولى مفهوم الذكاء الاصطناعي، تم نتناول تطبيقات ومجالات الذكاء الاصطناعي في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: مفهوم الذكاء الاصطناعي وأهدافه

للتعرف على ماهية الذكاء الاصطناعي، لابد من التعرف أولا على مفهوم الذكاء البشري، حيث يعرف الذكاء البشري  HumanIntelligence بأنه المقدرة والمهارة على وضع وإيجاد الحلول للمشكلات باستخدام الرموز، وطرق البحث المختلفة للمشكلات، والقدرة على استخدام الخبرة المكتسبة في اشتقاق معلومات ومعارف جديدة، تؤدي إلى وضع الحلول لمشاكل ما في مجالٍ معين، ويتفاوت مستوى الذكاء من شخص إلى آخر، كما يعتبر الذكاء البشري هو المسؤول عن التطور والإبداع في نمو الحضارات المختلفة. ونظراً لأهمية الذكاء البشري، فإن الإنسان كان ولا يزال دائم البحث عن طبيعة هذا الذكاء وكيف يمكن قياسه ووضع الخطوات لمحاكاة أساليبه في شكل برامج باستخدام الحاسبات.

ولقد اقتصرت دراسة الذكاء البشري لفترة طويلة على علماء النفس، ولكن التقدم السريع في جميع فروع العلوم فيالنصف الأخير من القرن المنصرم، قد أدى إلى مساهمة وتلاحم علوم كثيرة في دراسة ومحاكاة نظم الذكاء الإنسانيوتطويرها، فلقد راود الباحثين الأمل في انتقال أساليب الذكاء الفطري والخبرة المكتسبة للإنسان إلى نظم البرمجةللحاسبات لكي يمكن الاستفادة منه في كثير من شتى مجالات الحياة المختلفة، والتي تتطلب قدرا من الذكاء والخبرةاللازمة لمسايرة التطور في التطبيقات الصناعية والزراعية والتجارية.

– تعريف الذكاء الاصطناعي 

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه: “أحد أفرع علوم الكمبيوتر المعنية بكيفية محاكاة الآلات لسلوك البشر، فهو علم إنشاء أجهزة وبرامج كمبيوتر قادرة على التفكير بالطريقة نفسها التي يعمل بها الدماغ البشري، تتعلم مثلما نتعلم،وتقرر كما نقرر، وتتصرف كما نتصرف”.

ويعرف الذكاء الاصطناعي بأنه: “هو ذلك الفرع من علوم الحاسوب، الذي يمكن بواسطته خلق وتصميم برامجالحاسبات التي تحاكي أسلوب الذكاء الإنساني لكي يتمكن الحاسب من أداء بعض المهام بدلاً من الإنسان، والتي تتطلبالتفكير والتفهم والسمع والتكلم والحركة بأسلوب منطقي ومنظم”. وترجع بدايته إلى التحول من نظم البرمجة التقليديةبعد الحرب العالمية الثانية إلى استحداث برامج للحاسبات تتسم بمحاكاة الذكاء الإنساني في إجراء الألعاب ووضعالحلول لبعض الألغاز، والتي أدت بدورها إلى نظم أكبر للمحاكاة، والتي تبلورت بعد ذلك وأصبحت نظماً للذكاء

الاصطناعي.

ويعرف الذكاء الاصطناعي بأنه: “دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها”، في حين يعرفه “جون مكارثي” الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955م بأنه: “علم وهندسة صنع ألات ذكية”.

وهو الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلموالاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، وهو كذلك اسم المجال أكاديمي يعني بكيفية صنع حواسيبوبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي.

كما يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه: “محاكاة لذكاء الإنسان، وفهم طبيعته عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء، ويوجد الذكاء الاصطناعي حالياً في كل مكان حولنا، بدايةً من السياراتذاتية القيادة والطائرات المسيرة بدون طيار وبرمجيات الترجمة أو الاستثمار وغيرها الكثير من التطبيقات المنتشرة في الحياة”.

الفقرة الثانية: تطبيقات ومجالات الذكاء الاصطناعي

إن الذكاء الاصطناعي هو عملية محاكاة الذكاء البشري عبر أنظمة الكمبيوتر، وتتم من خلال دراسة سلوك البشر عبر إجراء تجارب على تصرفاتهم ووضعهم في مواقف معينة ومراقبة رد فعلهم ونمط تفكيرهم وتعاملهم مع هذه المواقف، ومن ثم محاولة محاكاة طريقة التفكير البشرية عبر أنظمة كمبيوتر معقدة، ومن ثم فلكي تتسم آلة أو برمجية بالذكاء الاصطناعي لابد أن تكون قادرة على التعلم وجمع البيانات وتحليلها واتخاذ قرارات بناء على عملية التحليل هذه، بصورة تحاكي طريقة تفكير البشر. هدا ما جعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتنوع و تتشعب حسب مجالات مختلفة تختلف وتتعدد تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمحاولة منها لمحاكاة الذكاء البشري، لاسيما في مجال تحليل بيانات الصوت و الصورة وتحديد اللغة، لتصل حتى إلى مجالات التعلم العميق ليصبح الذكاء الاصطناعي قابل لتطوير تقنياته بطريقة ذاتية قد تتجاوز الذكاء البشري أحيانا .

– تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال تحليل البيانات:

من أهم تقنيات الذكاء الاصطناعي توليد اللغة والنصوص الطبيعية من البيانات، والتعرف على الصوت والصورةوالأشكال والعملاء الافتراضيين، ومنصات “تعلم الألة”، وإدارة القرارات، ومنصات “التعلم العميق”، والقياساتالحيوية وغيرها من التقنيات الأخرى.

وبدأ الاستخدام الواسع الانتشار لهذه التقنيات في حياتنا اليومية في العديد من الألات المختلفة، حيث تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم في العمل الحكومي وتقديم الخدمات الحكومية، وفي الصناعة، والتحكم الآلي والنظمالخبيرة والطب والتعلم والألعاب وغيرها من الألات الأخرى .

وتشهد العديد من دول العالم استخداماً متصاعداً للروبوتات التي يتم توجيهها عن بعد، والتي تعد من المراحل الأساسيةالمهمة في اتجاه تطوير “الأسلحة ذاتية التشغيل”، والمستقلة تماماً، حيث تمتلك الولايات المتحدة مثلاً حوالي 20 ألف وحدة من الأسلحة القاتلة ذاتية التشغيل، تقوم هذه الأسلحة بعدة أدوار، تتمثل في جهود الرقابة والرصد المستمرة، وإطلاقالنيران، وحماية القوات، بالإضافة إلى مواجهة العبوات الناسفة، وتأمين الطرق، والإسناد الجوي عن قرب.

وانتشر استخدام الروبوتات التي عوضت اليد العاملة البشرية في الأعمال المكررة والتي تتطلب الدقة، وفي الأعمالالخطيرة التي لا يمكن للبشر القيام بها، وفي الطب كتشخيص الأمراض وإجراء الجراحات الدقيقة جداً مثل جراحات العيون.

المطلب الثاني: القواعد الإجرائية الناظمة للمسؤولية عن أعمال الذكاء الاصطناعي والروبوتات

تترتب نتائج جرمية على أعمال كيانات الذكاء الاصطناعي،وذلك بسبب التطور التكنولوجي الذي طرأ ويطرأ عليها كل يوم، ودخولها في مجالات الحياة المتنوعة، حيث قدمت البرمجة المتطورة للآلات التي تعمل بأنظمة الذكاء الاصطناعي قدرات قد تصل خطورتها إلى درجة تمّكن هذه الآلات من التعلم الذاتي والتزود بقدرات تمكنها من اتخاذ قرارات في مواجهة المواقف التي تتعرض لها، دون الاستعانة بتدخل البشر، وقد يكون من نتائج هذا القرار قيامها بأعمال يترتب عليها نتائج جرمية تمس أمن المجتمع وسلامته.

والعدالة تفترض أمام ارتكاب جريمة تمس أمن المجتمع وسلامته، أن تبدأ السلطات بمباشرة إجراءات

الملاحقة والتحقيقات والشكوى وما يستتبع ذلك من ادعاء ومحاكمة بحق الجاني، والتساؤل المطروح هنا، هل القواعد التي ينظمها قانون الاجراءات الجنائية تنطبق على الجرائمالناجمة عن أعمال الذكاء الاصطناعي؟

سنحاول الإجابة عن ذلك من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين اساسيتين سأتحدث في الفقرة الأولى عن الجرائم الناجمة عن أعمال الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة، فين حين سأخصص الفقرة الثانية للحديث عن الجرائم الناجمة عن أعمال الطائرات المسيرة عن بعد.

الفقرة الأولى: الجرائم الناجمة عن أعمال الروبوتات والسيارات الذكية ذاتية القيادة

تعتبر الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة من أشهر وأهم كيانات الذكاء الاصطناعي، التي نالت

اهتماما واسعا وإعجابا كبيرا بتقنياتها، إلا أن هذه الكيانات رغم أهميتها وشهرتها ومنافعها، قد يصدر عنها أعمال يمكن تصنيفها كجرائم، لما ينجم عنها من مسا بأمن الدولة والفرد.

قبل التعرض للجرائم الناجمة عن أعمال الروبوتات نقدم لمحة عن آلية عملها وأنواعها، فقد تعددت تعريفات الروبوت، فحسب ما ورد في قاموس  Larousseالالكتروني فإن الروبوت هو جهاز آلي قادر على التعامل مع الأشياء أو إجراء العمليات وفقا لبرنامج ثابت أو قابل للتعديل، كما يمكن تعريف الروبوت حسب ما ورد في قاموس المصطلحات بأنه آلة أوتوماتيكية مسخرة ومتعددة الاستخدامات، قابله للبرمجة، وبالنظر إلى تمتعها بالمرونة الميكانيكية فلها القدرة على العمل بصورة مستقلة لتنفيذ الأعمال المختلفة التي تتطلب قدرات خاصة، مثل تحريك العضلات من أجل القيام بالوظائف الحركية للإنسان.

ويتجلى الهدف الأساسي من علم الروبوت في بيان كيفية قيام نظام تكنولوجي مادي بمهمة يقوم بها

البشر، ولكن في وقت أقل وجهد مختصر وبشكل أمثل، كما يهدف إلى الدخول في جميع مجالات

ونواحي الحياة لدعم القوى البشرية والقيام بعملية الإنتاج وإرسال هذه الآلات للعمل في بيئات خطيرة لا يمكن للإنسان العمل بها وصولا للفضاء وأعماق البحار، فضلا عن استخدامها في مجالات الصحة والدفاع وأعمال وخدمات أخرى.

أولا: بعض أنواع الروبوتات

1- الروبوتات التشغيلية: وتستخدم هذه الروبوتات في العمليات الخطرة، ويتم التحكم بها عن بعد، وتستخدم هذه الروبوتات للبحث عن المعادن والمناطق المعرضة للانهيار والمناطق الملغومة أو ذات الإشعاع العالي.

2- الروبوتات الصناعية: تستخدم هذه الروبوتات لإنجاز مهام معينة بكفاءة أكثر وبشكل

مها أسرع مما يستطيع الإنسان، فهي تساعد في تحسين مستوى الإنتاج وكفاءته من خلال استخدام

لأتمته العمليات، ما يقلل الوقت اللازم لمراقبة الجودة وزيادة الإنتاج.

3- الروبوتات التعليمية: تستخدم هذه الروبوتات في المجال التعليمي، وخصوصاً في تعليم الأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة، وقد تم استخدام روبوتات للتعليم في كاليفورنيا لمساعدة المعلم في تعليم الأطفال الغناء ونطق الكلمات.

4- الروبوتات الطبية: شّكل استخدام الروبوتات في القطاع الطبي قفزة مهمة وأوجد مجالا

واسعاً للاستفادة من هذه التقنيات، وتم إدخالها إلى المستشفيات في العام 2000 بموافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، حيث استخدمت للمساعدة في إجراء العمليات الجراحية أو القيام بها،

وأثبتت فائدتها في التخفيف من آثار الجروح والآلام وفقدان الدم أثناء العمليات، كما تم استخدام.

5- الروبوتات المستخدمة في ميدان العدالة والشرطة:استخدمت الروبوتات في ميدان مكافحة الجريمة، فساعدت رجال الشرطة والأمن في الكشف عن أماكن اختباء المجرمين وفحص السيارات المفخخة، كما استخدمت في تنظيم حركة المرور. 

6- الروبوتات العسكرية: تم استخدام الروبوتات العسكرية في مجال الحروب بهدف التقليل من حجم الخسائر البشرية، فقد استخدمت في إزالة الألغام وعمليات المسح والتجسس والمراقبة والتصوير الليلي، حيث تجمع المعلومات وتدرسها وتحللها، وذلك كله من خلال جهاز تحكم عن بعد.

ثانيا: نماذج من الجرائم الناجمة عن أعمال الروبوتات

رغم العديد من المزايا والخصائص التي تتصف بها الروبوتات إلا أن الواقع العملي أثبت إمكانية

قيامها بأعمال قد ينجم عنها نتائج جرمية، وخصوصا ما يسمى بالروبوتات المستقلة القاتلة، ويمكن

القول إن الجرائم الأكثر شيوعا الناجمة عن أعمال الروبوتات هي القتل، فقد حدث بالفعل العديد من عمليات القتل كان المتسبب فيها روبوت.

الفقرة الثانية: الجرائم الناجمة عن أعمال الطائرات المسيرة عن بعد.

الطائرة المسيرة أو الطائرة بدون طيار أو الدرون أو الزنانة كلها تسميات لمعنى واحد، وهي طائرة توجه عن بعد، أو تبرمج مسبقاً لطريق تسلكه، يتحكم فيها أشخاص على الأرض وتكون مجهزة مها

بأدوات تسمح لها بأداء المهام المطلوبة، وقد تكون مجهزة بكامي ارت وقذائف وأجهزة لاستخدام

في أهداف معينة، وقد شكلت صناعة الطائرات المسيرة ثورة نوعية، حيث أصبحت الدول

والمنظمات والشركات أمام صناعة قدمت لها أدوات فعالة في أداء المهام بكل فاعلية واحتراف

وسلامة عالية، مع إمكانية توفير في خسارة الأرواح البشرية والأموال.

وأول ما ظهرت فكرة الطائرة بدون طيار كان في الحروب والنزاعات المسلحة، وذلك بغرض القيام بعمليات المراقبة والاستطلاع، وأول التجارب العملية كانت في انكلترا سنة 1917، وأول استخدام عملي لها كان في حرب فيتنام، وتم استخدامها في حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973.

رغم المزايا التي تتسم بها الطائرات المسيرة والفوائد التي تحققها، إلا أن المخاطر والجرائم الناجمة عنها باتت ت ازحم الفوائد، وخاصة في الميدان العسكري، حيث أصبح الاعتماد على الطائرات المسيرة في النزاعات المسلحة في متناول اليد من قبل أغلب الدول التي تشهد ساحاتها نزاعات مسلحة، نذكر من ذلك اليمن مثلاً، حيث استطاعت إحدى الجماعات استهداف شركة أرامكو في عمق الأراضي السعودية بالطائرات المسيرة ما تسبب بخسائر كبيرة أوقفت الشركة عن العمل وأثرت على الانتاج العالمي من النفط بانخفاض يقارب%6، بطريقة ذاتية دون أي تدخل بشري مباشر، ورغم أن هذا التطور لم يحصل بعد، وربما لن يكون في المستقبل القريب، إلا أنه في حال تحققه سيكون له مخاطر جمة على الأمن والسلم العالميين.

ولم تظهر الانتهاكات باستخدام الطائرات المسيرة في مجال الحروب فقط، وإنما كانت مجالاً لتسهيل ارتكاب المجرمين لجرائمهم أيضا.

المبحث الثاني: عقوبات جرائم الذكاء الاصطناعي

يعد مبدا الشرعية الجنائية هو الأساس في القانون الجنائي، فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، حيث لا نستطيع تجريم سلوك، ولا نستطع معاقبة شخص على فعل ارتكبه إلا إذا كان مجرما في القانون، ولذلك فإن مواكبة كافة التشريعات للتطور في الذكاء الاصطناعي ضرورة ملحة، فهناك أنواع جديدة من الجرائم والتي عرضناها في بحثنا هذا تحتاج الى تدخل تشريعي من أجل تجريمها ووضع عقوبات بشأنها.

وتعد المسؤولية الجنائية بالنسبة لجرائم الذكاء الاصطناعي معقدة بعض الشيء، فهناك أربعة أطراف ترتبط بهم المسؤولية الجنائية في هذا النوع من الجرائم وهم: “المصنع لتقنية الذكاء الاصطناعي، والمالك، والذكاء الاصطناعي نفسه، او طرف خارجي غير هؤلاء الثلاثة” ويجب دراسة كل جريمة بدقة لمعرفة المسؤول الحقيقي عن الجريمة المرتبكة من طرف الذكاء الاصطناعي.

وللحديث عن العقوبات المتعلقة بجرائم الذكاء الاصطناعي نرى انه من الأفضل تقسيم هذا المبحث الى مطلبين اساسين نتناول في المطلب الأول المسؤولية الجنائية للمصنع وللمالك، في حين سنعرج الحديث عن المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي نفسه في المطلب الثاني.

المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للمصنع وللمالك وللذكاء الاصطناعي نفسه

تعتبر المسؤولية الجنائية لمصنع الذكاء الاصطناعي أهم ما يثار عند ارتكاب هذا الأخير لأي سلوك يشكل جريمة طبقا للقانون، وبالتالي كان بحث المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات ضرورة ملحة لتوضيح مدى دوره في المسؤولية الجنائية، حيث يقوم بحماية المصنع نفسه من خلال بنود يذكرها في اتفاقية الإستخدام والتي وقع عليها المالك، وتحمي المالك وحده من المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة من خلال هذا الكيان الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، وتخلى مسؤولية المصنع عن أي جريمة ترتكب من قبله.

ومما لا شك فيه أن الوضع التشريعي الحالي بات لا يواكب التطور المتلاحق في نظم الذكاء الاصطناعي، ويتضح ذلك

جليا في الفرضية التالية: على فرض أن الروبوت ارتكب إحدى الجرائم المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية وهذا فرض وارد لا محالة، كجريمة القتل مثلا، فإن هناك تساؤلات عديدة تفرض نفسها أهمها، كيفية التحقيق مع الروبوت، بما في ذلك سؤاله واستجوابه، وتفتيشه، ومعاينة مسرح الجريمة، ورفع بصمات الروبوت، وتحليلها، والحصول على الدليل الجنائي الذي هو محور اهتمام العدالة الجنائية، وكذلك حضور الجلسات، والحبس المؤقت والكفالة، وعناصر الركن المادي للجريمة المتمثلة في السلوك الإجرامي للروبوت، والنتيجة الإجرامية لفعل الروبوت، وعلاقة السببية بين السلوك الإجرامي للروبوت والنتيجة الإجرامية، والركن المعنوي للجريمة بما في ذلك إرادة ارتكاب الجريمة والعلم بعناصرها، وهل ينسب للروبوت عنصر الإرادة والعلم بالجريمة؟ وهل الروبوت هو المسؤول مباشرة أم هناك شخص آخر مسؤول؟

وقواعد المساهمة الجنائية في جرائم الروبوت، والدفاع عن الروبوت، والظروف المخففة والمشددة، والأعذار القانونية، وإجراءات المحاكمة والتحقيق النهائي، وتنفيذ العقوبة، وهل الروبوت هو من سينفذ العقوبة أم هناك أشخاص آخرون سيتم التنفيذ عليهم، وقواعد الإسناد والمسؤولية الجنائية؟ أليست هذه تساؤلات باتت الإجابة عليها عصيبة في ظل التشريعات الجنائية القائمة التي شرعت من أجل الإنسان البشري، وليست من أجل الإنسان الآلي.

وفي دراستنا هذه سنحاول تأصيل المسؤولية الجنائية للمصنع وذلك في الفقرة الأولى، ثم الحديث عن المسؤولية الجنائية للمالك في الفقرة الثانية، ثم سنعرج الحديث في الفقرة الثالثة عن المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي نفسه.

الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية للمصنع  

يسأل مالك المصنع عن عيوب الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي الناتجة عن سوء التصنيع التي أدت إلى ارتكاب الجريمة، مثال على ذلك الأجهزة الذكية المسؤولية عن تحريك المريض بشكل خاطئ أدى إلى تفاقم حالته الصحية، أو حالة اهمال الشركة المصنعة للألات الذكية الصيانة مما نتج عنه إصابات او جروح للمشغلين، وفي هذه الأمثلة لا يسأل المشغل أو المستخدم أو العامل لأنه الخطأ من عيوب الصيانة.

ولكن قد تحدث الجريمة نتيجة خطأ برمجي من مبرمج برنامج الذكاء الاصطناعي والروبوتات، فقد يحدث أن يصدر المبرمج تقنية الذكاء الاصطناعي بأخطاء تسبب مسؤولية جنائية.

وبالتالي يكون مسؤولا عنها جنائيا، ويجب التفرقة بين تعمد سلوكه هذا ام لا، حتى يتبين معرفة وقوع الجريمة عن طريق العمد أم عن طريق الخطأ لاختلاف العقوبة المقررة لكل منهما. 

يجب على المصنع او المنتج ان يراعي معايير محددة من أهمها توافر الأمان والسلامة، بالإضافة إلى توافقها مع قيم وتقاليد مجتمعنا، ومن أشهر المنتوجات التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي ولا تتوافق مع قيم وتقاليد مجتمعنا “الدمية الجنسية”، ولذلك يجب وجود ضوابط تحدد موصفات وشروط المنتج الذي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأن فتح الباب على مصرعيه بدون ضوابط يحول تلك التكنولوجيا من نعمة على المجتمع الى كارثة تهدد أمن وسلامة الموطنين.

كما يجب وضع معايير تحمي من الغش التجاري الذي قد يرتكبه المصنع، وتضمن حماية كافية للمستهلك، حتى يحصل على منتج يتمتع بمعايير كافية من الجودة والأمان.

ونظرا لما تشكله التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خطورة كبيرة بسبب اعتمادها على التعلم الذاتي واتخاذ قرارات فردية وتنفيذها وغيرها من القدرات التي تتمتع بها تلك التكنولوجيا، كما يجب أيضا ان تسن تشريعات بصورة عاجلة تنظم حقوق وواجبات المصنع الذي ينتج برمجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والألات التي تعمل بها.

حيث أن الهدف الأسمى والرئيسي لأي منتج هو تحقيق أعلى ربح ممكن، دون مراعاة لأي ابعاد أخرى أو أضرار قد يحدثها عدم مراعاة الجودة في منتحه، ان دور التشريعات هو تحديد المعايير التي يجب توافرها في تلك المنتجات بالإضافة الى تغليظ العقوبات التي توقع عليه عند ارتكابه لأي سلوك مجرم في تلك القوانين.

كما يجب الإشارة الى نقطة غاية في الأهمية والمتمثلة في التأكيد على احترام الخصوصية، وحقوق الملكية الفكرية، وهما الأكثر تعرضا للإنتهاك في ظل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وانتشارها، ومن وجهة نظري المتواضعة على أن السبيل الوحيد لحمايتهم هو سن قوانين تجرم التعدي عليهم او انتهاكهم من المنبع أي من المنتج تقنيات الذكاء الاصطناعي.

والجدير بالذكر على أن دولة الإمارات العربية قامت بإصدار قانونا اتحاديا بشأن تطوير تشريعات تنظم وتساعد على المضي قدما والتوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال مختبر التشريعات.

الفقرة الثانية: المسؤولية الجنائية للمالك

يعتبر المالك أو المســتخدم طرفا هاما بســبب علاقته المباشـــرة مع كيان الذكاء الاصـــطناعي، كونه على تواصـــل معه ويتمتع بتقنياته ويســـتفيد منها، لذا من المتوقع أن يســيء اســتخدامه لمصــالحه الشــخصــية، ما يرتب حدوث جريمة يعاقب عليها القانون، ويمكننا وضع تصورات لحدوث الجريمة من قبل المالك من خلال الصور التالية:

1- حدوث النتيجة الجرمية بســــــــبب فعل المالك أو المســــــــتخدم وحده، ولولا هذا الفعل لما وقعت الجريمة، فهنا تتحقق مسؤولية المالك كاملة، مثال ذلك أن يعطل مالك المركبة ذاتية القيادة جهاز التحكم الآلي فيها ويبقي على التوجيهات الصــوتية، فإذا أصــدرت الآلية توجيهاً للقيام بأمر معين لتجنب الحادث ولم ينفذ المســــــتخدم أو المالك فهنا يعتبر هو المســــــؤول، وتقوم مســــــؤولية المالك عن جريمة غير عمدية.

2- حدوث النتيجة الجرمية بسبب فعل المالك أو المستخدم بالاشتراك مع طرف آخر، مثال ذلك أن يقوم مســـــتخدم الســــــيارة ذاتية القيادة أو مالكها بتغيير برمجيات التشـــــغيل بهدف ارتكاب جريمة كالدهس، وإلصاق المسؤولية بالمصنع، فهنا تقوم مسؤولية المالك عن جريمة قصدية.

وفي هذا المجال نذكر ما أفرزته التكنولوجيا من الروبوتات القاتلة والتي يمكن اعتبارها من الجيل القادم من الأســلحة في الترســانات العســكرية، وهي آلات قادرة على اختيار أهداف وتدميرها بدون تدخل بشـــري، وهنا يطرح الســـؤال: هل يتحمل القائد العســـكري المســـؤولية في حال انتهكت هذه الروبوتات قوانين وأع ارف الحرب؟ ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار القائد العســـكري (المســـتخدم) هو المسؤول عن استخدام هذه الروبوتات ومن ثم هو من يتحمل المسؤولية في حال حدوث خطأ جســـــــيم من جانبه، وبالتالي تترتب مســـــــؤوليته عن جريمة غير عمدية، لأنه يتوجب عليه معرفة قوانين التشـــغيل والتحكم بالروبوت الذي لا يعرف الخطأ من الصـــواب، أما إذا توافر لديه القصـــد الجنائي فتترتب مســـــؤوليته عن جريمة عمدية، لأن القول بغير ذلك وتحميل المســـــؤولية للروبوت

القاتل استنادا إلى خطأ أو حادث سيفتح المجال أمام القادة العسكريين (المستخدمين) للتذرع بهذه الحجج لارتكاب المزيد من الاعتداءات ، فمن باب العدالة مســـاءلة القائد العســـكري (المســـتخدم) الذي يصـدر تعليماته إلى روبوت لإطلاق النار على هدف عسـكري ثم يتضـح أنها مدرسـة، حتى لا يســــــتمر القادة العســـــكريين بارتكاب هذه الانتهاكات لعدم وجود جزاء جنائي رادع ، كما يمكن القول بمســـاءلة مصـــنع الروبوتات القاتلة إضـــافة إلى ذلك اســـتناداً إلى ســـبب برمجتها لارتكاب جرائم.

الفقرة لثالثة: المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي نفسه

إن مسألة الحديث عن ارتكاب الذكاء الاصطناعي لجريمة من تلقاء نفسه بدون خطا برمجي ونتيجة لحدوث تطور ذاتي في نظام الذكاء الإصطناعي الذي يعمل به أصبح أمرا ممكنا في الوقت الحالي و أكبر مثال على ذلك أنه في عام 1981تم قتل موظف ياباني في مصنع للدراجات النارية يبلغ من العمر  37عاما على يد روبوت ذكاء اصطناعي كان يعمل بالقرب منه، حيث قد حدد الروبوت بشكل خاطئ الموظف على أنهتهديد لمهمته، وبحسب أن الطريقة الأكثر فعالية للقضاء على هذا التهديد هو من دفعه إلى آلة تشغيل مجاورة باستخدام ذراعه الهيدروليكي القوي للغاية، وقد حطم الروبوت العامل المفاجئ في آلة التشغيل، وقتله على الفور، ثم استأنف مهامه من دون أن يتدخل أحد.

فارتكاب الجريمة من قبل الذكاء الإصطناعي بنفسه بدون خطأ برمجي من المصنع أو تدخل أي طرف، وذلك عن طريقتقنيات حديثة تمكن الذكاء الإصطناعي من التفكير وإصدار قرارات ذاتية، يكون هو وحده المسؤول عن إصدارها ففي هده الحالة من المفترض أن تكون المسؤولية الجنائية واقعة على الذكاء الإصطناعي وحده. 

وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال هام يتمحور حول إمكانية توقيع عقوبة ذات طابع زجري على كيانات الذكاء الإصطناعي .

يعتبر دربا من الخيال في الوقت الحالي الحديث عن ارتكاب الذكاء الاصطناعي لجريمة من تلقاء نفسه بدون خطأ برمجي نتيجة حدوث تطور ذاتي في نظام الذكاء الاصطناعي الذي يعمل بها والقادر على التفكير وإصدار قرارات، ولكن ذلك قد يحدث في المستقبل القريب ولذلك يجب وضع هذه الاحتمالية والتفكير بها ووضع حلول لها من الان.

يمكننا القول إنه في الوقت الحالي ورغم التطور الذي وصلت إليه كيانات الذكاء الاصطناعي إلا انها لم تصـــل بعد إلى الدرجة التي تمكنها من اتخاذ القرارات، ومن جعلها المســـؤولة الوحيدة عن الخطـأ غير العمـدي النـاجم عن أعمـالهـا، على الأقـل في الوقـت الحـالي، ليس من بـاب أنهـا غير أهل لذلك، وإنما من باب أنه لا يمكن تصـــور ارتكاب جرم من قبلها بدون اشــــتراك أطراف أخرى كالمصـــــنع أو المالك أو المســـــتخدم أو طرف خارجي آخر، وبدوافع مختلفة، إلا أنه اســـــتشـــــرافا نســـبيا للمســـتقبل، البعيد ، فإن احتمال أن يصــــل كيان الذكاء الاصـــطناعي إلى هذه الاســــتقلالية

بارتكاب الجريمة بذاته بدون اشت ارك أحد، مسألة محتملة مرتبطة بما يفرزه التطور والخيال العلمي. 

المطلب الثاني: عقوبات جرائم الذكاء الاصطناعي والروبوتات

يثار في هذا الصدد التساؤل عن الجزاءات الجنائية التي يمكن أن تفرض على كيان الذكاء الاصطناعي، هل هي ذات الجزاءات الجنائية التقليدية المفروضة على الإنسان، أم انها عقوبات جنائية خاصة بها؟ أثيرت هذه الأسئلة عندما تم الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للشركات، وكانت الإجابة بسيطة بوضع تشريع قانوني خاص بها يفرض عقوبات تتناسب مع طبيعتها، واستنادا إلى مبدأ شرعية التجريم والعقاب الذي ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق، فلا يمكن تجريم فعل أو معاقبة شخص على فعل ارتكبه دون نص صريح، والجزاءات الجنائية التقليدية وإن كانت لا تناسب طبيعة كيانات الذكاء الاصطناعي إلا أن الجزاءات شأنها شأن أي موضوع من موضوعات يتم وضع قانون ينظم المسؤولية الجنائية لكيانات الذكاء الاصطناعي.

بما أن روبوتات الذكاء الاصطناعي وبرامج الذكاء الإصطناعي أصبحت تستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات في الصناعة، وفي الخدمات العسكرية، وفي الخدمات الطبية وفي العلوم، وحتى في الألعاب، وغيرها من الألات ذات الصلة ولفرض المسؤولية الجنائية بات التفكير في إمكانية توقيع الجزاء الجنائي على هده الكيانات وتحديد قواعد فرضها، أي ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يتحمل المسؤولية الجنائية عن جريمة معينة ارتكبت في نقطة زمنية محددة.

وفي دراستنا هذه سنحاول تفصيل وتحليل العقوبات الجنائية المقترحة بحق مبرمجي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات وذلك في الفقرة الأولى، ثم الحديث عن الجزاءات الجنائية المقترحة بحق مالكي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات في الفقرة الثانية، ثم سنعرج الحديث في الفقرة الثالثة عن الجزاءات الجنائية المقترحة بحق مالكي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات.

الفقرة الأولى: العقوبات الجنائية المقترحة بحق مبرمجي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات

يعتبر المصنع أو المبرمج هو منتج كيانات الذكاء الاصطناعي، ويمتلك التحكم في أنظمة التشغيل، التي يجب أن توضع ضمن ضوابط معينة، وأن تضمن توفر معايير السلامة والأمان في صنعها، وعدم إطلاق الحرية الكاملة لها بدون ضوابط عند تصنيعها، وهذه الضوابط من المفروض أن تصدر بقوانين تلزم المصنع بإدراجها في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتجرمه في حال أخل بالتزامه، وتحمل المصنع أو المبرمج المسؤولية الجنائية في حال وقوع جرائم من قبل كيانات الذكاء الاصطناعي بسب الإخلال بهذه الضوابط.

ونرى أن العقوبات التي يمكن أن تفرض على المصنع في حال ترتيب مسؤوليته الجنائية عن الجرائم الناجمة عن أعمال كيانات الذكاء الاصطناعي استناداً إلى إخلاله بالضوابط المفروضة عليه لا تتعارض مع طبيعة الجزاءات التقليدية المنصوص عليها في قانون العقوبات، كونها واقعة على عنصر بشري لا على ألة، فليس هناك من مانع يحول دون توقيع جزاءات كالإعدام، أو السجن المؤبد، أو المؤقت، أو الحبس، أو الغرامة، أو اتخاذ التدابير الاحترازية كالمصادرة والقفل وغيرها، وذلك حسب جسامة الجريمة ودرجة الخطورة والضرر الحاصل.

ولذلك نوصي بتعديل التشريعات الحالية أو سن تشريع جديد مختص بجرائم الذكاء الاصطناعي، لكي ينص على العقاب بالنسبة لمصنع الذكاء عند انتهاكه لمعايير الجودة والأمان المفروضتين عليه من قبل القانون، بجانب تجريم تلك التقنيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قبل تجريمها، والتأكد من جميع إمكاناتها وحدودها.

الفقرة الثانية: الجزاءات الجنائية المقترحة بحق مالكي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات

إن المالك أو المستخدم لأنظمة الذكاء الاصطناعي هو المستفيد منها عملياً، ويمكن القول إنه هو المسؤول مبدئياً عن الجرائم التي ترتكبها هذه الأنظمة، حيث إن الجرائم المرتكبة من قبل كيانات الذكاء الاصطناعي غالبا ما تحدث إن صح القول إما نتيجة إهمال من قبل المالك أو المستخدم أو بتدخل منه في أنظمتها، وفق ما يلي:

1- بألا يراعي المالك أو المستخدم إرشادات السلامة والأمان المرفقة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، فيؤدي إهماله إلى أن تنتج عن أعمال كيانات الذكاء الاصطناعي جريمة جنائية.

2- وإما أن تحدث الجريمة بتدخل من المالك أو المستخدم لكيانات الذكاء الاصطناعي، وهذا التدخل قد يكون نتيجة فعله الخاطئ، بإعطاء أمر أو تعطيل وظيفة، ما يؤدي إلى ارتكاب جريمة، أو يكون فعله عن قصد بهدف ارتكاب الجريمة.

وفي جميع هذه الأحوال لا مانع من فرض جزاءات تناسب كل حالة على حدة، ويختلف الحكم فيما لو كان تدخل المالك أو المستخدم قصداً أم خطأً أو بسبب إهماله، ويمكن ألا تختلف هذه العقوبات الجنائية التقليدية المفروضة في القانون الجنائي كونها واقعة على عنصر بشري كما سبق وبينا.

يتمتع المالك او المستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بمميزات تلك تلك التقنيات، وبمجرد انتقال ملكيتها له فهو مسؤول عنها وعن الجرائم التي ترتكب من قبل تلك التقنيات، ولكن يجب التفرقة بين فرضيتين: 

أولا: الجرائم التي تحدث من تقنيات الذكاء الاصطناعي نتيجة تدخل أو اهمال من قبل المالك أو المستخدم.

تعد هذه الجرائم هي الصورة الواقعية الأن، فغالبا ما تحدث جرائم تقنيات الذكاء الاصطناعي نتيجة تدخل خاطئ من مالك تلك التقنيات، وبسبب عدم معرفته لطريقة التعامل مع تلك التقنيات وتشغيلها، فيعطي لها أمرا او يعطل عنها وظيفة أمان موجودة بها، لينتج سلوكه هذا جريمة جنائية، ففي هذه الحالة يجب أن توقع العقوبة على مالك هذه التقنية لأن سلوكه هو الذي أحدث تلك النتيجة الإجرامية وتوافرت علاقة سببية بين السلوك والنتيجة وهذه العناصر الثلاثة تشكل الركن المادي للجريمة، بجانب الركن المعنوي والذي يتم بحثه لكل حالة منفصلة فيختلف الحكم إذا ارتكب المالك ذلك السلوك عن قصد جنائي أو عن خطأ غير عمدي، حيث تختلف العقوبة المقررة لكيلهما.

ثانيا: الجرائم التي تحدث من تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات ذاتيا بدون أي تدخل خارجي.

الفقرة الثالثة: الجزاءات الجنائية المقترحة بحق كيانات الذكاء الاصطناعي

إن اقتراح فرض جزاءات جنائية بحق كيان الذكاء الاصطناعي يفترض أن تنجم جرائم عن أعماله بناًء على تطوره الذاتي وبدون تدخل بشري (مصنع – مستخدم – مالك،) ويفترض تحميله المسؤولية الجنائية عن هذه الأعمال الإجرامية والاعتراف له بالشخصية القانونية، إلا أنه كما سبق وبينت سابقا فإن الواقع القانوني والعملي لم يحّمل كيان الذكاء الاصطناعي أي مسؤولية جنائية، ولم يعترف له بالشخصية القانونية، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن أقصى مسؤولية يمكن تحميلها لكيان الذكاء الاصطناعي إن أمكن ذلك، وبشرط الاعتراف له بالشخصية القانونية، وبشرط انتفاء مسؤولية أي من الأطراف المتصلة به، هي المسؤولية عن الخطأ غير العمدي فقط، مع ترتيب مسؤولية أي وقوعها طرف من الأطراف المتصلة الأخرى حتى لا نكون أمام حالة من الإفلات من العقاب بحجة من قبل كيان ذكاء اصطناعي كما سبق وبينا.

واستشرافا للمستقبل، البعيد ، وفي حال تقرير المسؤولية الجنائية لكيان الذكاء الاصطناعي عن الجرائم الناجمة عن أعماله، والتي انتهينا إلى التوصية بها في حال توفر الشروط المبينة سابقاً، فهذه المسؤولية لابد أن يترتب عليها جزاء يتناسب مع خصوصيته كآلة، ومع درجة خطورة وجسامةالجريمة المرتكبة، والتي لا يمكن لأغلب الجزاءات الجنائية التقليدية أن تلائمها كالإعدام أو السجن، إلا أن ذلك لا يمنع من استحداث جزاءات جديدة تلائم طبيعته، لأن الجزاءات يمكن أن تتطور، فحتى الجزاءات الجنائية التقليدية ضد الأشخاص الطبيعيين مرت بمراحل عديدة واتخذت أشكالامختلفة حتى وصلت لما عليه الآن، ينطبق القول كذلك على الأشخاص الاعتبارية، حيث مرت بمراحل حتى تم الاعتراف لها بالشخصية المعنوية، وإقرار مسؤوليتها الجنائية عن الجرائم المرتكبة

من قبلها، إلى تشريع تدابير احترازية أو جزاءات فرعية (تبعية أو تكميلية) تناسب طبيعتها، مثل إلغاء ترخيصها أو وقف نشاطها أو نشر الحكم الصادر بالإدانة بحقها، وعليه، من الجزاءات المقترحة بحق كيان ذكاء الاصطناعي التي يمكن الحكم عليه بها ما يلي:

أولا: الحل أو الايقاف أو المصادرة:

يمكن القول بأن جزاء الحل يعادل عقوبة الإعدام في الجزاءات الجنائية التقليدية المطبقة على الإنسان، ففي هذه الحالة يتم حل كيان الذكاء الاصطناعي أو إيقافه نهائياً إذا ما خرج عن السيطرة وأصبح يشكل تهديداً للإنسان، كما يمكن فرض جزاء المصادرة، أي نزع ملكية كيان الذكاء الاصطناعي وإضافتها لملكية الدولة، وهنا من المفترض تمتع كيان الذكاء الاصطناعي بالشخصية القانونية، وما يتفرع عنها من التمتع بالذمة المالية، حتى يمكن توقيع هذه العقوبة على كيان الذكاء الاصطناعي وليس على المالك، إلا أن هذا الجزاء سيرتب إشكالية بالنسبة لمالكي كيان الذكاء الاصطناعي، لأن ملكيتهم هي التي ستتأثر بالنهاية وبالتالي فإن أثر الجزاء سينعكس عليهم.

ثانيا: العقوبات المالية

ومن العقوبات المالية الغرامة، والتي تصلح لجميع الأشخاص من طبيعيين واعتبارين وكيانات الذكاء اصطناعي برأيي الشخصي، والغرامة هي مبلغ من المال يقدره القاضي في الحكم الصادر ضد كيان الذكاء الاصطناعي، وتدفع لخزينة الدولة من الذمة المالية المستقلة المفترضة لكيان الذكاء الاصطناعي.

ثالثا: العقوبات السالبة للحقوق

يمكن فرض بعض التدابير التي تناسب كيانات الذكاء الاصطناعي، ومن هذه التدابير إعادة التأهيل، ويعتبر هذا التدبير من التدابير الملائمة لطبيعة كيانات الذكاء الاصطناعي بحيث يعيدها أمنة إلى المجتمع مرة أخرى، وقد تتحقق إعادة التأهيل عن طريق إعادة برمجتها، ومن أمثلة التدابير أيضا سحب رخصة القيادة للسيارة ذاتية القيادة حيث يترتب على ذلك إيقاف السيارة عن العمل طوال فترة سحب الترخيص، إلا أن هذا الجزاء سيرتب كذلك إشكالية وهي أن الذي يتأثر بهذا التدبير هو مالك السيارة أو مستخدمها، حيث سينعكس سلباً عليه.

خاتمة:

إن الوصول الي مرحلة الاعتراف بعالم افتراضي ينظمه القانون قد يقلب الموازين من نعمة الي نقمة تصبح فيهاالمصلحة البشرية في صراع مع عالم افتراضي لا محالة، وهذا ما قد يخلق مشاكل أكثر تعقيدا من تلك الموجودة حاليا. الامر أصبح صعبا فعلا بعد مبادرة السعودية في منح الروبوت صوفيا الجنسية فالأمر وإن كان ظاهريا محل استهزاء الأغلبية لكنه يمثل واقعا يحمل في طياته مخاوف عبرت عنه القلة وبقيت حبيسة عقول واذهان الأغلبية، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد خيال علمي، أو حلما بعيدا، وإنما أصبح واقعا ملموسا نجد تطبيقاته في كافة مجالات الحياة، بميزاته وعيوبه، ونتج عن استخدامه أعمال ترتب نتائج جرميةيجب أخذها بعين الاعتبار، وخلصنا إلى أن أعمال الذكاء الاصطناعي هذه تتصل بأكثر من طرف، فهناك المصنع والمبرمج والمالك والمستخدم وقد تنشأ الصلة مع طرف خارجي اخر، وقد تتسبب أي من هذه الأطراف بارتكاب جرائم تنتج عن أعمال الذكاء الاصطناعي أو بسببها، وقد تكون هذه الجرائم عن قصد، نتيجة فعل أو امتناع عن فعل، وقد تكون نتيجة إهمال، الأمر الذي يرتب مسؤولية جنائية عن الجرائم الناجمة عن أعمال الذكاء الاصطناعي على عاتق أي منهم حسب ترتب الخطأ من جانبه، فانتهينا إلى أن الجرائم الناجمة عن أعمال الذكاء الاصطناعي لا تخرج عن دائرة كونها إما بفعل من جانب المستخدم، وهذا الفعل قد يكون قصدا أو خطأ، أو بفعل من جانب المصنع، أو المبرمج، وهذا الفعل قد يكون قصدا أو خطأ نتيجة خلل أو إهمال في اتخاذالحيطة والحذر في تصنيع الكيان وبرمجته، وإما بفعل من طرف خارجي.

وقد ظهر مؤخرا المحامي الروبوت أو الالي حيث بدأت العديد من الدول باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التقاضي من أجل تحقيق العدالة الناجزة وسرعة النظر في القضايا،وهذا ما سيؤدي في المستقبل القريب الى تزاحم مع البشر في شتى المجالات، وسيصدر عنها الكثير من الأفعال التي تشكل وقائع جرمية، ولا بدا من قيام المسؤولية الجنائية.

التوصيات: 

1- تشجيع البنى التحتية لمؤسسات الدولة على اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي.

2- استقطاب مستثمرين أجانب لأجل دعم الصناعة والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.

3- ضرورة العمل على وضع إطار قانوني ينظم عمل كيانات الذكاء الاصطناعي.

4- يتطلب التطور السريع في مجال التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات حلولا قانونية حالية من اجل توفير الحماية الازمة للمجتمع من الأخطار المحتملة الكامنة في التقنيات الغير الخاضعة للقانون.

5- ضرورة العمل على انشاء مراكز تنظيمية تتوالى عملية الاشراف على كيانات الذكاء الاصطناعي.

6- ضرورة إنتهاج الدولة سياسة تشجيع إستغلال تقنيات الذكاء الإصطناعي لاسيما في مجالات القضاء والأمنلتحقيق أكبر قدر ممكن من الشفافية والمساواة والعدل.

7- إعادة النظر في منظومة الجزاء الجنائي بما يتلائم مع هدا النوع الجديد من الجرائم . 

لائحة المراجع:

قوانين:

– مجموعة القانون الجنائي المغربي

الكتب: 

1- فايز النجار، نظم المعلومات الإدارية، منظور إداري، دار الحامد للنشر والتوزيع، الأردن، 2010، الطبعة الرابعة، ص169.  

2- عبد الرزاق السالمي، نظم المعلومات والذكاء الاصطناعي، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان، 1999م.

3- عبد الحميد بسيوني، الذكاء الاصطناعي والوكيل الذكي، البيطاش سنتر للنشر والتوزيع، الإسكندرية، 2005م.

الرسائل والأطاريح

4- أحمد ابراهيم محمد ابراهيم، المسؤولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء الاصطناعي في التشريع الإماراتي(دراسة مقارنة)، أُطروحة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه، جامعة عين شمس، مصر، السنة الجامعية2019/2020.

5- محمد ذيب حمود العتيبي، اكتشاف الوصول غير الشرعي للجذر الرئيسي باستخدام الذكاء الاصطناعي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 2005.

6- رنا إبراهيم، الموسوعة الجنائية، شرح قانون العقوبات الاتحادي في دولة الإما ارت العربية المتحدة، القسم العام، د ارسة مقارنة مع القانون الأردني والقانون الفرنسي الجديد، إصدار وزارة العدل، معهد التدريب والدراسات القضائية، دولة الإمارات العربية المتحدة.

7- ياسر محمد اللمعي، المسؤولية الجنائية عن اعمال الذكاء الاصطناعي ما بين الواقع والمأمول دراسة تحليلية استشرافية، بحث مقدم الى مؤتمر، كلية الحقوق جامعة المنصورة، 23/24 مايو 2021.

8- عمر محمد منيب إدلبي، المسؤولية الجنائية الناتجة عن أعمال الذكاء الاصطناعي، رسالة لنيل دبلوم الماجستير في القانون العام، جامعة قطر كلية القانون، السنة الدراسية 2022/2023. 

• المجالات

1- محمد عرفان الخطيب، المسئولية المدنية والذكاء الاصطناعي وإمكانية المساءلة، دراسة تحليلية معمقة لقواعد المسؤولية المدنية في القانون المدني الفرنسي، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة الثامنة، العدد الأول، 2020.   

2- صقر، وفاء أبو المعاطي، المسؤولية الجنائية عن جرائم ذكاء الاصطناعي، مجلة روح القوانين، العدد96، اكتوبر،2021.

3- عادل عبد النور، أساسيات الذكاء الاصطناعي، منشورات مواقف، بيروت، 2017م.

4- زهران سحر جمال عبد السلام، الجوانب القانونية الدولية لجريمة الارهاب الإلكتروني، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد الرابع، اكتوبر، 2019.

5- كابيبهان جون، تكنولوجيا الروبوتات المتطورة واستخدامها في مجال الصحة، مجلة جامعة قطر للبحوث، العدد السادس، نوفمبر ،2015.

6- حديد حسن محمد صالح، الطائرة المسيرة وسيلة نقل في القانون، مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية، العراق، العدد 25 السنة،2015.

7- يحيى إبراهيم دهشان، المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء الإصطناعي، مجلة الشريعة والقانون، كلية الحقوق، جامعة الإمارات، عدد 2019/06/30، سنة 2019.

8- محمد العوضى، مسؤولية المنتج عن المنتوجات الصناعية، مجلة القانون المدني، عدد1، المركز المغربي للدراسات والإستشارات القانونية وحل المنازعات، 2014.

9- بن عودة حسكر مراد، إشكالية تطبيق أحكام المسؤولية الجنائية على جرائم الذكاء الاصطناعي، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد 15، العدد 01/2022.

10- الدهشــــان، يحيــــى إبــــراهيم، المســــئولية الجنائيــــة عــــن جــــرائم الــــذكاء الاصــــطناعي، مجلــــة الشــــريعة والقــــانون، كليــــة الحقــــوق، جامعــــة الإمــــارات، العــــدد82، 2020.

11- وفاء صقر أبو المعاطي، المسؤولية الجنائية عن جرائم ذكاء الاصطناعي، مجلة روح القوانين، العدد، 96 اكتوبر،2021.

• المواقع الالكترونية:

• . www.Sciencing.com

• :  https://alsyaaq.com/Abu-Dhabi-Police-Robot،

• مراجع باللغة الأجنبية: 

• Punishing Artificial Intelligence: Legal Fiction or Science Fiction Ryan, Copyright © 2019 Bayan Abhout and Alex Sarch Ryan Abbots, Professor of Law and Health Sciences, University of Surrey.

• Proposal for a REGULATION OF THE EUROPEAN PARLIAMENT AND OF THE COUNCIL LAYING DOWN HARMONISED RULES ON ARTIFICIAL INTELLIGENC (ARTIFICIAL INTELLIGENCE ACT) AND AMENDING CERTAIN UNION LEGISLATIVE ACTS.

الفهرس:

مقدمة:​1

المبحث الاول: الإطار القانوني للمسؤولية الجنائية عن أعمال الذكاء الاصطناعي والروبوتات​4

المطلب الأول: مفهوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته​5

الفقرة الأولى: مفهوم الذكاء الاصطناعي وأهدافه​5

الفقرة الثانية: تطبيقات ومجالات الذكاء الاصطناعي​7

المطلب الثاني: القواعد الإجرائية الناظمة للمسؤولية عن أعمال الذكاء الاصطناعي والروبوتات​8

الفقرة الأولى: الجرائم الناجمة عن أعمال الروبوتات والسيارات الذكية ذاتية القيادة​8

أولا: بعض أنواع الروبوتات​9

ثانيا: نماذج من الجرائم الناجمة عن أعمال الروبوتات​10

الفقرة الثانية: الجرائم الناجمة عن أعمال الطائرات المسيرة عن بعد.​10

المبحث الثاني: عقوبات جرائم الذكاء الاصطناعي​11

المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للمصنع وللمالك وللذكاء الاصطناعي نفسه​12

الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية للمصنع​13

الفقرة الثانية: المسؤولية الجنائية للمالك​14

الفقرة لثالثة: المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي نفسه​15

المطلب الثاني: عقوبات جرائم الذكاء الاصطناعي والروبوتات​16

الفقرة الأولى: العقوبات الجنائية المقترحة بحق مبرمجي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات​17

الفقرة الثانية: الجزاءات الجنائية المقترحة بحق مالكي أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات​17

الفقرة الثالثة: الجزاءات الجنائية المقترحة بحق كيانات الذكاء الاصطناعي​18

أولا: الحل أو الايقاف أو المصادرة:​19

ثانيا: العقوبات المالية​20

ثالثا: العقوبات السالبة للحقوق​20

خاتمة:​20

لائحة المراجع:……………………………………………………………………………………….​22

الفهرس:​24

2

مشاركة