بقلم: عبد الحكيم رضى
تُعد المخيمات التربوية ركيزة أساسية في منظومة التربية غير النظامية، وأحد أهم المشاريع الاجتماعية التي رافقت أجيالًا متعاقبة في مسارها التنشئي. فهي ليست مجرد فضاء للترفيه، بل مدرسة موازية لصناعة الإنسان، تُغرس فيها قيم المواطنة، وتُنمّى من خلالها المهارات الاجتماعية، وتُصقل شخصية الطفل واليافع.
الماضي: بساطة الإمكانيات وعمق الرسالة
في العقود الماضية، كانت المخيمات تشتغل في ظروف بسيطة من حيث البنيات والوسائل، لكن تلك البساطة لم تُضعف رسالتها. فقد كان المربي يعيش تجربته بكل صدق ومسؤولية، ويعتبر نفسه شريكًا في صناعة الأجيال. كانت البرامج التخييمية متواضعة في الشكل لكنها غنية في المضمون، حيث امتزج الترفيه بالتربية، واللعب بالتكوين، والإبداع بالمسؤولية. ولعل الكثير من رجال ونساء اليوم يستحضرون المخيم كفضاء ترك بصمة لا تُنسى في مسارهم الشخصي.
الحاضر: بين التطور البنيوي والاختلالات التربوية
اليوم، تطورت المخيمات على مستوى الفضاءات، وأصبحت بعض المراكز مجهزة ببنيات تحتية متقدمة. غير أن هذا التطور الشكلي لم يواكبه دائمًا تطور في العمق التربوي، إذ برزت عدة إشكالات، من بينها:
ضعف التخطيط الاستراتيجي والبرمجة: غياب رؤية وطنية واضحة يجعل المخيمات موسمية، مرتبطة بالمرحلة الصيفية فقط، بدل أن تكون مشروعًا مستمرًا على مدار السنة.
أطر تربوية غير مؤهلة: وضعية انتقاء وتوزيع الأطر لا تراعي دائمًا الكفاءة ولا الخبرة، مما يؤدي إلى ضعف في الأداء التربوي.
برامج بعيدة عن المشاريع البداغوجية: كثير من الأنشطة المقدمة لا تنسجم مع حاجيات الطفل واليافع، ولا تلامس مقاربات التربية الحديثة (التربية باللعب، التربية على القيم، التربية البيئية، التربية الرقمية…).
سلوكات وممارسات غير تربوية: أحيانًا تُسجَّل انحرافات تُسيء لسمعة التخييم وتزعزع ثقة الأسر فيه.
إغفال المسؤولية القانونية والتربوية: في ظل غياب آليات مراقبة صارمة، تتحمل بعض الجمعيات والأطر المسؤولية الكاملة عن أي إخلال بحقوق الأطفال أو أي تجاوز غير تربوي.
المستقبل: الإصلاح رهين بالرؤية الشمولية
المستقبل يفرض مقاربة جديدة تجعل من التخييم مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا، قائمًا على أسس واضحة:
- التخطيط الاستراتيجي: وضع رؤية وطنية متكاملة للتخييم، تحدد الأهداف الكبرى، والمراحل، والنتائج المنتظرة، بما ينسجم مع السياسات العمومية في مجال التربية والثقافة والشباب.
- البرمجة التربوية المحكمة: اعتماد برمجة مبنية على مشاريع تربوية وبداغوجية متجددة، تدمج بين الترفيه والتربية، وبين المتعة والتكوين، وتجعل من كل نشاط وسيلة لتحقيق أهداف محددة.
- تأهيل الأطر: الاستثمار في التكوين العميق والمستمر، حتى يصبح المؤطر التربوي قائدًا قادرًا على المواكبة، وليس مجرد مراقب لأنشطة سطحية.
- المسؤولية القانونية والتربوية: يجب أن تكون هناك آليات واضحة للمحاسبة والمراقبة، تضمن احترام حقوق الطفل، وتحمي التخييم من الانحرافات، وتعيد الثقة للأسر.
- تجديد المناهج: إدماج التربية الرقمية، التربية البيئية، التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، ضمن البرامج التخييمية، حتى تواكب التحولات العالمية والتحديات المستقبلية.
- إشراك الفاعلين: إشراك الأسر، الجمعيات، المؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، في تقييم التجارب التخييمية، حتى تبقى المخيمات فضاءً مشتركًا لبناء الإنسان المواطن.
المخيمات التربوية بين الماضي والحاضر والمستقبل ليست مجرد فصل في ذاكرة الطفولة، بل هي مشروع استراتيجي لصناعة المستقبل. إن أحسنا التدبير والتخطيط والبرمجة، فستظل المخيمات مدرسة وطنية مواطِنة تُنتج أجيالًا قادرة على مواجهة تحديات الغد. أما إذا استمر التساهل مع الاختلالات، فسنخسر واحدة من أهم الركائز التي ساهمت لعقود في تكوين الإنسان المغربي.

