الرئيسية غير مصنف المراهقة ، بين الحرية و الرقابة

المراهقة ، بين الحرية و الرقابة

IMG 20191028 WA0060
كتبه كتب في 28 أكتوبر، 2019 - 9:12 مساءً


بقلم الاستاذ مصطفى أمجكال

بالرغم من أن الكثيرة من عوامل التغيير التي لحقت بالعالم وتأثيرها على حياة الأسرة ، واقتراب أو ابتعاد الوالدين عن أبنائهم، فإن الصورة الرقابية للأبوين لازالت باقية في حياة بعض الأسر، مما يؤثر على الحياة المستقبلية للأبناء و خاصة المراهقين منهم و على طريقة تفكيرهم وتعاملاتهم مع العالم الخارجي عن منظومة الأسرة  .
لذلك فإن مفهوم الحرية و الرقابة يختلف من فرد إلى آخر ومن جيل إلى جيل، فحتى داخل الأسرة الواحدة نجد أن مفهوم الآباء للحرية يختلف عن نظرة الأبناء، وهو ما يؤدي إلى الصراع المعروف باسم صراع الأجيال . و هذا ما تؤكده مجمل الدراسات الحديثة في علم النفس و التربية ، ذلك أن مجمل مشاكل الآباء مع الأبناء و خاصة في سن المراهقة سببها أن أولياء الأمور يسعون إلى إدارة حياة أبنائهم وفق منظورهم الخاص و بنوع من الرقابة السلطوية التي ترى الأفضل دائما و تنهى عن الأسوأ الذي هو شعار سن المراهقة ..
وقد أجمعت الاتجاهات الحديثة في دراسة الطب النفسي أن الأذن المصغية خاصة في مرحلة البلوغ ” بداية المراهقة” هي الحل لمشكلاتها، كما أن إيجاد التوازن بين الاعتماد على النفس و تجاوز ممارسة دور الرقيب و المخبر و القاضي أو حتى دور الخطيب الآمر الناهي ، إلى ممارسة الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر، و بناء جسور من التواصل لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ لا بلغة ولي الأمر، هو السبيل الأمثل لتكوين علاقة حميمة بين الآباء وأبنائهم خاصة في سن المراهقة .
في مجال التوجيه و التربية لابد أن نعرف أن الأبناء بعد بلوغهم سن المراهقة يعمدون إلى سحب شحنة الحب والعاطفة من الوالدين ويوجهونها إلى أنفسهم، وإلى أبطال التاريخ و الرياضة و الفن ، والقدوة التي تعجبهم و إلى أصدقائهم و صديقاتهم ، ومع سحب هذه الشحنة يبدأ احدهم في رؤية عيوب الوالدين ،  وقد يصاحب رؤية العيوب السخرية من الكبار و الانعزال مع الأصدقاء في شكل ( كليكة ) كما يصطلحون عليها ، والانقياد لهم حتى يحوز القبول منهم،
إن الحديث عن تربية المراهق بين الحرية و الرقابة حديث قد يكون متأخرا نوعا ما إذا ما نظرنا إلى طريقة التربية التي سلكها الوالدان من قبل مع المراهق و هو في سن الطفولة ، لذلك في هذه الفترة – المراهقة – يصبح لفظ التربية في حق المراهق مشعر له بنوع من النقص و هو الذي يرى نفسه رجلا و راشدا و قادرا على تدبير أموره ، و إن كان في الأصل هو طفل يبحث عن رجولته ، لذلك فإننا سنحاول الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية في علاقة الآباء بأبنائهم في فترة المراهقة و التي تجمع بين الحرية و المراقبة و ليس الرقابة بمفهومها السلطوي .

أولا : فهم الحاجيات الأساسية للمراهق .
غالبا ما يظن الآباء أن المراهق عندما يبلغ فترة المراهقة تتمحور حاجياته فقط في اللباس و الأكل و الخروج مع الأصدقاء و المزيد و المزيد من المال ، فيعمد البعض ممن ظروفهم المادية سانحة أن يغرقوا أبنائهم بكل ما يريدون في مقابل انشغالهم بالتجارة و العمل و السفريات ، في حين يتغافل الكثير منهم أن الحاجيات الروحية و الاجتماعية و الأخلاقية هي اكبر بكثير من كل الماديات ، إن هذه الحاجيات هي التي تشكل شخصية المراهق و تساعده على تكوين تصوراته الصحيحة عن الحياة و المجتمع ، و إذا ما فقدها فلن يتقبل رقابة احد من الآباء من بعد ، لأنه سيكون قد عمل على إشباعها مع أصدقائه و من الشارع و المدرسة و غيرها ممن يجد فيهم الدعم غالبا حسب ظنه .
هذه النقطة في غاية الأهمية و بالغة الخطورة ، ففهم المرحلة، و فهم الحاجيات الأساسية التي يتطلبها نمو الطفل المراهق كفيل بأن يخفف من وطأة الرقابة و المتابعة ، خاصة إذا تزامنت عملية فهم المرحلة مع تكوين علاقة صداقة و حوار بين الطرفين .

ثانيا : علمني المراقبة و لا تراقبني كثيرا .
عندما نفشل في تربية الأبناء تربية سليمة مرتكزة على اكتساب الخلق الرفيع و المبادئ السامية ، نعمد إلى تصحيح الوضع بفرض السيطرة و التسلط و تشديد الرقابة ، في حين نجد لسان المراهق يقول بأعلى صوته الدفين ، لماذا لم تعلمني أن أراقب نفسي عن طريق تعليمي ممارسة الصدق و الصراحة و الحوار و النصيحة و الحب و المشاركة … ؟ لماذا تفرض علي اليوم الرقابة المتشددة و أنت من فشل في أن يجعل مني إنسانا معتدلا لا يخاف من إبراز مواقفه مهما كانت تبدوا غير صحيحة ؟؟ لماذا جعلتني أسر إلى بعض الأصدقاء بهمومي و حاجياتي و لا أسر بها إليك أنت وحدك يا أبي ؟؟
لذلك ننصح صادقين كل الآباء و الأمهات بالحرص على تعليم خلق الصدق و الصراحة و ممارسة الرقابة الذاتية قبل الاضطرار إلى فرض الرقابة الخارجية و التي تكون عواقبها في الغالب الأعم عواقب كارثية .

ثالثا : البيئة الداعمة .
البيئة الداعمة هي تلك المعطيات الاجتماعية و النفسية و المادية و اللغوية و الأخلاقية التي من شئنها أن تكسب المراهق شخصية قوية ، واثقة ، قادرة على تجاوز المرحلة بكل طمأنينة و نجاح ، و بأقل الخسائر التربوية إن صح التعبير . البيئة الداعمة هي ما تحرص الأسرة على توفيره من مقومات الحب و العطف و الحوار و التسامح و الغض عن الزلات و تقبلها بالتوجيه و النصيحة و ليس بالعتاب و اللوم ، لذا فإن حب الآباء تجاه أبنائهم إذا تحول إلى خوف زائد ونوع من السيطرة فهو حب مؤذٍ يصيب الأبناء بالتعاسة بعد ذلك، ويجعلهم شخصيات مهزوزة لا تقدر على اتخاذ القرارات أو مواجهة المشكلات التي تصادفنا جميعًا في الحياة ، لأنهم و بكل بساطة فقدوا البيئة الداعمة لهم في التفكير و الكلام و التعبير و حتى الخطأ الذي يتولد من رحمه الصواب ، وهذا ما يفتقده هؤلاء الأبناء الذين شاء لهم حظهم أن يُربَّوا بطريقة خاطئة. 

رابعا : حدود التدخل و المراقبة
إن التدخل من الأبوين ينبغي أن يكون في الأمور التي تستحق التدخل، وفي الأمور التي تكون فيها معرفة المراهق محدودة أو عندما تعرضه قراراته لخطورة ما، مع إهمال الأمور الهامشية الصغيرة التي لا تضر، بمعنى لا يكون هاجسك أيها الأب و أيتها الأم هو تتبع كل صغيرة و كبيرة ، فلا شك أن هذا سوف يشعر المراهق بالضيق و التضجر .
إن التوسط بين منح الحرية و الرقابة مطلوب في هذه الأحوال، ونساعد بذلك المراهق في الاعتماد على نفسه وفي أخذ القرارات ونتعامل معه بمرونة في حدود الأطر الدينية والقيم السليمة، وبذلك يعد المراهق ليكون شابًا له دوره في المجتمع وتعد المراهقة لتكون شابة لها دورها كذلك.

مشاركة