بقلم عزيز بنحريميدة
في خطوة جديدة تعكس صرامة القضاء الإداري في مواجهة الاختلالات التدبيرية وحماية المال العام، قررت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عزل رئيس جماعة برشيد وثلاثة من نوابه، إضافة إلى أربعة أعضاء آخرين من المجلس، وذلك على خلفية خروقات اعتبرتها المحكمة ذات تأثير مباشر على شفافية التسيير واحترام النصوص القانونية المؤطرة للعمل الجماعي.
القرار الذي أثار اهتمام الرأي العام المحلي والجهوي، يأتي في سياق سلسلة من الأحكام التي باتت تصدرها المحاكم الإدارية بالمملكة خلال السنوات الأخيرة، والتي تستهدف ضبط عمل المنتخبين وربط المسؤولية بالمحاسبة، انسجاماً مع روح الدستور وتوجيهات النموذج التنموي الجديد.
وبحسب المعطيات المتداولة، فقد استندت المحكمة في قرار العزل إلى مجموعة من التقارير والملاحظات الرقابية التي كشفت عن اختلالات في التدبير الإداري والمالي، إضافة إلى ممارسات تدخل في خانة سوء استعمال السلطة وخرق القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
وقد شددت المحكمة في تعليل حكمها على ضرورة احترام مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان الشفافية في كل القرارات والتعاقدات التي تهم الشأن المحلي.
ويرى متتبعون أن هذا الحكم يشكل رسالة قوية مفادها أن القضاء الإداري بالمغرب يسير بخطى ثابتة نحو تخليق الحياة العامة وتطهير المشهد السياسي المحلي من كل الممارسات التي تسيء للصالح العام، خاصة وأن محاكم المملكة باتت تعتمد مقاربة استباقية تقوم على التحقيق، المتابعة، وإصدار قرارات جريئة كلما ثبت وجود تلاعب أو تجاوز للقانون.
كما يسجل مراقبون أن الأحكام الصادرة مؤخراً ضد منتخبين في عدد من الجماعات، ومنها جماعة برشيد، تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها عدم الإفلات من العقاب، وأن المسؤولية الانتخابية لم تعد حصناً ضد المحاسبة، بل هي تكليف قانوني وأخلاقي يستوجب الانضباط لأحكام القضاء والحرص على حماية المال العام وحقوق المواطنين.
هذه القرارات، وفق المهتمين بالشأن المحلي، من شأنها أن تُعيد الثقة للمواطنين في المؤسسات، وأن تدفع نحو تجويد العمل السياسي وتعزيز ثقافة النزاهة داخل المجالس المنتخبة، بما يتماشى مع الرؤية الوطنية الرامية إلى إرساء أسس الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية.
وبهذا الحكم، تؤكد المحكمة الإدارية بالدار البيضاء مرة أخرى أنها رقم أساسي في مسار تخليق الحياة السياسية وترسيخ دولة الحق والقانون، وأن زمن التساهل مع التجاوزات التدبيرية قد ولى، وأن المسؤولية اليوم عنوانها المحاسبة قبل الامتيازات.

