الرئيسية غير مصنف المحكمة الجنائية الدولية وإجراءات المحاكمة

المحكمة الجنائية الدولية وإجراءات المحاكمة

b458af54 d0f6 46e0 bf57 187c4a922f82
كتبه كتب في 18 أكتوبر، 2025 - 1:53 صباحًا

محمد الشريف العمري

                                     باحث حاصل على ماستر العلوم الجنائية والأمنية 

           باحث في ماستر قانون الأعمال

             بسم الله الرحمان الرحيم مالك الملوك وهالك ذوي الجبروت به أمنة وإليه المنقلب والصلاة والسلام على من لا رسول بعده هو  فتح الكلام وبه سنحاول بفضل الله تعالي البحث في خبايا موضوع ذو أهمية بالغة على المستوى الجنائي الدولي وقصد قلمي هنا هو موضوع المحكمة الجنائية الدولية وإجراءات المحاكمة فهذه المحكمة تولى بأهمية بالغة من الناحية التشريعية لكن فقهيا وقضائيا  لا تزال تعمل بنوع من الخجل والتردد وقلت تنفيذ الأحكام على عتاة الإجرام الدولي من حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان والإبادة الجماعية كما وقع في فلسطين الأبية أعزه الله بعزه وأذل الصهاينة في جل بقاع العالم فكيف للقاضي لا يحكم هل لا يفهم العبرية مثلا هل كما قيل عن القاضي مجرد ناطقا بالقانون لا وألف لا إن الميزان ليس قطعة من الحديد تحمل كفتين بل هو ميزان يحمل الإثم على صاحب المطرقة  وهنا نتأمل في قوله تعالى “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ”  سورة النحل الآية 90، فهل لهذه المحكمة استقلالية نجيب كلا لهذا السبب سنحاول بحث جوانب هذا الموضوع أملين وطالبين من مالك الملوك أن يهدي بصيرتي إلى الحق ونشر المعرفة.

المبحث الأول: التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية و مباشرة التحقيق.

     يقتضي منا تحليل المطلب الأول عبر فقرتين نتناول في مستهل الأولى تعريف المحكمة الجنائية الدولية، و نخصص الفقرة الثانية للحديث عن مباشرة التحقيق.

المطلب الأول: مباشرة التحقيق.

        يمكن تعريف التحقيق بأنه البحث عن الأدلة و البيانات التي تؤيد وقوع الجريمة ومدى إجرام مقترفها وجمع الأدلة و البيانات من خلال القواعد القانونية المقررة في ما يصطلح عليه بالتحقيق الجنائي او الاصول الجزائية

       كما أن المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة في البند الأول تشير إلى أن المدعي العام يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في إختصاصها فما يقوم به المدعي العام هو من صميم مهامه و سلطته و لا شك أن المدعي العام يمتاز بالإستقلالية و البعد عن تأثير الدول، وله سلطة مباشرة التحقيق إذا وصلت لعلمه معلومات تشير إلى قيام جريمة من إختصاص المحكمة حيث ينطلق المدعي العام بإجراء التحقيق و الإستدلال و جمع الادلة لإتخاذ القرار بشأن رفع الدعوى، إذ أن بطلان إجراءات الدعوى يعني بطلان إجراءات إقامتها التي تخضع لصلاحيات الدائرة التمهيدية، وللحديث عن مباشرة التحقيق وجب علينا الحديث عن الشروع في التحقيق ثم نعرج للحديث عن دور المدعي العام في التحقيق الإبتدائي. 

     الشروع في التحقيق: وجب علينا الحديث عن تعريف الدعوي أمام المحكمة الجنائية الدولية فهي ذلك الطلب المقدم من الدول الأطراف أو القرار الصادر عن مجلس الأمن والموجه إلى مكتب المدعي العام للمحكمة أو بناء على مباشرة المدعي العام بالشروع في تحريك الدعوى بصفته ممثلا للمجتمع الدولي لإقامتها أمام هيئة القضاء و نسبتها إلى متهم معين بالذات

 فالمدعي العام هو صاحب السلطة و الإختصاص فهو يقوم بإجراءات التحقيق الإبتدائي الذي هو عبارة عن حلقات متصلة بحيث تعد هذه العملية دقيقة و مهمة، فقد نصت المادة 12 من النظام الأساسي على أن تحريك الدعوى يكون بمادرة من المدعي العام بالنسبة للنزاعات الداخلية أو للجرائم المرتكبة في حالة سلم في حين ترتكب هذه الجرائم بكثرة على الساحة الدولية كما هو الحال في كمبوديا و روندا.

دور المدعي العام في التحقيق الإبتدائي : 

✓ استلام القضايا الواردة إليه من قنوات الإحالة المنصوص عليها في النظام الأساسي.

✓ البدء في التحقيق للتحقق من جدية هذه الدعاوي وصحتها.

✓ القيام بإجراء ما يلزم من جمع للأدلة و عمليات الاستدلال والتحقيق.

✓ وزن الأدلة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ عليها. هذا مع التوضيح أنه حسب المـادة 54 من النظام الأساسي فإن دور المدعي العام يشمل الكثير من الإجراءات والتي تغطي عملية التحقيق من البداية إلى مرحلة التصرف في الدعوى فهو يقوم بما يلي:

❖ اتخاذ التدابير المناسبة لضمان فعالية التحقيق في الجرائم التي تـدخل فـي اختصـاص المحكمة والمقاضاة عليها، ويحترم وهو يفعل ذلك مصالح المجنـي علـيهم و الشـهود وظروفهم الشخصية… ويأخذ في الاعتبار طبيعة الجريمة.

❖ يحترم احتراما كاملا حقوق الأشخاص الناشئة بموجب هذا النظام الأساسي.

❖ وحسب الفقرة 3 من المادة 54 للمدعي العام أن يجمع الأدلة وان يفحصها وان يطلـب حضور الأشخاص محل التحقيق والمجني عليهم والشهود وان يسـتجوبهم وان يلـتمس تعاون أية دولة أو منظمة حكومية أو أي ترتيب حكومي دولي وفقـا لاختصـاص أو ولاية كل منهما .

❖ كما أن للمدعي العام أن يوافق على عدم الكشف في آية مرحلة من مراحل الإجـراءات عن أية مستندات ما لم يوافق مقدم المعلومات على كشفها كما أنّـه بهـذا الخصـوص للمدعي العامان يتخذ أو يطلب اتخاذ التدابير اللازمة لكفالة سرية المعلومات أو لحمايـة أي شخص أو للحفاظ على الأدلة.

❖ التصرف في الدعوى على ضوء ما توصل إليه من تحقيقاته، والأدلة المتوفرة بين يديه.

    ولكن إذا رفضت الدائرة التمهيدية طلب المدعي العام، فإن المدعي العام يستطيع تجديـد الطلب إذا وقعت أحداث أو تغيرت في الظروف، أو طرأ ما يؤكد ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم؛ مما يجعل هناك سببا لإعادة الطلب للتحقيق في القضية.

المطلب الثاني: مقبولية الدعوى و التحضير للمحاكمة.

 يقتضي منا تحليل هذا المطلب تقسيمه إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن شروط مقبولية الدعوى و الفقرة الثاني للتفصيل في التحضير للمحاكمة.

الفقرة الأول:  شروط مقبولية الدعوى

       لعل من أهم الشروط المتعلقة بمقبولية الدعوى شرطين نخصص الأول للحديث عن المسائل المتعلقة بالمقبولية و الثاني للتفصيل في القانون الواجب تطبيقه.

أ – المسائل المتعلقة بالمقبولية: حدد النظام الأساسي الحالات التي تكون الدعوى فيهـا غيـر مقبولةوهي كما يأتي:  

– إذا كانت دولة لها ولاية على هذه الدعوى تجري تحقيقا أو مقاضاة فيها إلا إذا كانت الدولة غير راغبة حقا في الاطلاع بتحقيق أو المقاضاة في الدعوى.

– إذا كان قد سبق أن حوكم الشخص نفسه عن الجريمة نفسها.

– إذا كانت دولة لها ولاية قد قامت بإجراء التحقيق في الدعوى وقررت عدم مقاضاة الشخص المعنى ما لم يكن هذا القرار نتيجة عدم الرغبة الحقيقية لدى الدولة في ملاحقته أو عدم قدرتها فعليا على ذلك.

    تناولت الفقرة الثالثة من المادة 17 دلائل على قدرة الدولة على مباشرة دعوى معينة حيث إن هذه الدولة تتصف بعدم القدرة في دعوى ما إذا كانت قد تعرضت لانهيار كلى أو جوهري في نظامها القضائي الوطني، أو بسبب عدم القدرة على إخضاع المتهم أو الحصول على الأدلة و الشهادات الضرورية.

           و يتخذ المدعي العام القرارات الأولية بعدم المقبولية حيث أنه بعد إحالة دعوى ما للمحكمة يشعر المدعى العام الدول الأطراف التي لها ممارسة الولاية عليها، وفي غضون شهر من ذلك على تلك الدولة أن تبلغ المحكمة أنها تجري تحقيقا و تطلب إلى المدعي العام التنازل عن التحقيق. و يكون قرار المدعي العام التنازل عن التحقيق قابلا لإعادة نظره بعد 6 أشهر وفي حالة تنازل المدعي العام عن التحقيق فإنه يجوز له أن يطلب من الدولة المعنية تقديم معلومات عن التحقيق بصفة دورية و عليها أن ترد على هذه الطلبات و أنه يمكن للمدعي العام أن يطلب من الدائرة التمهيدية إجراء تحقيقات لحفظ الأدلة خاصة المهمة أو التي يحتمل عدم التمكن من الحصول عليها لاحقا.

    المحكمة تبت من تلقاء نفسها في مقبولية الدعوى:

– المتهم أو من صدر بحقه قرار بالقبض عليه أو قرار بالحضور.

– الدولة التي لها الاختصاص في نظر الدعوى و التي بدأت بإجراءات التحقيق أو المقاضاة.

– الدولة التي يطلب قبولها للاختصاص حسب المادة 12 من النظام الاساسي.

ويكون الطعن بمقبولية الدعوى أو اختصاص المحكمة لمرة واحدة ” من أي شخص أو دولة من المذكورين سابقا، و يجب أن يتم هذا الطعن قبل أو عند بدء المحاكمة  وفي الظروف الاستثنائية يجوز للمحكمة أن تأذن في الطعن لأكثر من مرة أو بعد بدء المحاكمة أما بالنسبة للجهة التي تقدم إليها طعون المقبولية و الاختصاص فيهي

– الدائرة التمهيدية إذا كانت التهم لم تعتمد بعد.

– الدائرة الابتدائية إذا كانت التهم قد اعتمدت ويمكن استئناف القرار المتعلق بالمقبولية أو الاختصاص أمام دائرة الاستئناف.

      وهذا الإستئناف لا يمنع المدعى العام من إمكانية طلب إذن من المحكمة لمواصلة التحقيق في بعض الأمور حسب النظام الأساسي كجمع الأدلة وفحصها و الحيلولة دون فرار المتهمين وهذا الإذن سببه انقطاع عمل المدعي العام، ووجوب امتناعه عن المضي قدما في إجراءات التحقيق متى قدم طعن المقبولية، وهذا إلى حين البت في هذا الطعن و غير ذلك يلزم أن تأذن به الدائرة التمهيدية.

ب- القانون الواجب تطبيقه: للمحكمة الجنائية الدولية الأولوية عند التطبيق فيما يتعلق بأركان الجرائم و القواعد الإجرائية و قواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة:

   أولاتطبق المحكمة المعاهدات الواجبة و مبادئ القانون الدولي و قواعده بما فيها المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة.

   ثانيا: المبادئ العامة للقانون التي تقوم المحكمة باستخلاصها من القوانين الوطنية للدولة التي من عادتها أن تمارس ولايتها على الجريمة بشرط عدم تعارض هذه المبادئ مع النظام الأساسي للمحكمة أو مع القانون الدولي أو القواعد المعترف بها دوليا.

  ثالثا: كما يجوز للمحكمة أن تطبق مبادئ القانون و قواعده كما هي مفسرة في قراراتها السابقة مع حفظ حقوق الإنسان المعترف بها دوليا.

الفقرة الثانية: التحضير للمحاكمة.

       تتألف مرحلة ما قبل المحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية من خطوتين: مرحلة التأكيد، التي يشارك فيها المشتبه به ومرحلة ما بعد إقرار التهم، عنـدما يـصبح الشخص متهما  في حال ثبوت صحة هذه التهم. والعديد من الخطوات الإجرائيـة والإفصاحية المطلوبة لجلسة إقرار التهم يمتد إلى مرحلة ما بعد إقرار التهم ويساهم في التحضير للمحاكمة وبالتالي على الرغم من وجود خطوتين مختلفتين، ومثول المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، أو مثول المشتبه به أمام المحكمة الجنائية الدولية هو حدث فريـد من نوعه إذ يسمع القضاة فيه من المتهم مباشرة أنه على علـما بحقوقـه وبـالتهم الموجهة إليه  كما أن المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا يلزم  بعـد تلاوة التهم، أن يتذرع بدفاع في مثوله الأول أو في غضون ثلاثين يوما بعدهلا لزوم لأن يقدم المتهم أي دفع في مثوله الأول أمام المحكمة الجنائية الدولية، ففي الواقع كل ما يلزم هو إعطاؤه فرصة ليقر التهم الموجهة إليه أو لينكرها عنـد بـدء المحاكمة.

     ويسمح لأعضاء النيابة العامة في المحكمة الجنائية الدوليـة ليوغـسلافيا الـسابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا تعديل لائحة الاتهام في إطـار الإقـرار بالذنب، على سبيل المثال من خلال سحب التهم، إلا أن تخفيض التهم، إذا افترضنا أن القيام بذلك جائز، لا يحول بأي حال من الأحوال دون أن تفـرض الغرفـة أي عقوبة تراها مناسبة في ضوء أي من التهم المتبقية  والنظام الأساسـي للمحكمـة الجنائية الدولية يقنن هذه الممارسة صراحتا إن إصدار العقوبات بعد الإقـرار يعد من أحد المجالات التي يكون لحضور ممثلي الضحايا تأثير خاص فيها، مما قد يسمح بتقديم معلومات منافية للإقرار، أو داعمة لعقوبة تفوق النطاق المتفق عليـه من قبل الطرفين.

• المواد المقدمة لإقرار التهم أو في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار الأمر بالقبض.

• بيانات المحاكمة المرتقبة أو الشهادات المدلى بها فـي جلـسات إقرار التهمة.

• المعلومات التي تعـد أساسـية للتحـضير للـدفاع.

• المعلومات النافية للتهم أي تلك التي ” تثبت أو تفضي إلى إثبات براءة المتهم، أو التخفيف من ذنبه، أو التي قد تؤثر على مصداقية أدلة الادعـاء “.

       فالحجم الهائل من المعلومات و الموقف غير المستقر للعديد من الشهود وما يترتب على ذلك من فرض للتدابير الوقائيـة التـي تسمح بالإفصاح المتأخر عن مواد إثبات معينة  ويبدأ تجنب هذه المشاكل في مرحلة مـا قبل المحاكمة من خلال وضع نظام فعال لإدارة المعلومات يسمح بالإفصاح عـن كميات كبيرة من المعلومات في حين يتمفصل المعلومات التي يجـب ألا يفـصح عنها وتحقيق هذا التوازن لا يستلزم تقنية فعالة ومرنة فحسب، إنما يستلزم أيـضا قواعد يمكنها تقييد الإفصاح وفقا لشروط تكون بسيطة بقدر الإمكان.

 والمسائل الهامة الأخرى التي يجب أن تحل أو التي تحل عادتا من خلال مرحلة ما قبل المحاكمة تشمل الطعن في اختصاص المحكمة، والعيوب في شـكل لائحـة الاتهام أو الاتهامات، وإدماج المحاكمات أو الفصل بينها، واعتراضات بشأن تعيين المحامين، والإفراج المؤقت عن المتهمين، ورد القضاة.

  ويلزم أعضاء النيابة العامة بتقديم مذكرة قبل بدء المحاكمة لتكون بمثابة مخطط لتقديم الأدلة تعرض المذكرة النظرية التي يتبعها الإدعاء ويتـضمن تفاصـيل أكثر من تلك المذكورة في لائحة الاتهام، بالإضافة إلى الأدلة المثبتـة بـشهادات والأدلة الوثائقية المعتمدة لإثبات التهم يجب أن تتضمن هذه الوثيقة قائمة بأسـماء الشهود والوثائق التي يمكن الإعتماد عليها، على الرغم من أنه يجوز تعديل تلـك القوائم بإذن من الدائرة أثناء سير المحاكمة عندما يكون حجم الإفصاح هائلا، كما هو الحال عادتا، تكون المذكرة بمثابة الملخص الرابط الأساسي لإعلام الدفاع (وفي الاتجاه الآخر لمرافعة الدفاع) بالأدلة التي سيتم الاعتماد عليها والتهم التي تتعلـق بها وعلى الرغم من عدم ذكر المذكرات التمهيدية في الصكوك التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية قد إعترف القضاة عمليا بأنه ينبغي على النيابة العامة إعلام الدفاع بالأدلة التي تعتزم تقديمها في مرحلة إقرار التهم وفي المحاكمة، وتقـديم ” تحليـل قانوني مفصل بما فيه الكفاية بشأن الوقـائع المزعومـة إضـافة إلـى العناصـر المكونة لكل جريمة موضوع الإتهام وبالتالي قد طلب من الادعاء في كل قـضية إعداد مخطط تحليلي معمق” يظهر في كل صفحة أو عند الاقتـضاء فـي كـلّ فقرة كيف أن أدلته المقترحة تتصل بالعناصر المكونة للجـرائم المنـسوبة إلـى الشخص. 

المبحث الثاني: إجراءات المحاكمة و الطعن أمام المحكمة الجنائية الدولية.

    سنتطرق في هذا المبحث للحديث عن إجراءات المحاكمة و تنفيذ الأحكام في المطلب الأول، و الثاني للغوص في طرق الطعن أمامها.

المطلب الاول: إجراءات المحاكمة و تنفيذ الأحكام.

   سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين نعالج من خلال الأولى الحديث عن إجراءات المحاكمة و الثانية نخصصها لتنفيذ الأحكام.  

الفقرة الأولى: إجراءات المحاكمة.

     تبـدأ إجـراءات عمـل المحكمـة الجنائيـة الدوليـة مـن تاريـخ إحالـة القضيـة لهـا مـن مكتـب المدعـي العـام، حيـث تتولـى الدائـرة الابتدائية فـي المحكمـة باستلام القضيـة مـن أجـل التـداول مـع الأطراف واتخـاذ التدابيـر اللازمة لضمـان سـير إجـراءات المحكمـة بشـكل سـريع وعـادل. تعمل المحكمة الجنائية الدولية بمبدأ التقاضي على درجتين، و تأكد بذلك على مبدأ احترام حقوق الدفاع للمتخاصمين امامها، و قد أجاز النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لجميع الأطراف استئناف القرارات الصادرة عن المحكمة سواء كان هذا الطرف هو: “المدعي العام، او الشخص المدان، او الشخص المتضرر من وقوع الجريمة”، و يجب أن يحتوي طلب الاستئناف المقـدم للمحكمـة علـى أسـباب معينـة تمنـح صاحـب الطلـب بتقديمـه للمحكمـة كأن يكـون هنالـك غلـط فـي الإجراءات أو غلـط فـي الوقائـع فـي القانـون وتطبيقـه، أو أي غلـط آخـر يمـس نزاهـة أو موثوقيـة الإجراءات أو القـرار.

 الإجراءات امام الدائرة الابتدائية: تعقد المحاكمة في مقر المحكمة في هولندا لاهاي، الا اذا قررت المحكمة مكانا اخر، ونص النظام الأساسي للمحكمة على القواعد المتعلقة بالقضاة في المواد 35،36،40، 41  و مؤهلاتهم و طريقة ترشيحهم من أهم إجراءات المحاكمة المنصوص عليها في المادة 61 في فقرتها الأولى نذكر منها مايلي:

1) عرض لائحة الاتهام و تلاوة التهم على المتهم وهي تحوي التهم التي أقرتها و إعتمدتها الدائرة الإبتدائية.

2) سؤال المتهم عما إذا كان يقر بما هو موجه إليه، بعد تحقق من فهمه لما هو موجه إليه ويعطى الفرصة للاعتراف بالذنب أو للدفع بأنه غير مذنب.

3) ثم يأتي دور المدعي العام ليلقي بيانا يقدم فيه أدلة الإثبات و الشهود.

4) بعده دور الدفاع ليلقي بيانا يقدم فيه أدلة النفي و المستندات المؤيدة له.

5) ثم تناول عرض الأدلة و الإستماع إلى الشهادة من الشهود وعرض المستندات.

6) في الختام، يقوم المدعي العام بتقديم بيانه الختامي.

7) وبعد المدعي العام يأتي دور الدفاع لتقديم بيانه الختامي في هذا الدور من المحاكمة.

8) وبعد بيان الادعاء والدفاع، تتوجه المحكمة إلى المتهم بسؤاله إذا كانت لديه أقـوال أخـرى ختامية.

9) والخطوة الأخيرة، اجتماع هيئة القضاة في الدائرة الابتدائية الذين اشتركوا فـي إجـراءات المحاكمة، واختالاهم في غرفة المداولة؛ لصياغة الحكم الذي ستصدره المحكمة.

  تبث الدائرة الابتدائية أيضا اذا كان الاعتراف قد صدرا طوعا، او اذا كان الاعتراف بالذنب تدعمه و قائع أخرى في الدعوى. وفي الأخير يعود الأمر لقناعة الدائرة الابتدائية، فاذا لم تقتنع بتوافر ما سبق ذكره فإنها تعتبر الاعتراف كان لم يكن، ويجوز لها ان تامر بإجراء فحص طبي او عقلي او نفسي للمتهم وفق الشروط المنصوص عليها في القواعد الإجرائية  كما ان جميع الإجراءاتوالنصوص، والتسجيلات الصوتية تقوم المحكمة بحفضهم في سجل خاص، كما يلجأ اطراف الرابطة الجنائية الإجرائية امام المحكمة الجنائية الدولية الى الاعتماد على طرق الطعن المختلفة لتصدي أحكام هذه المحكمة و اصلاح ما قد يعتبرها من بطلان في تطبيق القانون او خطأ في الوقائع امامها، والطعن بصفة عامة هو مرحلة من مراحل الخصومة الجنائية، ووسائل الطعن يترتب عليها نقل الدعوى الى هيئة قضائية أعلى كالاستئناف، وتنقسم وسائل الطعن في الأحكام الجنائية الى عادية يلجأ اليها اطراف الدعوى دون التقيد بأسباب معينة كالاستئناف، او غير عادية لا يتم اللجوء اليها الا في حالات معينة أوردها المشرع كإعادة النظر.

الفقرة الثانية: تنفيذ الأحكام.

               للتفصيل في مناقشة هذه الفقرة التي تلعب دورا حاسما في إنزال العقاب على الجاني حيث سنعرض كيفية تنفيذ الاحكام ثم نتطرق إلى إشكاليات التنفيذ.

أولا: فاعلية المحكمة في تنفيذ ما يصدر عنها من احكام.

   بعد تبني نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في 17 يوليو 1998 والذي تم بموجبه تأسيس المحكمة وأصبح النظام ساري المفعول بعد اقرار التصديق رقم 60 في 11 ابريل 2002، و الذي سمح بإتباع ما نص علية نظام روما الأساسي في 1 يوليو 2002 و تم بموجبه إنتخاب 18 قاضا بالمحكمة و النائب العام و كبار المسؤولين.

واشار احد الخبراء اثناء المؤتمر الاستعراضي للنظام المحكمة في كامبالا في عام 2010،  الى ان هناك 9654 شكوى رفعت الى المحكمة المتعلقة بجرائم في 139 دولة وان 80 قضية رفعت امام المحكمة بينما قبلت خمسة منها فقط كانت جميعها متعلقة بدول افريقية.

 وبحلول عام 2018 بلغت القضايا المنظورة امام المحكمة 26 قضية منها ما تم إغالقه بسبب عدم استفاء الأدلة او البراءة او عدم اقتناع القضاة بتلك الأدلة او بسبب الوفاة، وقد بلغ عددها ثمانية قضايا وبعضها مازال قيد التحقيق حتى الأن اما بسبب استمرار عملية جمع المعلومات والأدلة او بسبب عدم تسليم المجرمين للمحكمة الجنائية الدولية وقد بلغ عددها 12 قضية وبعضها مازال في مرحلة المحاكمة وقد بلغ عددها قضيتين، والبعض الأخر تم اصدار احكام فيها وقد بلغ عددها اربعة قضايا وهي ما سنقوم بدراسته في هذه الصدد.

1. تنفيذ حكم بالإدانة بحق توماس لوبنغا:

  تعتبر قضية توماس لوبانغا هي اول قضية نظرتها المحكمة عقبة بدئها العمل المقامة من قبل المدعي العام للمحكمة ضد توماس لوبانغا المتهم بقيامه بأعمال التجنيد للأطفال واشراكهم في النزاعات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

حيث بين عامي 1996 و 1998 اجتاحت كل من رواندا اوغندا جمهورية الكونغو بزعم محاربة المجموعات المتمردة التي لجاءت اليها وقد اشتد النزاع في عام 2000 عندما بدا الصراع الداخلي ينتشر في إقليم ايتوري بشكل واسع بين جماعتي (هيما و ليندو) و قد عد هذا النظام الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية فاكثر من خمس ماليين سقط قتلى أي بمعدل 45.000 شخص شهريا وقد شكل الأطفال نحو 47 % منهم رغم انهم يشكلون 19 %من مجموع السكان في تلك المنطقة فقط هذا عدا عن الانتهاكات الأخرى الكبيرة التي اصبحت مألوفة في ذلك النزاع مثل عنف الجنسي والتعذيب وغيرها.

وبعد التحقيق الذي اجراه المدعي العام في مذكرة اعتقال بحق لبانغا وذلك في مارس من عام  2006 تضمنت القاء القبض عليه وابقائه رهن الاحتجاز حتى انتهاء المحاكمة وعلى اثر ذلك، وفي التاسع والعشرين من يناير 2007 اتهمت المحكمة لوبانغا بارتكاب جرائم الحرب بسبب تجنيده الأطفال الذين لم يبلغوا ال 15 عاما في القوات المسلحة المتمردة بين عام 2002 و 2003 وقد كان ذلك خالفا الأحكام و اصدرت المحكمة حكما بمعاقبة لوبانغا عن الجرائم الثالث التي ادين بارتكابها في النزاع المسلح المذكور الذي جرى بين يوليو و ديسمبر 2003 في اقليم ايتوري وهي السجن 13 عاما عن جريمة تجنيد الأطفال الذين لم يبلغوا 15 عاما و 12 عاما عن جريمة تسجيل الأطفال الذين لم يبلغوا ال 15 عاما و 14 عاما الاستخدام الأطفال الذين لم يبلغوا 15 عاما في مشاركة الفعلية في الأعمال الحربية وقد اتفق اغلبية القضاة على معاقبته 14 عاما من مجموع الإدانات وكان قد قضى 6 اعوام منها رهن الاحتجاز.

وقد اسندت المحكمة في اصدار تلك العقوبات على نص المادتين 77 و 78 من النظام الأساسي وكذلك الى القاعدة 145 من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة وقد استأنف توماس لوبانغا الحكم في 3 ديسمبر 2012 ،وفي 26 مارس ثم رفض الحجج التي اعتمد عليها لوبانغا وفي اول عام 2014  اقرت دائرة الاستئناف بحكم الدائرة الابتدائية ويعتبر هذا الحكم من اهم الأحكام كونه اولها رغم ما اخذ على المحكمة فيه من الأخذ بدمج العقوبات بدال من جمعها وما لذلك من اثر ومساس بتحقيق الردع في النفوس المجرمين.

2. تنفيذ الحكم بالإدانة بحق جيرمان كاتانغا.

قام المدعي العام للمحكمة بتعيين فريق عمل لتحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل حركات التمرد الأخرى في الحين الذي كان فيه فريق العمل الأخر يعمل في اجراء تحقيق لمحاكمة توماس لوبانغا وبعد جمع الأدلة التي من شانها ان تثبت ادانة جيرمان كاتانغا قائد قوة حركة المقاومة الوطنية في اقليم ارتوري، اصدرت المحكمة بحق كتانغا مذكره التوقيف تم على اثرها نقله الى مقر المحكمة في 17 اكتوبر من 2006 بعد ان كان محتجزا لدى السلطات الكونغولية منذ مارس 2005، واصدرت الدائرة التمهيدية الأولى قرارها في 10 مارس 2008 بمسؤولية جرمان كتانغا عن الجرائم التي ارتكبت اثناء الهجوم على قرية بوغورو

الواقعة في اقليم ايتوري بتاريخ 24 فبراير عام 2003 حيث اتهم بارتكابه لجرائم الحرب واخرى ضد الإنسانية كالاستعباد الجنسي، والتدمير المباني، والقتل، والاغتصاب، وحكم على كتانغا بالسجن لمده 14 سنة لرتكابه جرائم القتل ضد الإنسانية وجرائم الحرب المتمثلة في الهجوم على السكان المدنيين وتدمير ممتلكات والنهب وقد جرى بعد ذلك تخفيض الى 12 سنه من قبل دائرة الاستئناف بذلك من قبل الدائرة المذكورة حيث قاموا بإعادة النظر في حكمه واحتساب المدة التي قضاها في الاحتجاز امام الحكمة وتجدر الإشارة  المجيرمان كاتانغا يقضي الأن عقوبته في سجون دولة الكونغو الديمقراطية بعد ان تم نقله بصحبة توماس لوبانغا اليها في 19 ديسمبر من عام 2015 كما حكمت المحكمة بتعويضات رمزية قدرها 250  الف دولار لكل ضحية من ضحايا وذلك في 14 مارس 2017 وقدرت المحكمة الأضرار الناتجة عن الهجوم بقرابة 7.3 مليون دولار مما جعل كتانغا ملزما بدفع مليون دولار رغم اقرار المحكمة بأنه مفلس. 

3. تنفيذ حكم الإدانة بحق المهدي

اتهمت المحكمة المهدي بتخريب مواقع دينية في تمبكتو بمالي، حيث اعترف بارتكابه لجرائم تتمثل بتدمير 10 معالم واضرحة وقد حكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات وذلك في العام 2016 كما حكم عليه ايضا بدفع تعويضات قدرها 7.2 مليون دولار وطالبت المحكمة من الصندوق استئماني ان يتكفل بدفع هذه التعويضات ذلك وقد اعلن قاضي المحكمة بعد تلاوة حكم. ان المحكمة تأمر بدفع تعويضات شخصية وجماعية ورمزية لأهالي تمبكتو اقرارا بأن تدميرها قد ألحق اضرارا بالغة كما أضافت هيئة الحكم أن هناك تعويضات فردية ستحدد لاحقا لأشخاص كانوا يعتمدون على المواقع المدمرة كمصدر رزق واحد وأساسي بالإضافة لتعويضات لألحفاد المباشرين الأولياء المدفونين في الأضرحة المدمرة.

4. تنفيذ الحكم بالإذانة بحق بيمبا

قد أصدرت دائرة الاستئناف حكمها في 2018 بخصوص الطعن المقدم من جان بيمبا غامبو وذلك في ما يتعلق بإدانته بارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بعد ان ادانته الدائرة الابتدائية بارتكاب تلك الجرائم المتمثلة في القتل والاغتصاب والنهب حيث اعتبرته الدائرة الابتدائية بصفته قائدا عسكريا عمال بالمادة28/ أ من النظام الأساسي وعلى اثر ذلك تم تبرئته من جميع تلك التهم وذلك بسبب وجود اخطاء في استنتاج من قبل الدائرة البدائية التي وجدت انه لم يتخذ جميع التدابير الضرورية والمعقولة ردا على الجرائم التي جرى ارتكبها من قبل قوات حركة التحرير الكونغو وفي اليوم نفسه رفضت الدائرة الاستئنافية الطعن المقدمة ضد الحكم الصادر عن الدائرة الابتدائية حيث اعتبرت ان القرار لم يعد له اي قيمه بعد تبرئة السيد بيمبا، وفي 17 سبتمبر عام 2018 اصدرت الدائرة الابتدائية قرارها بشأن مراجعه الحكم وفي قرارها الجديد حكمت على بيمبا بالسجن لمدة سنه واحدة بالإضافة إلى غرامة قدرها 300 الف يورو.

ثانيا: إشكاليات تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

  تتنوع الإشكاليات المعيقة لعملية التنفيذ وتتعدد فمنها ما هو ذو طبيعة قانونية ومنها ما هو دو طبيعة ادارية ومنها ما هو ذو طبيعة اقتصادية ومنها ما هو ذو طبيعة سياسية وما سنعالجه كالتالي:

1. الإشكالات القانونية

(ا) ما يرتبه مبدأ التكامل من اثار: غالبا وخصوصا في اعقب النزاعات المسلحة تكون مؤسسات الدولة في حالة من الانهيار،  مما يجعلها غير قادرة على محاكمة المجرمين المراد محاكمتهم، كما قد تكون الدولة غير راغبة بذلك الي سبب كان أو عدم قدرتها في محاكمتها المجرمين المعنيين، فإننا نكون أمام صالحية المحكمة استنادا الى دورها المكمل لدور القضاء الوطني والذي ال يعلو عليه بالطبع والمقر لها بموجب النظام الأساسي وبعد ان تقوم المحكمة بإجراءات المحاكمة واصدار الحكم قد تطالب تلك الدولة بان تقوم بتنفيذ الحكم بنفسها في هذه الحالة نكون امام التساؤل  التالي هل بوسع الدولة العاجزة عن المحاكمة ابتداء ان تقوم بتنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية والمنطق يقول بان عجز النظام القضائي لتلك الدولة عن المحاكمة او عدم رغبتها بذلك ال يستوي مع قدرتها على تنفيذ الحكم او رغبتها بعد صدوره في التنفيذ ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار طول مدة الإجراءات قد يكون الوضع في الدولة المعنية قد تغير فعال مما يتيح لها القدرة او يبث فيها الرغبة في تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة لذلك فان الأمر متوقف عن على ارادة المحكمة فاذا سمحت لها المحكمة بذلك فال مانع بان تقوم الدولة المعنية بتنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة على ان يكون ذلك التنفيذ تحت اشرافها أما اذ لم تسمح المحكمة بذلك فالأمر كما ارادت.

– إفتقار النظام القانوني الدولي لأليات التنفيذ الإجباري:  تتمثل هذه الإشكالية بخلو الاتفاقيات الدولية التي هي مناط الزام الدول وتكليفها، والتي تشكل ايضا النواة منظمة او جهة قضائية دولية من النص او من تضمينها ألية تكفل او تقر بإجبارية التنفيذ، فالاتفاقيات التي تجرم بعض الأفعال الإجرامية الجسيمة البد ان تتضمن اليات تضمن من خلالها التعاون الدول في هذا المجال حيث اذا عثرت دولة ما على المجرم فان من حقها محاكمته ومعاقبته اذا كانت تشريعها الوطني يسمح بذلك والا فإنه يتوجب عليها تسليمه دون اي تردد او تأخير،  وهذا القول ايضا يمكن ان ينطبق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بوصفه اتفاقية دولية مجرمة الأفعال اشد خطورة وفتكا بالبشرية، والذي نص على قيام الدول بمحاكمة المجرمين فان لم تقم بذلك فان عليها تسليم المطلوبين الى المحكمة وقد تضمن النظام الأساسي وسيلة ملزمة للدول يمكن من خلالها ضمان تعاونها مع المحكمة إلا وهي طلب تدخل من قبل مجلس الأمن الدولي عمال بنص المادة 87 والذي يستطيع بدوره على الزام الدولة المعنية على التعاون مع المحكمة بوسائل مختلفة وفقا لميثاق هيئة الأمم المتحدة ان هذا الدور لمجلس الأمن مرهون بالإرادة السياسية للدول الكبرى و المسيطرة عليه ، ويجدر بنا ان نتذكر بموقف الولايات المتحدة الأمريكية من محكمة العدل الدولية وواليتها الجبرية وما قامت به سنه 1984 من سحب لموافقتها اثرا صدور حكم المحكمة لصالح نيكاراجوا بخصوص مسألة العمليات السرية الأمريكية الخاصة بتغريم الموانئ نيكاراجوا ووفقا للمادة 64 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة التوجه الى مجلس الأمن. 

2. الإشكاليات السياسية

تتنوع الإشكاليات ذات الطبيعة السياسية ويمكن الحديث عنها ضمن النقاط التالية:

– السياسة الانتقائية من قبل دول الكبرى في اطار تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية: تعد السياسة المنتهجة من قبل دول الكبرى ازاء تنفيذ الأحكام الأجنبية من اهم هذه الإشكاليات حيث ان تطبيق القانون الإنساني في عالمنا المعاصر يتم بأسلوب انتقائي وفقا لمعايير مزدوجة وتعتبر الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل تحقيق مصالحها الخاصة في وجود هذا الأشكال وقد ادت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على هيئة الأمم المتحدة لا سيما أن مجلس الأمن ذهب الى تكريس هذا المنطق ، بل وان الامر قد تعدى الى تسيس العدالة الجنائية. وفي ظل الصالحياتالممنوحة لمجلس الأمن بشكل واسع وفقا للنصوص ميثاق هيئة الأمم حرص مجلس الأمن على تلبية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية  لمدى مخالفتها او مطابقتها لصلاحياته المقررة في ميثاق هيئة الأمم مما ادى الى ظهور القلق الدولي اتجاه دور مجلس الأمن ، عندما ترفض دولة ما تنفيذ حكم المحكمة رغم موافقتها على استقبال المحكوم عليه بحجة ان الحكم لم يصدر باسم تلك الدولة وانما باسم المحكمة وبعد ان تقوم المحكمة بطلب المساعدة من مجلس لمواجهة هذه الحالة تبرز السياسة الانتقائية التي يتعامل بها مجلس الأمن عند ممارسته للضغط على تلك الدولة من اجل ان تقوم بالتنفيذ ذلك بالتأكيد حسب إملاءات الولايات المتحدة نظرا لتعامله بمعايير مزدوجة عند تنفيذه لما يصدر عن الهيئة بأجهزتها المختلفة من قرارات وذلك على نحو ما يجري في مجلس حقوق الأنسان ويعتبر افتقار المحكمة الى وسائل فعالة من شانها ان تدفع الدول الى التزام بالتنفيذ سببا يجعل هذه العملية الحلقة الأكثر هشاشة والأشد ضعفا في النظامين الأساسي والإجرائي للمحكمة.

– اشكالية الالتزام الدول بتنفيذ الأحكام الأجنبية ومقتضيات السيادة الوطنية: يقصد بالسيادة انفراد الدولة بمباشرة اختصاص في اقليمها الوطني وكذلك الاستقلال لمواجهة الدول الأخرى، وبالنظر الى المكان التي تحظى بها المحكمة كسلطة قضائية دولية فقد خشيت بعض الدول من ان تنتزع المحكمة سيادتها الوطنية، تعتبر الجرائم داخل ضمن اختصاص المحكمة ليست جرائم الإقليمية بحيث ال يقتصر اثرها على اقليم دولة فحسب، بل يمتد ليشمل كل الدول وذلك باستناد الى الطبيعة الرضائية الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق الدول بالاستناد الى اليات التعاون والمساعدة القضائية الدولية المقدمة من قبل الدول الأطراف لدى المحكمة، وعلى الرغم من وجود ذلك الارتباط الوثيق بين اختصاص الوطني ومبدا ممارسة الدولة لسيادتها المستقلة حيث ان الدول لم توافق على انشاء المحكمة بداية الا بعد ان قيدتها بشروط متعددة. كما ان هناك التزام يقع على عاتق الدول الأطراف وهو واجب التعاون مع المحكمة بشكل عام وال سيا ما فيما يتعلق بتنفيذ هذه الأحكام ولكن هناك دول يتم اختيارها لتنفيذ الأحكام ترفض محتجة بمبدأ السيادة ان يسجن شخص في سجونها دون ان يحاكم امام قضائها وطني هناك دول تعتبر الأمر تدخل في شؤونها الداخلية ومن امثلة على ذلك رفض السودان تعاون مع المحكمة بخصوص تسليم الرئيس عمر البشير واخرين وعدم استجابتها لقرار مجلس الأمن الصادر تبعا لذلك في عام 2015.

المطلب الثاني: طرق الطعن في الأحكام.

       للتفصيل في طرق الطعن وجب علينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن إجراءات الاستئناف و الثانية للحديث عن الطعن بإعادة النظر. 

الفقرة الأولى: إجراءات الإستئناف.

  يبدو واضحا أن المحكمة الجنائية الدولية سمحت للمتخاصمين أمامها باستئناف قراراتها انسجاما مع احترام حقوق الدفاع، وهي بهذه الإجراءات المختلف عما يجري من طعن بالأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية والتي يقوم التقاضي فيها على درجتين وفقا الأحكام القانون الداخلي او الوطني الذي يحكم عمل هذه المحاكم وإجراءات الطعن بالأحكام الصادرة عنها، وقد أخذت معظم الأنظمة القضائية بالتقاضي على درجتين احتراما لحقوق الدفاع وتحقيقا للعدالة حيث أجاز النظام الأساسي لكل من المدعي العـام والمـدان الممثل بالدفاع أن يتقدم باستئناف للحكم الصادر من الدائرة الابتدائية، وذلك للأسباب الموضـحة فـي النظام الأساسي للمحكمة ويمكن تلخيص أسباب الاستئناف كما يلي: 

1. الغلط الإجرائي.

2. الغلط في الوقائع.

3. الغلط في القانون.

4. عدم التناسب بين الجريمة و العقوبة.

  إضافة إلى هذه الأسباب فقد أجاز النظام الأساسي للمدان أن يستأنف الحكم الصادر عن الدائرة الابتدائية  سببا يمس نزاهة أو موثوقيّة الحكم أو الإجراءات.

ويظهر من خلال الأسباب التي أوردها النظام الأساسي  للاستئناف انه يجـب أن يكـون هنالك سبب جوهري وليس أي خطأ في المحاكمة كما يمكن المدعي العـام أو المـدان مـن الاستناد عليه للاستئناف، ويجب ان يقدم خلال الفترة  المسموح فيها بالاستئناف، الا ان القاعدة الإجرائية 150 من للائحة القواعد الإجرائية وقواعد الأثبات تنص على:

1. يجوز رهنا بالفقرة 2 من القاعدة رفع استئناف ضد قرار بالإدانة أو التبرئـة اتخاذ بمقتضى المادة 75 في موعد أقصاه 30 يوما من تاريخ إخطار الطرف مقـدم الاستئناف بالقرار.

2. يجوز لدائرة الاستئناف تمديد المهلة الزمنية المبينة في الفقرة 1 من القاعـدة 150، بسـبب وجيه عند تقديم طلب من الطرف ملتمس رفع الاستئناف واخطار الاستئناف يقدم الى المسجل حسب المادة المذكورة ضمن المدة المحددة بغير ذلك يصبح قرار الدائرة الابتدائية ، ويمكن اختصار إجراءات الاستئناف بالنقاط نهائيا الأتية:

1) يقدم طلب الاستئناف من الطرف المستأنف إلى المسجل ضمن المدة القانونية.

2) يقوم المسجل بعد ذلك بإحالة السجل الخاص بالمحاكمة إلى دائرة الاستئناف.

3) يخطر المسجل جميع الأطراف في إجراءات المحاكمة أمام الدائرة الابتدائية.

4) تعقد دائرة الاستئناف جلسة استماع للإستئناف بحضور الأطراف.

الفقرة الثانية: إجراءات إعادة النظر.

 إعادة النظر طريق من طرق الطعن غير العادية في الأحكام، ومتعارف عليه في كافة النظم القانونية، ويهدف إلى مراجعة الحكم حتى ولو كان نهائيا، بسبب اكتشاف واقعة بعد صدور الحكم، لو كانت قد ظهرت قبل صدوره لتغير مسار الحكم، ويشترط للاستفادة من هذا الطريق من طرق الطعن، أن يكون المتهم قد استنفذ طريق الطعن بالاستئناف، أي أنه تم اكتشاف أدلة ووقائع جديدة بعد انقضاء مدة الاستئناف.

  وقد منح نظام روما الأساسي الشخص المدان أو حتى بعد وفاته للزوج أو الأولاد أو الوالدين أو أي شخص من الأحياء يكون وقت وفاة المتهم قد تلقى بذلك تعليمات خطية صريحة منه أو المدعي العام نيابة عن الشخص حق تقديم هؤلاء الى دائرة الاستئناف طلبا لإعادة النظر في الحكم النهائي بالإدانة أو بالعقوبة، على أن يكون ذلك في صورة خطية يبين فيه أسبابه مع جواز تقديم مستندات مؤيدة لذلك قدر الإمكان إما لاكتشاف أدلة جديدة لم تكن متاحة وقت المحاكمة، وأن عدم إتاحة هذه الأدلة لا يعزي كليا او جزئيا إجراء الطرف مقدم الطلب، شرط أن تكون على قدر كاف من الأهمية، بحيث لو أنها أثبتت عند المحاكمة لكان من المرجح أن تسفر عن حكم مختلف، وإما أنه قد تبين حديثا أن أدلة حاسمة  وضعت في الاعتبار وقت المحاكمة واعتمدت عليها الإدانة كانت مزيفة أو ملفقة أو مزورة، أو أنه قد تبين أن واحدا أو أكثر من القضاة الذين اشتركوا في تقرير الإدانة أو في اعتماد التهم قد ارتكبوا في تلك الدعوى سلوكا سيئا جسيما أو أخلوا بواجباتهم إخلال جسيما على نحو يتسم بدرجة من الخطورة تكفي لتبرير عزل ذلك القاضي  أو أولئك القضاة، وتتخذ دائرة الاستئناف قرارها بأغلبية القضاة بشأن جدارة الطلب، شورط أن يكون هذا القرار مؤيدا بأسباب خطية، ويرسل إخطار به إلى مقدم الطلب وبقدر المستطاع إلى جميع الأطراف المشاركة في الإجراءات المتصلة بالقرار الأولي.

         هذا وقد أشارت المادة 84 من النظام الأساسي للحكمة الجنائية الدولية على ما يلي:

1- يجوز للشخص المدان ويجوز، بعد وفاته، للزوج، أو الأولاد، أو الوالدين، أو أي شخص من الأحياء يكون وقت وفاة المتهم قد تلقى بذلك تعليمات خطية صريحة منه، أو المدعي العام نيابة عن الشخص، أن يقدم طلبا إلى دائرة الاستئناف لإعادة النظر في الحكم النهائي بالإدانة أو بالعقوبة استنادا إلى الأسباب التالية:

– أنه قد اكتشفت أدلة جديدة:
1-   لم تكن متاحة وقت المحاكمة، وأن عدم إتاحة هذه الأدلة لا يعزى كليا أو جزئيا إلى الطرف المقدم للطلب؛ 
2  – تكون على قدر كاف من الأهمية بحيث أنها لو كانت قد أثبتت عند المحاكمة لكان من المرجح أن تسفر عن حكم مختلف؛
(ب) – أنه قد تبين حديثا أن أدلة حاسمة، وضعت في الاعتبار وقت المحاكمة واعتمدت عليها الإدانة، كانت مزيفة أو ملفقة أو مزورة؛
(ج) – أنه قد تبين أن واحدا أو أكثر من القضاة الذين اشتركوا في تقرير الإدانة أو في اعتماد التهم، قد ارتكبوا، في تلك الدعوى، سلوكا سيئا جسيما أو أخلوا بواجباتهم إخلالا جسيما على نحو يتسم بدرجة من الخطورة تكفى لتبرير عزل ذلك القاضي أو أولئك القضاة بموجب المادة 46.

3 – ترفض دائرة الاستئناف الطلب إذا رأت أنه بغير أساس، وإذا قررت أن الطلب جدير بالاعتبار، جاز لها، حسبما يكون مناسبا:
(أ) أن تدعو الدائرة الابتدائية الأصلية إلى الانعقاد من جديد؛ أو
(ب) أن تشكل دائرة ابتدائية جديدة؛ 
(ج) أن تبقى على اختصاصها بشأن المسألة.

بهدف التوصل، بعد سماع الأطراف على النحو المنصوص عليه في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، إلى قرار بشأن ما إذا كان ينبغي إعادة النظر في الحكم.

وتنظر دائرة الاستئناف في الطلب المقدم لإعادة النظر في الحكم وإذا تبين لها بأن هذا الطلب بغير أساس ترفضه، أما إذا قررت أن الطلب جدير بالاعتبار فلها أن تدعو الدائرة الابتدائية الأصلية إلى الانعقاد من جديد، أو أن تشكل دائرة ابتدائية جديدة، أو أن تبقي على اختصاصها بنظر الموضوع، وذلك لكي تتوصل إلى قرار بشأن ما إذا كان ينبغي إعادة النظر في الحكم.

ويصدر قرار إعادة النظر في القضية بأغلبية أراء القضاة، ويكون النطق به في جلسة علنية، وإذا لم يوجد إجماع وجب أن يتضمن قرار إعادة النظر أراء الأغلبية وأراء الأقلية

         خاتمة:

      تأسيسا على ما سبق القول في صميم هذا الموضوع المعنون المحكمة الجنائية الدولية وإجراءات المحاكمة التي جاءت لمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية الأشدة خطورة على الإنسانية من قبيل جرائم الحرب و العدوان و الجرائم ضد الإنسانية و غيرهما في محاولة للحيلولة دون إفلات الجناة من العقاب وقد يتم ذلك بالإستناد على مساعدة بعض الدول ومعتمدتا في عملها على نظام روما الأساسي فقد حاولت  هذه المحكمة تحقيق سياسة جنائية دولية لا تعترف بالفوارق الإجتماعية لكن لاتزال هذه المحكمة لم تصل إلى المسعى الدولي القائم على العدالة.

  كما أن التجريم الدولي لتلك الأفعال الخطيرة و اللأنسانية في إطار اتفاقية دولية  لمكافحة الجريمة الدولية أو في إطار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي حدد الجرائم الدولية التي تختص بنظر فيها المحكمة، وتجدر الإشارة إلى أنه إذا ارتكبت إحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بعد نفاذ نظامها الأساسي، فلا يهم بعد ذلك الوقت الذي تحرك فيه الشكوى أو وقت إلقاء القبض على المتهم، لأن الاتجاه الذي يأخذ به النظام الأساسي يدعو إلى عدم سقوط الجرائم الدولية بالتقادم طبقا لأحكام المادة الثلاثين من النظام الأساسي.

   بخصوص النظام الأساسي للمحكمة فقد اكد في عدة مواضيع على ضرورة التعاون الدول مع المحكمة أيا كانت طلباتها لاسيما بشان التسليم كالمادة 89 و 90 و93 كما توجد قواعد خاصة تعالج ما يمكن ان ينشأ من نزاعات عند التسليم ومع الأخذ بعين اعتبار الاختصاص التكميلي للمحكمة فقد عالجت المادة 99 من النظام الأساسي الإشكالية الكامنة في التعدد الطلبات التسليم.

  بالرغم من ذلك فان إشكالية عدم تسليم المحكوم عليهم الى الدولة المخول لها التنفيذ تبقى قائمة غالبا وتقوم الدول بعملية تسليم طالقا من وجود اتفاقية ثنائية مع دولة تنفيذ تقضي بذلك، إذ يتعين على الدول المنخرطة في نظام روما تجويد التعاون و مساعدة المحكمة الجنائية الدولية لزجر مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة ولو كانوا من القادة العسكرين و رؤساء الدول و معتلى المناصب الحكومية.

لا تنسى الدعاء للوالدين

مشاركة