الرئيسية آراء وأقلام المدرسة و اللغة العامية : بين الوصل و الفصل محاولة للفهم

المدرسة و اللغة العامية : بين الوصل و الفصل محاولة للفهم

20180905 131657
كتبه كتب في 5 سبتمبر، 2018 - 1:20 مساءً

 

بقلم : ذ العياشي الفرفار

 

 

نقاش حاد اثير حول ادماج مجموعة من الكلمات و العبارات العامية في المقررات الدراسية لهذه السنة , نقاش نقل الى البرلمان المغربي و اختلاف حاد بين دعاة ادماج اللغة الدراجة في المنهاج الدراسي و خلق جسور بين المجتمع و المدرسة و بين من يدعون الى جعل المدرسة اداة لحماية اللغة العربية و حماية للنظام .
النقاش يعكس تعدد وجهات النظر حول موضوع معقد و اشكالي يستدعي تعدد وجهات النظر , لان الموضوع هو موضوع ساخن ومتوثر بحسب تعبير جاك بيرك مما يستدعي نقاشا متعدد الابعاد .
تتبعت الكثير من النقاشات حول الموضوع اغلب حولت الاشكالية الى مشكل و بمنسوب عاطفي متوثر مما افقد النقاش المهم حول قضية مهمة قيمته المعرفية والبيداغوجية .
سبق لفيسلوف المطرقة نتشه F Nietzche , والذي اكد انه يتفلسف فقط بضربات المطرقة , أي هدم المفاهيم و اعادة بنائها من اجل تجاوز عقلية التصنيم ( تحويل المفاهيم الى اصنام ) حيت . اكد ان ادراك التشابه دلالة على قصرو ضعف النظر, و هو يعني ان النظر الموضوع يجب ان يحافظ على نظرة عميقة و متعددة الابعاد .
قيمة اللغة العامية : اللغة الدراجة , هي اداة الخطاب المعتمدة في المجتمع و في التواصل و الحوار و التعبير اليومي , ان التقافة المغربية الشعبية هي تقافة عامية متضمنة في خطابنا , احاسيسنا , عادتنا , اسماء خبزنا , امراضنا و ملابسنا و اغانينا و حتى في ادق التفاصيل الصغيرة لحياتنا اليومية , ان اللغة العامية هي هويتنا الخاصة الترتبطة بدائرتنا الثقافية الصغيرة و المحدودة وفق تعبير فرانز بواس أي ان لكل دائرة تقافية هوية تقافية تميزها و تعتبر اللغة اهم عنصر تقافي مميز للهويات ان لم نقل ان الثقافة هي اللغة كما اكد المفكر الفرنسي رولان بارت كل ماهو انساني فهو لساني .
فاجمل الاغاني التي سكنت وجدان الانسان المغربي هي اغاني بكلماتنا و بلغتنا الدارجة , اغاني ناس الغيوان و جيل جيلالة و السهام و الارصاد و اغاني الملحون هي اغاني كتبت بلغتنا او هي جزء منا . لهذا لسبب يتم تصنييف الالوان الموسيقية حسب لغتها فيقال هذا نوع غناء شعبي لانه يستعمل اللغة الشعبية و العامية المتداولة لا يمكن فهما و التفاعل مع ايقاعاتها الا من كان يفهم اللغة التي كتبت بها .و بالمقابل يقال اغاني وطنية لانها توظف اللغة العربية .
و فق هذا السياق و على اعتبار اللغة الدراجة غنية و مهمة و تمثل تقافة الانسان الشعبي هل يمكن اعتماد ها كحامل بداغوجي للتدريس و التعلم .
هنا يطرح اشكال اخر , و من زواية اخرى لا علاقة له بقيمة اللغة في وسطها الاجتماعي لان , اللغة هي منتوج اجتماعي تتفاعل و تتاقلم مع خصوصية و سياقات وسطها السيوسوتقافي , وهو ما اشار اليه السوسيولوجي الفرنسي بيبر بورديو بمفهوم السوق اللغوية تتعدد الاسواق اللغوية بتعدد الثقافات و المصالح و الرهانات و القيم و الوظائف ( لغة الاطباء – لغة المهندسين – لغة الفلاحين –لغة السياسيين .
فاختلاف السياقات يقود حتما الى اختلاف توظيفات اللغة , و التي تتنوع استعمالاتها بتنوع السياقات , من اهم الاجوبة المقدمة في هذا المجال يمكن استدعاء موقف بيير بورديو في دراسة مشتركة مع جون كلود باسرون حين تحدثا في كتابهما اعادة الانتاج عن مفهوم إعادة الإنتاج من خلال النظام التربوي .
فنظرية اعادة الانتاج تتحدد في كون المتعلمين لا يملكون الحظوظ نفسها في تحقيق النجاح المدرسي , وهو ما يطرح مشكلة عدم تكافؤ الفرص ، بوجود فوارق فردية داخل الفصل الدراسي نفسه و أن الثقافة و المنتوج الدراسي الذي يقدم داخل المدرسة هو منتوج راسمالي و ليس فكرا محايدا ، بل فكر مؤدلج يعبر عن ثقافة الهيمنة و السيطرة من اجل استدامتها أي ان المدرسة اصبحت اداة ايديولوجية في يد من يملك السلطة و يريد المحافظة عليها .
و فق هذه التصورات لبيير بورديو تصبح غاية عملية التعلم هو خلق اجيالا تابعة و منصاعة و ليست من اجل تحريرا للمتعلم و فسح المجال امام مواهبه و امكانياته ، بل إدماجا له في مؤسسات المجتمع و الدولة بدون أي اعتراض او توثر حفاظا على الانضباط المجتمعي و الاجتماعي . وبالتالي، تقوم المدرسة على إنتاج الطبقات الاجتماعية نفسها عن طريق الاصطفاء والانتقاء والانتخاب. ومن ثم، فهي مدرسة اللامساواة الاجتماعية بامتياز.

و حول اقصاء اللغة العامية او لغة المجتمع الشعبي كحامل بيداغوجي يعتبر ان سبب الفشل المدرسي يعود الى هذا السبب , لان اسلوب الخطاب و منهجية التدريس و مضمون البرامج يتوافق مع ثقافة الطبقة المسيطرة و بالتالي يجد التلميذ المنحدر من فئات فقيرة يتكلم لغة ليست لغته و يتواصل بلغة لا يعرفها وهو ما يطرح ازمة التواصل كازمة عميقة مؤسسة ومنتجة لكل الاختلالات داخل المدرسة .
اقصاء اللغة العامية هو ما يولد قطيعة بين المدرسة و المجتمع, وتصبح المدرسة اداة انفصال و ليس اتصال مع محيطها أي اداة فصل و ليس وصل , لان ما يحمله الطفل من تقافة و من مخزون اجتماعي يصبح بلا فائدة و مجرد عبء عليه , مما يعني ان النجاح يقتضي اساسا التخلي عن تقافته و عن لغته و عن هويته, وان التفوق و التميز مشروط باستبدال هوية اصلية نبتت و ترعرعت في وسط اجتماعي له قيمه و تقافته و مشبكة معاييره بهوية جديدة و بهوية جديدة معادية لهويته الاصلية على اعتبار ان اللغة العامية عائق امام بناء المعرفة العلمية مما يقتضي تجاوزها ( اعتبارها تمثلات سلبية يجب تجاوزها و هدمها من اجل بناء مفاهيم جديدة على انقاضها ) .
النجاح المدرسي لا يعني الكفاءة لكن يعني القدرة على نسيان الاصل اللغوي و استبداله بلغة و قيم جديدة أي الانفصال عن الانفصال و الاستلاب و التبعية لمنظومة قيمية جديدة .
ان من يدعمون ادماج اللغة الدراجة في المنهاج الدراسي يعبرون ان اقصائها هو ممارسة لعنف رمزي في حق التلميذ و في حق تقافته , و ان هذه المدرسة التي لا تعترف بلغة الطفل الاجتماعية فهي حتما لا تعترف بشخصيته , وهو ما قد يساهم في الهذر و الفشل المدرسي.
ربما التصور الداعي الى ادماج اللغة االدارجة في المنهاج الدراسي له ارضيته

مشاركة